مع المترجم محمد علي ثابت

 

حوار : عطا درغام

كاتب ومترجم من مصر .. يؤمن بالديمقراطية والحرية والعدالة والقيم الأخلاقية والإنسانية.. مهتم بالأدب والتاريخ والسياسة والفلسفة والثقافات المتنوعة.
و من الأعمال المنشورة :كتاب : قراءات سياسية – (تلخيص وقراءة لحوالي 34 كتاب ودراسة وتقرير بحثي غربي).، ومن الأعمال المترجمة :كتاب: الوطنية المنحرفة ، وترجمة كتاب الهيمنة العثمانية في أوروبا ، وترجمة مجموعة قصصية قصيرة لألفونس دوديه: البلياردو وحكايات أخرى،: وترجمة كتاب ربع قرن في مصر: مذكرات البارون كوسيل، وترجمة كتاب: رحلات جيمس برانت إلى المناطق الكردية والأرمنية ،وترجمة كتاب رحلات مارك سايكس في العراق العثماني ، وترجمة رواية “جابر: سلام من النيل إلى البوسفور، و مسرحية “سرقة” لجاك لندن- و كتاب مذكرات ورحلات الليدي هيستر ستانهوب . وكان لنا معه هذا الحوار حول الترجمة وتجربته في الترجمة.

 

 

* هل التواصل بين المترجم والمؤلف شرط أساسي من أجل الوصول إلى ترجمة أمينة؟

مسألة التواصل بين المترجم والمؤلف تكون مهمة في النصوص الأدبية؛ إذا كان المؤلف على قيد الحياة، لأن الترجمة الأدبية من أشق أنواع الترجمة بسبب اختلاف المقصود من المصطلح. وكل مؤلف له مجموعة من المصطلحات الخاصة به في رواياته وأدبياته. أما إذا لم يكن المؤلف موجودًا؛ فيضطر المترجم إلى دراسة منشوراته ومحاولة معرفة ما يقصده من معاني الكلمات، وطبعا هذا بشكل تقريبي وليس قطعيًا.

 

* هل الترجمة مُخاطرة على حساب النص؟ وما الذي يمكن أن يخسره النص إن تُرجم إلى لغة أخرى؟
الترجمة تكون مخاطرة على حساب النص إذا كانت ترجمة حرفية، وليست احترافية. لأن الترجمة الحرفية تُفقد النص روحه والمقصود الحقيقي منه، ولعل الترجمات الرائجة الآن والتي يوفرها الذكاء الاصطناعي هي أكبر دليل على ذلك. والنص يكسب الكثير حين يترجم بطريقة احترافية للغات أخرى، بشرط أن يكون المترجم واعياً لخطورة دوره والمهمة المُلقاة على عاتقه. ولي تجربة شخصية في هذا المجال حين قرأت الترجمة الإنجليزية لرواية “السكرية”، وكان المترجم أمريكي، وفعلاً كان يفهم كل مصطلح ،والمقصود منه تماماً لدرجة مبهرة.

 

* هل من الممكن أن تعطي الترجمة روحًا جديدة للنص الأصلي؟
الترجمة لا بد أن تنقل روح النص الأصلي؛ وهذا هو المقصود بأمانة الترجمة. وكون المترجم شريكاً مع المؤلف لا يُعطيه الحق في إعطاء النص روحًا جديدة تخالف ما أوجدها المؤلف في كلماته. حتى مسألة التعريب أو ما أسماه الدكتور محمد عناني شيخ المترجمين العرب بـ “دور المترجم كمؤلف للنص”، فهنا يكون التصرف في الترجمة في حدود وليس على إطلاقها. وهذا التصرف المحدود هو المقصود ببعض الخيانة الحميدة للنص الأصلي.

 

* ما التحديات التي يواجهها المترجمون إلى العربية؟
أكبر تحدي للمترجم هو الالتزام الأمين بالنص الأصلي، ففي كثير من الأحيان يجد المترجم نفسه يترجم نصًا يخالف مفاهيمه أو معتقداته، وهنا لابد له من الوقوف مع نفسه قبل الشروع في العمل؛ هل سأكون قادرًا على الالتزام بمصطلحات المؤلف الأصلية؟ أم سأحاول تخفيف وقعها على بعض القارئين المخالفين لفكر المؤلف؟
ولي تجربة في هذا الشأن مع ترجمة كتاب “الهيمنة العثمانية في أوروبا”، فالمؤلف كان مؤرخًا ورجل دين مسيحي، وكانت رؤيته قائمة على معتقداته؛ وألزمت نفسي برؤيته وتقمصت روحه، واستخدمت مصطلحاته دون أي تحريف.

 

* هناك آثار أدبية وفكرية عالمية ترجمت أكثر من مرة، فهل تجد مبررًا مقنعًاا لذلك؟
الحقيقة أنه لا يوجد مبرر مقنع لهذا الأمر؛ إلا إذا كانت الترجمة الأحدث ستضيف جديدًا واضحًا للترجمة القديمة، أو أن المترجم سيقوم بتعريب النص والتصرف فيه؛ وهنا يجب إيضاح ذلك للقارئ. أما فيما عدا ذلك فلا أرى سوى أنها مجرد محاولات من دور النشر لاستغلال نصوص سقطت حقوق نشرها لتحقيق مكاسب مادية بدون مقابل كبير.

 

* باعتبارك مترجماً، هل يمكن للمترجم أن يترجم كل شيء؟ أم أن التخصص في الترجمة مطلوب؟
التخصص مهم جداً للمترجم، خاصة في الترجمات العلمية وغيرها من الفروع المتخصصة. وكلما تخصص المترجم كان إنتاجه ومنجزه جيدًا وكاملًا.

 

 

* ماهي الأدوات التي تساعد في صنع مترجم جيد؟
القراءة ثم القراءة ثم القراءة، لا يوجد مترجم لا يقرأ. ومن لا يقرأ الكثير لا يفهم الكثير، ولو اكتفى المترجم بما يقرأه في أعماله فقط فسيضمحل عقله وينحدر مستواه اللغوي وقاموسه اللغوي.

 

* ماهي برأيك أهم الصعوبات والتحديات التي تواجه المترجم في عمله؟
أكثر تحدي يواجهه العامل في حقل الترجمة هو ضيق الوقت المتاح؛ فالوقت المضغوط لا ينتج عنه عمل جيد أبداً. وحتى إذا ظن الإنسان بنفسه القدرة على الإسراع في الترجمة؛ فإنه سيندم كثيراً حين يعود إلى قراءة عمله بعض مضي فترة من الزمن، وسيجد فيه الكثير من الثغرات وربما الأخطاء التي لم ينتبه إليها بسبب ضيق الوقت.

 

* ما هي أخلاقيات الترجمة؟
الأمانة في النقل، وإسناد كل قول لأصحابه، وتقمص روح المؤلف حتى وإن اختلفت معه. هذه أهم ما يتحلى به المترجم من وجهة نظري.

 

* ما دور الترجمة كجسر للتواصل الحضاري بين العرب والغرب؟
دور الترجمة كما ذكرت في السؤال هو أنها جسر بين الثقافات والحضارات، لذلك يجب انتقاء ما يتم ترجمته بدقة واحتراز شديد حتى لا تكون الصورة المنقولة خاطئة. وليس كل ما يُنشر يصلح للترجمة. وهنا أتذكر نظرية موت المؤلف لرولان بارت؛ فالنص المترجم سيبقى شاهداً على المؤلف والمترجم وخالداً بعدهما، وأي خطأ في الانتقاء سيظل معلقاً بصاحبه للأبد.

 

* هل يتم التعامل مع الإنترنت كأداة مساعدة في إجراء عملية الترجمة؟ حدد الضوابط.
أستاذنا المترجم الدكتور إمام عبد الفتاح له قول مشهور “أن المترجم مطالب بأن يستخدم كل ما يتاح بين يديه من مصادر لإخراج عمله في أحسن صورة”، وهذا يبين بوضوح أن التعامل مع الإنترنت مباح للمترجم من باب الاستئناس والاستزادة بما لم يرد في غيره من المعاجم والمصادر الورقية. ولعل في العصر الحالي أصبحت كل المراجع موجودة على الإنترنت بشكل أوفر بغزارة من الماضي. أما الضوابط فهو ما ذكرناه سابقاً من ضرورة التزام المترجم بعدم الحرفية أو النقل الأعمى، ودراسة ما يجده على الانترنت ومطابقته مع ما لديه من مخزون معرفي.

 

* هل كل ما يترجم اليوم صالح للقراءة؟ لماذا؟
الحكم على صلاحية كل ما يُنشر هو من حقوق القارئ، أما انتقاء ما يُترجم فيعود للمترجم نفسه، وهو الرقيب على قلمه.

 

 

* هل يمكن للترجمة أن تمثّل خطرًا على هويّة اللغة التي تترجم إليها وهوية متكلّميها؟
بالعكس الترجمة المحترفة الواعية تمثل نفعاً ومكسباً للغة التي تُترجم إليها، وكلما كان المخزون اللفظي للمترجم غزيراً كلما أظهر في ترجماته معانٍ جديدة لكلمات قديمة، وأيضاً تعريب المصطلحات يفيد اللغة ويضيف إليها مفردات جديدة. والهوية لا تتأثر إلا بنوعية ما يُترجم إليها، أي مسألة انتقاء لا أكثر.

 

* ما هي مزالق الترجمة المصرية ومشاكلها؟
في رأي أن أكثر مزالق الترجمة المصرية خطورة هو اللجوء الى اللغة العامية أو الدارجة في الترجمة، وخاصة في النصوص الأدبية. فرغم أن العامية قد تفيد في بعض الأحيان، لكن ذلك يجب أن يكون في أضيق نطاق. وإلا فإن النص المترجم بهذه الطريقة سيكون مغرقاً في المحلية ولن يجد له قارئًا يفهمه خارج المجتمع المصري، وربما حتى خارج الإقليم الذي يتحدث بلغته المحلية.

 

* هل يعتبر الاقتباس ترجمة غير أمينة أم سطو علي عمل من لغة أخري؟ لماذا؟
الفرق بين الاقتباس والانتحال هو ذكر مصدر الاقتباس، وإذا تم ترجمة أي اقتباس يجب نسبته إلى صاحبه وليس إلى مترجمه، وإلا أصبحت سرقة واضحة.

 

* الترجمة مهنة أم هواية ؟
أعتقد أن الترجمة هواية وشغف قبل أن تكون مهنة.

 

* أتعتقد أن الترجمة شيء مكتسب أو بالأصح هل من الممكن اكتسابها من خلال القراءات المستمرة للغات الأخرى؟
نعم الترجمة يمكن أن تكون شيئاً مكتسبًا إذا توافقت مع شغف الإنسان بالقراءة بلغة غير لغته الأم، ورغب الشخص في توثيق قراءته عبر ترجمة ما يحبه.

 

*كيف يختار المترجم الكتب التي يترجمها هل يعتمد على نهج محدد أم على حسب ما يهوى هو؟
الحقيقة أن اختيار الكتب يكون بتوافق بين المترجم والناشر، لكن في بعض الأحيان يختار المترجم أشياء يحبها وتكون متفقة في الخط العام للنشر. والتخصص يحكم نهج الترجمة قبل أي شيء.

 

* كيف ترى واقع الترجمة في الوطن العربي والمصري تحديدًا؟
للأسف واقع الترجمة في مصر والعالم العربي سيء جدا، فلا رعاية ودعم للمترجمين إلا في أضيق نطاق وبشروط لا تطاق، ولا يوجد برامج ترجمة تتبناها هيئات ومؤسسات حكومية وغير حكومية إلا نادراً. وحتى اختيار الكتب في هذه البرامج يخضع لشروط وسياسات قومية خانقة.

 

* أيهما أصعب في رأيك صناعة نص مِن العدم أم ترجمة نص؟
بالطبع إنشاء نص من العدم هو الأصعب، فالترجمة تتعامل مع نص موجود مسبقًا؛ ومهما كان حجم التصرف أو التدخل في الترجمة كبيرًا أو قليلًا؛ فإن التعامل في كل الأحوال مع نص ملموس وموجود بالفعل. أما الإبداع فهو إنشاء نص من العدم.

 

* هل هناك فرق بين ترجمة النص التاريخي والرواية الأدبية؟
من وجهة نظري أنه لا فرق بينهما، فالنص التاريخي يكون أجمل إذا صيغ بصياغة أدبية تضيف إليه رونقاً وجاذبية. والرواية تشبه الحكي التاريخي كذلك.

 

 

* كيف تبدأ عملية الترجمة؟ هل تباشر بترجمة النص؟ أم يلزم القراءة بشكل عام عن الحقبة الزمنية للرواية أو الكتاب؟ وهل تقوم بدراسة أعمال المؤلف السابقة قبل البدء في الترجمة؟
لا أبدأ الترجمة أبداً قبل التعرف إلى النص وقراءته والاقتناع به، بعدها أبدأ بالتعرف على المؤلف وتاريخه وأحاول تشكيل وجهة نظر عن شخصيته وعصره. كل ذلك قبل الشروع في الترجمة. أما دراسة أعماله السابقة فليس بضروري.

 

* ما مشروعاتك القادمة في الترجمة؟
لدي العديد من الكتب المطلوب مني ترجمتها ،ولكنتي لا أتعجل في العمل، ولا أسلم شيئاً إلا بعد أن أقتنع أنا به أولاً. وأعمل عبر مشروع خاص بي لترجمة كتب رحلات ومذكرات وسير ذاتية تدور كلها حول تاريخ مصر والقضايا الهامة. وكلها والحمد لله مطلوبة من الناشرين بشدة.

 

* هل أفادتك الدراسة في مسيرتك المهنية كمترجم؟ كيف؟
الحقيقة أن الذي أفادني أكثر هو القراءة في الأدب باللغة الإنجليزية، وهو أمر سابق على عملي بالترجمة بسنوات طويلة. ولولا شغفي هذا لما عملت بالترجمة. وحتى الآن لا زال هذا الشغف هو ما يوجهني في الترجمة وانتقاء الكتب.

 

* حدثنا عن بداياتك الأولى في حقل الترجمة، متى بدأت؟ وما هو أول نص ترجمته إلى اللغة العربية؟
أول كتاب ترجمته كان تاريخ الولايات المتحدة منذ البداية وحتى السبعينيات، وترجمته في بداية التسعينيات، ولكن للأسف لم يُنشر وضاع المخطوط في زحمة الحياة لأني لم أكن أقصد بترجمته النشر بل كان مجرد حب للكتاب. لكن أول كتاب ترجمته للنشر هو كتاب “الوطنية المنحرفة”.

 

* هل أنت تبحث عن الأعمال لترجمتها أو الكتاب يبحثون عنك وكيف تتفق معهم وهل تضع شروطا مسبقة؟
غالباً أنا أبحث عما أترجمه، وإذا طلب أحد مني ترجمة كتاب معين فلا أعطيه ردًا إلا بعد الاطلاع على الكتاب. وبالطبع الاتفاق مع أي أحد يكون بشروط.

 

* ما هي اللغات التي تُترجم منها إلى العربية؟
أترجم من الإنجليزية فقط لأني أحبها.

 

* ما الذي جعلك تتجه لمهنة الترجمة؟
كما قلت من قبل الترجمة هي شغف وحب لذلك العمل، وكنت سابقاً أعمل في وظيفة إدارية وكانت الترجمة هواية بجانب العمل، ثم عندما قررت الراحة من الوظيفة جعلت تفرغي الكامل للقراءة والترجمة وكتابة المقالات.

 

* مررت بتجربة بالترجمة المشتركة….كيف تتم ..؟ وما شروطها لخروج ترجمة جيدة..؟
الحقيقة لم أمر بهذه التجربة من قبل، وإن كنت لا أرفضها؛ ولكن يجب أن يكون هناك توافق بين الشريكين في أي عمل، ووضع ضوابط واتفاق مكتوب حتى تسير الأمور بسلاسة ويسر.

قد يعجبك ايضا