الحقوق الدستورية للأقليات في العراق

الدكتور : محمد طه الهدلوش

تتجه الدول في معالجة مسألة الأقليات إلى إعطاء الأقليات تمثيلاً خاصاً لها في البرلمان كما كان الحال في العراق في ظل النظام الملكي والقانون الأساسي العراقي لعام 1925. حيث منحت بعض الأقليات الدينية تمثيلاً محدداً لها في مجلس النواب. كما جاء في المادة 37 من القانون الأساسي العراقي(( يكون انتخاب النواب بقانون تعين فيه كيفية ترشيح والتصويت السري في انتخابهم ووجوب تمثيل للأقليات المسيحية والموسوية)) وكما خصص الأردن في مجلس النواب تمثيلاً محدداً للأقليات على سبيل المثال لا الحصر، إن الحلول لمسألة الأقليات لا تقتصر على الضمانات السياسية والدستورية بل تنتهج سياسيات تنموية فعالة ومنصفة يمكن أن تقدم علاجاً لبعض مشاكل الأقليات. طبيعي أن من المفيد أن تأخذ معالجة مسألة حقوق الأقليات وإيجاد الحلول المناسبة لها بعين الاعتبار أوضاع كل بلد وأوضاع الأقليات فيه مع الالتزام بالمعايير الدولية المعترف بها لحماية وضمان حقوق الأقليات، التي تتواجد الأقلية في إقليم دولة معينة ،قد تتواجد كل أبناء الأقلية في رقعة جغرافية واحدة أي في منطقة واحدة. ففي هذه الحالة تكمن في توفيرها الحكم الذاتي أو الفدرالية، فيتوزع أبناء الأقلية على مناطق مختلفة في داخل الدولة. ففي الحالة الاخيرة تكمن في الحل الديمقراطي الذي يمثل الصيغة الأوفق. وقد يكون النوعان في الدولة عندها يجوز الديمقراطية والحكم الذاتي معاً.
إن الديمقراطية هي النظام الأمثل الذي يؤدي إلى تنظيم عادل ومنسجم بين الأغلبية والأقليات. لكن إقامة نظام ديمقراطي يتطلب بناء خطوات ومؤسسات مناسبة في مقدمتها الاعتراف بالأقليات وضمان حقوقها. واتخاذ تدابير إيجابية لحماية حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات ضد أعمال الدولة وضد أعمال الأفراد الآخرين على إقليم الدولة. فضلاً عن إقامة المؤسسات المحلية والوطنية لترجمة كل ذلك إلى واقع عملي.

يمكن القول أن ضمان حقوق الأقليات يتطلب توفير ضمانات دستورية وسياسية من قبل الدول. لقد جاء ذلك في الدساتير العراقية كافة منها القانون الأساسي العراقي لعام 1925 وأكد على الحقوق الآتية للأقليات الدينية في العراق.
المساواة أمام القانون.
المساواة أمام الوظائف العامة،المساواة أمام القضاء،المساواة أمام التكاليف العامة.
حيث جاء القانون الأساسي العراقي لعام 1925 متأثراً بإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الصادر عام 1789 تأثيرا مهما وواضحاً في دساتير العالم التي صدرت بعد الثورة الفرنسية. ومن ضمنها دستور 1925 في العراق الذي أفرد باباً خاصاً تحت عنوان (حقوق الشعب) تضمن مواد تتحدث عن المساواة والحرية الشخصية والحرية الدينية وغيرها من الحقوق وعن هذه المساواة نعرف
المساواة أمام القانون: نصت المادة (6) من دستور 1925على أن (لا فرق بين العراقيين في الحقوق أما القانون وإن اختلفوا في القومية واللغة والدين) وكذلك المادة (13) تؤكد على حرية إقامة الشعائر الدينية لجميع العراقيين على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم.

إذن هناك تأكيد على أن للأقليات الدينية حقوق كاملة في ممارسة شعائرهم الدينية دون أي مضايقة وبشكل علني والمجاهرة بدينهم. هذه المادة تجسيد لحقوق الأقليات الدينية في العراق وتأكيد على احترام دستور 1925 العراقي لحقوق الإنسان ولو تقارن دستور1925 وإلى يومنا هذا. الفارق الزمني بين (1925-2009) كل هذه الفترة كان من أن يحصل المفترض تقدم في حقوق الإنسان في الدساتير العراقية اللاحقة ومنها دستور 2005 وبضمنها حقوق الأقليات الدينية في العراق. وعلى أساس نصوص دستورية لعام 1925 نصت القوانين العراقية على تمثيل الطوائف غير الإسلامية في مجالس إدارة الألوية والأقضية والبلديات كما أعطتهم حق المساواة في التمثيل داخل البرلمان نفسه.

– المساواة أمام القضاء: نصت المادة (9) من القانون الأساسي لعام 1925 (لا يمنع أحد من مراجعة المحاكم ولا يجبر على مراجعة محكمة غير المحكمة المختصة بقضيته) يؤكد على حق المواطن من مراجعة المحكمة للمطالبة بحقوقه أو لحماية نفسه أو ماله من أي اعتداء ومن هؤلاء المواطنين الأقليات الدينية في العراق وهذا بحد ذاته يعد ضمانة مهمة للحفاظ على حقوق الأقليات الدينية في العراق.

– المساواة أمام الوظائف العامة: نصت المادة (18) من القانون الأساسي لعام 1925 على أن (العراقيين متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من التكاليف والواجبات العامة لا تميز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين)…..الخ.

إن العراقيين بغض النظر عن الأصل أو الدين متساوون بكافة الحقوق المدنية والسياسية ويعمد إليهم الوظائف على أساس الكفاءة والنزاهة والإخلاص لوطنهم والعدل وإحقاق الحق. ويأخذ كل ذي حق حقه وحسب استحقاقه طالما هو عراقي وطني بعيداً عن كل إرهاصات أخرى والتعامل معه على أساس كفاءته ونزاهته فقط.
ولو نأتي ونقارن مواد دستور عام 1925 قياسا الى دساتير اليوم لوجدناه كانت رائعة بالنسبة لذلك الوقت كانت معظم نصوصه تصلح في الوقت الحاضر لكل العراقيين وخاصة للأقليات الدينية في العراق.
وتؤكد المادة( 78) من القانون الأساسي العراقي.( تشمل المجالس الروحانية للطائفة المسيحية والموسوية تؤسس تلك المجالس وتخول لسلطة القضاء بقانون خاص).

من هنا بدا المجال مفتوحاً لتشكيل مجالس روحانية أخرى كالايزيدية مثلاً استناد إلى المادة أعلاه حيث تم تقديم طلب من قبل الروحانيين ألايزيديين في 1/7/1928.أي في بداية تموز عام 1928. لتشكيل مجلس روحاني خاص بأبناء الديانة الأيزيدية سمي بالمجلس الروحاني الأيزيدي الأعلى، وهي هيئة اجتماعية دينية حديثة العمر لاتصل عمرها السبعين عاماً حاولت السلطات العراقية التي ولدت من رحم الانتداب البريطاني بعد نيل الاستقلال العراقي وتشكيل دولة العراق عام 1923. إنها تظهر للملأ بسن القوانين وتشكيل مجلس النواب والبرلمان والسماح للأقليات الدينية بتشكيل مجالسها الروحانية للنظر في أمورها الدينية البحتة بحدود معنية مع إبقاء تلك الأقليات ضمن نظام وقوانين دعاوى العشائر. أي إن من الجانب الحكومي كان تاطيرا سياسيا وإعلاميا ولمركزة سلطة الدولة على جميع المكونات وإن عريضة 1/7/1928 لتشكيل مجلس روحاني كانوا ينوون من ورائها للحصول على شرعية ودعم حكومي وأيزيدي لتمشية وتنظيم الأمور التشريعية للايزيدية. والحفاظ على حقوق الديانة والشريعة التي سنها رؤسائهم وأجدادهم من قديم الأجيال. علماً أن العريضة كانت موقعة من قبل ثلاثة عشر عضوا.
وتؤكد مادة(79) من القانون الأساسي العراقي على أن تنظر المجالس الروحانية في.
المواد المتعلقة بالنكاح والصداق والطلاق والتفريق والنفقة الزوجية وتصديق الوصايات ما لم تكن مصدقة من كاتب العدل خلا الأمور الداخلة ضمن اختصاص المحاكم المدنية في ما يخص أفراد الطائفة عدا الأجانب منهم.
في غير ذلك من مواد الأحوال الشخصية المتعلقة بأفراد الطوائف عند موافقة المتقاضين.

إن اختصاص المجالس الروحانية كانت مختصة بالأحوال الشخصية بتلك الطائفة. كان إعطاء المجال للمجالس الروحانية دليل على تمتع الأقليات بقدر من الخصوصية عند الحكومة الملكية آنذاك وكان ذلك نابع من إيمانه بحقوق الإنسان والدولة في بداية تأسيسه وفي طور التشكيل. وكانت ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح في حق الخصوصية للأقليات الدينية في العراق.

قد يعجبك ايضا