هل طوى حزب العمال الكردستاني صفحة السلاح؟ وما الذي ينتظره في المرحلة القادمة

يوسف حسن
أولًا: الموضوع
شهدت الساحة السياسية في الشرق الأوسط تحولًا كبيرًا بإعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) حل نفسه رسميًا في مايو 2025، في خطوة وُصفت بأنها تاريخية. هذا الحدث يمثل نهاية فصل طويل من الصراع المسلح بين الحزب والدولة التركية، ويفتح الباب لتساؤلات جدية حول مستقبل الحركة الكردية وخيارات الحزب بعد التخلي عن العمل العسكري.
ثانيًا: خلفية تاريخية وتطورات الحزب
تأسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978 على يد عبد الله أوجلان، في ظل أجواء سياسية متوترة في تركيا، ساعيًا لتحقيق حلم الدولة الكردية المستقلة. بدأ الحزب نضاله المسلح في عام 1984، ومنذ ذلك الحين دخل في صراع دموي مع الدولة التركية أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص. وصُنّف الحزب كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
على مر السنوات، تنقل الحزب بين استراتيجيات متعددة: من الانفصال الكامل إلى الحكم الذاتي، ثم إلى نموذج “الكونفدرالية الديمقراطية” المستوحاة من أفكار أوجلان داخل السجن. وفي المقابل، شهدت الحركة الكردية انقسامات داخلية، وظهور فصائل جديدة أكثر نشاطًا في الساحة، مثل وحدات حماية الشعب (YPG) في سوريا.
ثالثًا: إعلان الحل ومكانة أوجلان
في مايو 2025، وخلال مؤتمر غير مسبوق في جبال قنديل شمال العراق، أعلن الحزب رسميًا حله، استجابة لنداءات متكررة من عبد الله أوجلان، الذي دعا منذ فبراير من نفس العام إلى وقف إطلاق النار، وتبني نهج سلمي لحل القضية الكردية. القرار جاء نتيجة ضغوط سياسية وعسكرية متزايدة من قبل تركيا، فضلًا عن تغير التوازنات الإقليمية والدولية.
رابعًا: تحليل – إلى أين يتجه حزب العمال الكردستاني بعد الحل؟
1. التحول من العمل المسلح إلى العمل السياسي
من المرجح أن يسعى الحزب إلى الحفاظ على وجوده الفكري والسياسي عبر أطر قانونية ومدنية جديدة. قد نرى انبثاق أحزاب سياسية تتبنى الفكر الأوجلاني في تركيا وسوريا والعراق، تعمل ضمن أطر الديمقراطية والمجتمع المدني، وتحاول فرض رؤيتها عبر الانتخابات بدلًا من السلاح. هذا التحول قد يعزز فرص الحوار مع الحكومات في المنطقة، خاصة إذا اقترن بتنازلات ملموسة.
2. خطر الفصائل المنشقة و”الخط المتشدد”
ليست كل مكونات الحزب منضبطة أو متفقة مع قرارات القيادة. وقد يظهر جناح متشدد يرفض قرار الحل، خاصة في المناطق ذات الطابع العسكري مثل جبال قنديل أو شمال شرق سوريا، ما قد يؤدي إلى إعادة إحياء الصراع تحت مسميات أخرى. هذا السيناريو يهدد بتقويض مسار السلام، ويثير مخاوف أمنية إقليمية.
3. إعادة التمركز داخل الحركة الكردية الأوسع
قد يتجه العديد من عناصر الحزب نحو الانخراط في الحركات الكردية الأخرى، مثل قوات سوريا الديمقراطية (SDF) أو بعض الأحزاب الكردية العراقية. هذا الدمج قد يعيد تشكيل النفوذ الكردي في الساحة الإقليمية، وينقل بؤرة التركيز من تركيا إلى الساحة السورية والعراقية، خصوصًا مع استمرار التوترات هناك.
4. الموقف التركي وتوظيف الحدث
ستحاول الحكومة التركية توظيف حل الحزب كإنجاز سياسي داخلي وخارجي، وتقديمه كدليل على نجاح سياساتها الأمنية. لكن من غير المتوقع أن تقدم أنقرة تنازلات حقيقية تجاه الكورد داخل تركيا ما لم تكن هناك ضغوط دولية كبيرة أو مصالح اقتصادية وسياسية واضحة.
5.ردود الفعل الإقليمية والدولية
سوريا والعراق: قد تشهد هذه الدول نشاطًا متزايدًا من الفاعلين الكرد الجدد، ما يستدعي مواقف حذرة من الحكومات هناك، خاصة في ظل المخاوف من استقلالية كردية موسعة.
الولايات المتحدة وروسيا: من المتوقع أن تراقب واشنطن وموسكو الوضع بحذر، خاصة أن له علاقة بموازين القوى في سوريا، وبالعلاقات مع تركيا.
الاتحاد الأوروبي: قد يدفع هذا التحول الاتحاد الأوروبي إلى استئناف دعواته لعملية سلام شاملة بين أنقرة والكورد، خاصة في إطار مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد.
خامسًا: التحديات التي تواجه مستقبل الحزب ما بعد السلاح
ضعف البنية السياسية البديلة: الانتقال من السلاح إلى السياسة يتطلب بنى مؤسساتية غير متوفرة حتى الآن.
الانقسامات الداخلية: تعدد الأجنحة الفكرية والعسكرية قد يعرقل أي مشروع وحدوي جديد.
الملاحقة القضائية: معظم رموز الحزب مطاردون دوليًا، مما يحد من قدرتهم على تشكيل حركات سياسية شرعية.
غياب الدعم الدولي الفعّال: لا تزال العديد من الدول الغربية تعتبر الحزب تهديدًا أمنيًا، مما يعيق أي عملية شرعنة سياسية مستقبلية.
سادسًا: المآلات المحتملة
نجاح النموذج السياسي: إذا تمكن الحزب من بناء جسم سياسي مدني حقيقي، قد يصبح لاعبًا شرعيًا في المستقبل الكردي.
عودة الصراع بشكل جديد: فشل التحول السياسي قد يؤدي إلى عودة الفوضى تحت مسميات مختلفة.
اندماج تدريجي في العملية السياسية الإقليمية: مثل الانضمام إلى القوى الكردية الأخرى في سوريا والعراق، مع تركيز أكبر على الحقوق الثقافية والسياسية.
خاتمة
رغم إعلان الحزب حل نفسه، من المبكر الجزم بنهاية حزب العمال الكردستاني كقوة مؤثرة في المشهد الكردي والإقليمي. القرار هو بداية لمرحلة جديدة، لا تقل تعقيدًا عن سابقاتها. المستقبل مرهون بإرادة سياسية حقيقية، ليس فقط من قيادة الحزب، بل من تركيا والدول الإقليمية والدولية التي لا تزال تنظر إلى القضية الكردية كملف أمني لا سياسي. إن لم تُعالج جذور الصراع، فقد تظل المرحلة القادمة مشبعة بالتوتر والاحتمالات المفتوحة

قد يعجبك ايضا