نضالك سيثمر وردا المصور كاردو كامو

 

اجرى الحوار: توفيق رفيق التونجي

اليوم التقي بمناضل ضحى بالكثير من اجل وطن حر وتبدا معرفتي للمصور كاردو الى اكثر من عشرين عاما حين كنت احضر لنشر كتابي حول الحركة الكوردية التحررية واخترت لغلاف الكتاب احد صور المصور وكانت تمثل احد البيشمركة وعلى فوهة بندقيته وقفت حمامة تنضر الى الأفق كأنها تقول هناك الحرية. آنذاك اتصلت بالمرحوم كاظم حبيب كي آخذ موافقتك على اختيار صورة لبيشمركة وعلى فوهة بندقيته تقف حمامة. أتذكر انه أعطاني رقم تلفون خالك فتحدثت معه فقال بأنكم في جبال كوردستان.

فن التصوير التوثيقي غير معروف على صعيد العراق بصورة عامة وتاريخ التصوير كان مرتبطا دوما بما سمي بالاستديو الذي كان مهمته التقاط الصور الشخصية. كيف تحول اهتمامك إلى توثيق الحوادث بدلا من الأشخاص؟

إشكالية التوثيق بشكل بما فيها الصور والوثائق والمراسلات والأفلام والكاسيتات وغيرها مما تحتاج إلى توثيق ، ارتبطت في العراق بطبيعة السلطة ، بطبيعة الشكل السياسي السائد مما جعلها خاضعة لرؤيتها وهذا ما شكل في كثير من الاحيان مفترق طرق لماهية الأرشفة إذ طالتها التلف والإبعاد والحرق والتدمير او أبراز جوانب هامشية منها يخدم السلطات ورؤيتها السياسية الاجتماعية ، هذا لا يعني انه لم تبرز او تتواجد أشكال أرشيفية على المستوى البصري هنا او هناك خارج أرشفة الاستديو المغلق ، يمكن لنا ان نورد على سبيل المثال أعمال فنانين فوتوغرافيين عملوا على إرشفة الحياة العراقية ومنهم على سبيل المثال في بداية القرن الماضي عبدالكريم المصور وعبد الرحمن الأهلي ومن ثم الدورادو وأرشاك في العاصمة بغداد ، ومن الموصل مثلا مراد الداغستاني ، من السليمانية محمود ابو رفيق ، في بغداد كذلك الفنان الفوتوغرافي ذو الأصول الكوردية ناظم رمزي ، الفنان الفوتوغرافي لطيف العاني والفنان الفوتوغرافي الهماوندي فؤاد شاكر ، القائمة تطول وهي غنية بملامحها لكنها بحاجة إلى أرشفة وتوثيق .

علاقتي بالفوتوغراف مرتبطة بتخصصي أذ اني تخرجت من جامعة موسكو كلية الصحافة قسم التلفزيون وبالتالي كانت هناك مهارات نظرية وتطبيقية ساعدتني في تطوير مساري الفوتوغرافي وخاصة أثناء انخراطي في الكفاح المسلح في جبال كوردستان ضد نظام البعث الفاشي ، هذه التجربة التي خضتها مع قوات الأنصار الشيوعية فتحت عيني على مظلومية الشعب الكوردي وجمال القرى والطبيعة ، حب الناس لأرضهم وقراهم ، فتحت عيني على أصالة شعبنا الكوردستاني من خلال التنوع الثقافي الميداني للقرى ذاتها والتي كانت هنا وهناك تمتزج مع السريان والكلدان ، جمالية الملابس الكوردية في أرياف دهوك والسليمانية وأربيل ، الطبيعية الجبلية الخلاقة وعنصر الكفاح الذي كان يشدني إلى هذه الأماكن ، هنا نضجت أفكاري ومارست رغم الصعوبات وانعدام تام لمستلزمات العمل الفوتوغرافي حيث في أقاصي الجبال وتلك القرى النائية التي لم تكن تعرف سوى الكفاح من أجل أرضها ووجودها ، لم تكن تتوفر أي مستلزمات للعمل من كامرات وأفلام ناهيك عن انعدام او القدرة على غسل الأفلام وطباعتها ، مما جعل عملي الفوتوغرافي اكثر صعوبة وحدة حيث انه يمكن القول ان كثير من أعمالي الفوتوغرافية الجبلية كانت تشبه عملية حمل وولادة غير معروفة في ظل ظروف قاسية ومجهولة في آن واحد.

كانت لكم تجربة خارج العراق كذلك وأعتقد كان في ألمانيا حدثنا عن تلك التجربة؟

بعد خروجي القسري مع الأف المناضلين والثورين نحو بلدان المنفى نتيجة الهجمات الوحشية والفاشية لجيش صدام وعصاباته ، توجهت إلى سوريا حيث مرحلة أخرى في حياتي وعملي أذ قمت وفي سرية إلى حد ما بتصوير حياة الكورد وقراهم ، تلك الرحلة التي استغرقت أسابيع ، باستعمال البغال والماطورسكلات والتنقل الليلي بواسطة تراكتورات الفلاحيين ، كل ذلك وسط سرية شبه تامة وبأدوات فوتوغرافية عادية ، كانت حصيلتها احدى أجمل تجارب حياتي الفوتوغرافية أذ عرفت مرة اخرى وتعرفت على شعبي الكوردي في سوريا عن كثب وتفحص ودراية من الناس ، من الكادحين والفلاحيين في القرى والسهول الكوردية في سوريا بالطبع توسعت اهتماماتي الفوتوغرافية وتنوعت أساليبي في العمل لتشمل الناس والمكان والشخصيات بمختلف مشاربها في الخارج ومن ثم في الداخل العراقي والكوردستاني.

 

اول معرض لكم كان في جبال كوردستان أيام نضال الأنصار ضد الحكم البعثي الفاشي وافتتحها الأخ مسعود البارزاني حدثنا عن مواضيع صور المعرض؟

في تلك الظروف القاسية توفرت بعض الأحيان فرص نادرة لممارسة بعض شغفي الفوتوغرافي ومنها قربي من المركز الإعلامي لقوات الأنصار الشيوعية في أقاصي الجبال الوعرة حيث قام مجموعة من الرفاق وبأدوات ومواد تحميضيه بسيطة ، بطباعة بعض أعمالي الفوتوغرافية والتي ضمت مشاهداتي ورؤيتي للمقاتلين والقرى والفلاحيين والأطفال والطبيعة ، تلك الأعمال التي تنقلت هنا او هناك في المقرات والقرى الكوردستانية والتي كان أحداها هو المعرض الذي أقمته في منطقة زيوة عام 1985 حيث حضر الاخ المناضل مسعود البارزاني مع الرفيق توما توماس لافتتاح المعرض والذي شكل علامة بارزة في تاريخ الكفاح المسلح الكوردستاني اذ لم يسبق ان فتح معرض فني فوتوغرافي في المقرات والقرى في أقاصي الجبال المغطاة بالثلج والدم والأمل.

 

الكاميرة كسلاح نضالي قدم دوما صور حقيقية خاصة في الحروب وقدم جيل من المصورين ارواحهم في هذا الطريق. كيف تمكنت من توثيق هذا التاريخ المشرف؟

ولعل أكبر عمل توثيقي فوتوغرافي قمت به هو توثيق بغداد القديمة التي تسحرني وتجذبني اليها أذ ولدت في باب الشيخ جوهرة بغداد ، أذ قمت ومن خلال تتابع يومي لعدة سنوات بتصوير غالبية محلات بغداد القديمة ان لم تكن كلها ، لقد قمت بالتصوير ضمن منهجية صارمة وفق خارطة طريق وضعها عن بغداد الضابط الإنكليزي فيلكس جونز عام 1847_1854 والتي كانت عمليا اول خارطة حضرية بهذا الشكل والعمق عن بغداد ، وبقدر ما انهكني العمل إلا اني وجدت تاريخي وجمال بغداد الساحر في تلك البيوت المتهالكة لكن المملؤة حنان وطيبة وصدق قل نظيره ، كنت إدق على إي باب في إي محلة من محلات بغداد القديمة فتفتح الأبواب والقلوب لي دون وجل او أرتباك حتى لكنت أشعر اني أولد من جديد في هذه الأماكن.

 

حلمي ونسقي الذي أسعى اليه كذلك هو تصوير الأزياء الكوردية إذ انها تمثل تأريخا مهما في حياة الشعب الكوردي لكونها تعبيرا عن ثقافته وأصالته وروح كفاحه، الملابس الكوردية وخاصة نساء القرى هو تعبير مكثف عن تاريخ سحيق يمتد لمئات السنين، القرى الكوردية ليست فقط طبيعة، بل انها العمود الفقري للكفاح الكوردستاني ناهيك عن كونها حاملة التاريخ الثقافي الكوردستاني وهي في الوقت ذاته أحدى اجمل وأهم الرسائل عن شعبنا وتأريخه وجماله.
إضافة إلى عملي الفوتوغرافي هذا فاني أعمل كذلك بقوة وحماس على أرشفة التاريخ الثقافي العراقي بشكله العام والبغدادي بشكل خاص مع خصوصية للتاريخ الكوردستاني ما بعد تأسيس الدولة العراقية المعاصرة عام 1921 حيث أسعى إلى حفظ كل ما يتعلق بشعب كوردستان من أخبار ووثائق وصور توثق تاريخنا الكوردستاني.

نشكر العزيز كاردو متمنين له تحقيق حلمه في توثيق التراث والإرث الثقافي الكوردستاني.

الأستاذ كاردو كامو(كفاح محمد امين)

قد يعجبك ايضا