البارزاني المرجع والملجأ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سعد الهموندي

البارزاني المرجع والملجأ هو عنوان كتاب بقلم الدكتور سعد الهموندي مستشار الرئيس مسعود بارزاني و رئيس مؤسسة رؤى للتوثيق والدراسات الأستراتيجية والمستقبلية، الذي يتضمن محطات مهمة من شخصية الرئيس مسعود بارزاني ومواقفه وبعض الأحداث، التي جعلت منه مرجعًا سياسيًا يستشار ويأخذ بتوجيهاته ونصائحه عند حدوث الأزمات والأنسدادات السياسية ، وملجأ لجميع العراقيين اثناء المحن والظروف الصعبة، لذلك نسعى من خلال نشر اجزاء الكتاب ان نلقي الضوء على خصوصياته الأخلاقية ومواقفه ازاء خصومه و صبره وحنكته وذكائه في التعامل مع المواقف الصعبة التي واجهته سواء اثناء ايام الكفاح المسلح او عند النزول من الجبل لينشأ اقليمًا عامرًا زاهرًا و يصبح رقمًا صعبًا في المعادلات السياسية والتوازنات في العراق والمنطقة.

 

الحلقة العشرين

لننظر إلى الخطابات السياسية  لما يسمى باليسار أو خطابات الطبقات الأخرى في ثوب الطبقة العاملة وما تعبر عنه.

كل هذه الخطابات السياسية تخدم المصالح غير الإنسانية للطبقات الغنية في نهاية المطاف، لنرى جميع هذه الخطابات وتعلقها بالمصلحة الإنسانية.

إن جوهر كل المسائل السياسية يجب أن يكون الإنسان نفسه، أي يجب أن يكون الإنسان ومصالحه ومنافعه الأساس والهدف المباشر.

مصالح الإنسان هي الرفاه والعيش الكريم والأمان والتمتع بالثروات بدون أي تمييز، فانطلاق أي سياسة أو أي بديل اجتماعي واقتصادي يجب أن يأخذ هذه المسألة في المقام الأول وأن يكون محور خطابه السياسي، لكن أغلب الأحزاب في الشرق الأوسط، لا تحمل مصالح الإنسانية لا من بعيد ولا من قريب ولا تقترب منها، بل بالعكس تضحي بكل القيم الإنسانية ورفاه المجتمع وكل العدالة الاجتماعية في خدمة مصالح الاغنياء والطبقات الرأسمالية وأصحاب الأملاك.

البارزاني الخالد :إننا لم ولن نهاجم أحدًا، نحن ندافع عن الحقوق المشروعة وأموال وحرائر وحياة الشعوب عامة والشعب الكُردي خاصة، نحن لا نرغب أبدًا في أن يسود الاقتتال وسفك الدماء، لأن اقتتالنا يخدم العدو الحقيقي، لذا ادعو الله لكي يُعيد الذين يبغون مقاتلتنا إلى رشدهم، حتى يرحموا الشعب العراقي ويرفعوا أيديهم عن الاعتداء على الشعوب، فعندها نستطيع جميعًا العيش معًا بسلام ووفاق ووئام ورخاء في ظل العدالة.

 

 

ففي أغلب دول العالم اليوم ومن خلال الخطابات السياسية نرى أن أغلب ما يتطرق إليه الخطاب السياسي هو المصلحة، والشيئ الوحيد الذي يتحدثون عنه هي الأموال والثروة والسلطة.

فالمرجعيات السياسية اليوم لا ترى إلا الأموال والمصلحة المادية، ومن هنا تذهب دماء مئات الآف من الفقراء في خدمة الأموال والسلطة.

كذلك الحال بالنسبة لخطابات التنظيمات الإرهابية المتطرفة، نرى أن أغلب خطاباتها لا تقترب من الضمير الإنساني بل هي خطاب حول الوحشية  والقتل والهمجية.

إنها المصالح المصطنعة من أجل المال والسلطة، ولا مكان للإنسانية ومصالحها، والإنسان غائب في كل الخطابات.

في المقابل نرى أن خطابات الملا مصطفى البارزاني ومن بعده خطابات ابنه مسعود البارزاني كلها تبدأ  وتنتهي بالإنسان وتصب في خدمة الإنسان والقيم الإنسانية، لأن الهدف الأسمى الذي ناضل  من أجله الملا مصطفى هو تحرر الإنسانية من كل أشكال الاستغلال والظلم.

فخطابه يحاكي مصالح الإنسانية أولًا ويحاول أن يسترجع المكانة الإنسانية الحقيقة إلى أصلها، ويحاول أن يضع الإنسان والإنسانية في المقام الأول وكل شيء سيكون من أجل الإنسانية لا غير، حيث يقول:

(إننا لم ولن نهاجم أحدًا، نحن ندافع عن الحقوق المشروعة وأموال وحرائر وحياة الشعوب عامة والشعب الكُردي خاصة، نحن لا نرغب أبدًا في أن يسود الاقتتال وسفك الدماء، لأن اقتتالنا يخدم العدو الحقيقي، لذا ادعو الله لكي يُعيد الذين يبغون مقاتلتنا إلى رشدهم، حتى يرحموا الشعب العراقي ويرفعوا أيديهم عن الاعتداء على الشعوب، فعندها نستطيع جميعًا العيش معًا بسلام ووفاق ووئام ورخاء في ظل العدالة).

وحتى عندما يتحدث مسعود البارزاني عن الاقتصاد نرى أنه يحاول أن يبقى مؤطرًا بخطاب الإنسانية، وطريقة استخدام الموارد في الطبيعة في خدمة الرفاه وبناء عالم أفضل للإنسانية.

فهو يبحث دومًا عن الأواصر الإنسانية العليا بين الإنسان وتعاملاته ومشاكله ومعوقاته، ولهذا فإن خطاب البارزاني هو الخطاب الذي يحمل معاني وتطلعات الإنسانية الحقيقي، وبهذا الصدد يقول مسعود البارزاني:

(إننا ندين أي عمل من أعمال العنف، ونُدين بشدة القتل وسفك الدماء واستخدام العنف، وندعو المؤسسات الرسمية والمنظمات الحقوقية لأداء مهامها في حماية المواطنين، واحتياجاتهم وحقوقهم الإنسانية، وأن يبقى الإنسان محور عملنا، فحقوق الإنسان تعبر عن الهدف الأساسي لنا جميعًا، ولا يمكننا أن نحقق السلام والأمن والتنمية المستدامة لجميع المجتمعات إلا عندما نعزز الكرامة والمساواة لجميع البشر).

فالتمايز الإنساني بين الخطابات السياسية في سياسة مسعود البارزاني هي التعبير عن التمييز بين الطبقات والمصالح المختلفة لهذه الطبقات:

(يجب أن تعرفوا أن الدنيا زائلة وحتى لو ملكنا الوفا من القصور الذهبية فإننا نتركها ونوارى التراب، وقد ذكر الله تعالى في القرآن المجيد حين قال: (منها خلقناكم، وفيها نعيدكم، ومنها نُخرجكم تارة أخرى)، فالشيئ الذي له قيمة في الوجود البشري هو الشرف والحياء والإنسانية، مخافة الله واجبة على الإنسان، وكذلك الخدمة الصادقة والمخلصة للشعب والتكاتف ضد الظلم واتباع العدل والانصاف والمساواة بين بني البشر، وإن العمل الصالح لا يضيع عند الله وعند الناس وهكذا بالنسبة للعمل الطالح أيضًا، وقال الله في كتابه العزيز:( فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره)، أملي فيكم هو أن تُخضعوا أنفسكم للانتقاد، وأن تطهروا قلوبكم من المصالح الشخصية، وأن تضعوا المصلحة العامة وخير الجميع نصب أعينكم، وأن تتعاونوا مع بعضكم البعض وهذا كل ما أوصيكم فيه).

 

إذا ما أمعنا النظر إلى هذا الكلام سنعرف أنه الحل الوحيد لحل حجم التناقضات والنفاق والازوداجية في هذا العالم المتصارع، فالدول التي تتغنى باحترامها للإنسانية وتقديسها لهذه الروح سرعان ما تتفتت تحت مظلة العقيدة أو القومية أو الدين، فيتحول سيل من المواطنين إلى أي قالب سوى قالب الإنسانية، وهنا تتمزق المجتمعات، وهو ما أدركه ويدركه مسعود البارزاني في سياسته، فهو على الدوام ينادي بمجتمع تعلو فيه المساواة وحقوق المواطنة فوق أي اعتبار.

 

وأن يستظل بمظلة القانون المحمي من قبل الدستور الأساسي، وإذا ما أمعنا أكثر في خطابات البارزاني سنراه خطاب إنساني يثبت ويؤكد انتماء بلاده إلى القيم الإنسانية والتسامح، ويطبق نفس قيم التعايش ويخرج من غطاء الازدواجية الذي يغطي على العورات الفاضحة لخطاب أكثر رؤوساء هذا العالم، متبجحين بخطاب عنصري وعدائي وعدواني واضح، وهؤلاء بحاجة ماسة لإصلاح وتقويم وإعادة هيكلة للقيم والمثاليات التي أنتهجها البارزاني.

 

كلما يقف الكُردستانيون على أعتاب المتغيرات المتوقعة الحادة وفي مواجهة الأزمات المفتعلة والخانقة وأستحقاقات المستقبل، وأثناء المحن والمصائب والظروف الحالكة، وكلما يدركون أن التجربة الكوردستانية ومشروعها الديمقراطي في خطر،  وكلما يرون أنهم يقتربون من الانقسام والتشرذم والصراعات العبثية، يتذكرون ضرورات توحيد الصفوف والخطاب، وبنبرات هادئة يدعون إلى وحدة البيت الكُردي، وتتجه أنظارهم إلى مسعود البارزاني ليعلن عن مبادرة أو مشروع وطني لإنهاء الأزمة، ورأب الصدع وتقريب وجهات النظر، وفتح صفحة جديدة في العلاقات وتمتين وتعزيز وحدة البيت الكُردي

 

ولا ننسى أن العالم العربي تحول مع الوقت إلى عبء لا يمكن إغفاله ولا إنكاره من حيث حجم الفاتورة التي يتكبدها بسبب الآراء والأصوات المتطرفة التي تجعل من المنطقة بؤرة توتر وشحن لا ينقطع بشكل مستمر.

 

كل الطرق تلتقي عند إنسانيته:

كلما يقف الكُردستانيون على أعتاب المتغيرات المتوقعة الحادة وفي مواجهة الأزمات المفتعلة والخانقة وأستحقاقات المستقبل، وأثناء المحن والمصائب والظروف الحالكة، وكلما يدركون أن التجربة الكوردستانية ومشروعها الديمقراطي في خطر،  وكلما يرون أنهم يقتربون من الانقسام والتشرذم والصراعات العبثية، يتذكرون ضرورات توحيد الصفوف والخطاب، وبنبرات هادئة يدعون إلى وحدة البيت الكُردي، وتتجه أنظارهم إلى مسعود البارزاني ليعلن عن مبادرة أو مشروع وطني لإنهاء الأزمة، ورأب الصدع وتقريب وجهات النظر، وفتح صفحة جديدة في العلاقات وتمتين وتعزيز وحدة البيت الكُردي.

 

وهنا نطرح السؤال نفسه دائمًا:

لماذا تتجه الأنظار نحوه؟

الجواب بكل بساطة؛ لأنه يحمل ذكاء سياسيًا خارقًا، وفكرًا إنسانيًا بعيدًا عن المفردات الحزبية والانتماء السياسي المتطرف، فهو يتخذ من القيم والمبادئ نظامًا لعمله القيادي والسياسي والوطني ويملك الدراية والمعرفة بمسالك ودهاليز السياسة، ولأنه رجل المرحلة وهو القادر على تحمل هذا المهمة الوطنية العظيمة والتي ستكون بداية لتحقيق آمال وطموحات كبيرة.

كما أنه محط ثقة الجميع بصراحته المعهودة ومواقفه المبدئية الصارمة، عازم على ترتيب البيت الكُردستاني، وهذا الترتيب يأتي في مقدمة أولوياته ويشغل المساحة الأكبر من وقته وجهده، فهو على إستعداد ليزيد من لقاءاته مع مختلف الأحزاب الكُردستانية والشرائح الاجتماعية ومكونات المجتمع، فالمهم لديه هو أن يجد الحل لجميع المشاكل التي تواجههم.

 

فهو ومن منظور سياسي يحتل مرتبة القائد الوطني المحايد القادر على تحييد المؤثرات الإقليمية والدولية التي تمنع الإتفاقات البينية، ومقبول لدى جميع الأطراف.

وقد شاهدناه مرارًا وهو المترجم الأمين لرسالته الدائمة في التواضع والتفاني الانساني، ونبذ سياسات العنف والإنتقام.

ونورد هنا ما قاله، معهد بروكينغز للدراسات الإستراتيجية الدولية على لسان كينس بولاك رئيس مركز سابات بشأنه:

(بالنسبة لمن لا يعرفون السيد مسعود بارزاني أقول إن هذا البيشمركه هو في الشرق الأوسط بمثابة باريس لفرنسا، حيث تلتقي كل الطرق عند بارزاني).

فعندما يكون المجتمع منقسم طبقيًا إلى الطبقة العاملة والطبقة الغنية ستكون الخطابات منقسمة طبقيًا إلى هذين الطبقتين ومصالحها، من هذه الرؤية علينا أن نميز ونقيم جميع الخطابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبارزاني، فالإنسانية في منظور مسعود البارزاني ما هي إلا استرجاع للإرادة الإنسانية العظيمة، التي دافع عنها الأنبياء والرسل ودعاة السلام الخالدون على مدى القرون.

 

البارزاني الملجأ لشعوبه في غربي كُردستان:

منذ أن وضع هذا الرجل أول حجر في إعمار إقليم كُردستان المعاصر، وذلك في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعيد انتفاضة آذار، وجد كورد غربي كُردستان في ذلك رئة لذاوتهم،  كي يتنفسوا من خلالها، بعد عقود من الظلم، والقمع، والحرمان، ومحاولات التعريب، وإزالة هوية الكورد من خريطة البلاد، بتذويبهم، وصهرهم، في بوتقة القومية الرسمية، إذ كان محرومًا ممنوعًا على الكُردي اسمه الكُردي، وأغنيته، ولغته، وانتماؤه، وهويته، بل لطالما كان يُنظر على أنه (عربي)،كما كان يورد في بطاقته الشخصية، في المقابل كان يُنظر إلى كُردي كوردستان الشمالية بأنه تركي ويورد ذلك في بطاقته، وكُردي كُردستان الشرقية على أنه فارسي.

 

فمسعود البارزاني شعر بالعنصرية القومية التي يتعرض لها أبناء شعبه خارج حدوده، فأراد أن تكون أربيل أولًا ملجأ لهولاء في إثبات وجودهم وهويتهم، وأراد أن يقضي على أعمدة الشوفينية والقهر والاستبداد، عبر ما شكله من جمعيات وأحزاب ومؤسسات، كتحد لحالة الاستلاب ومحو الهوية الكُردية، فأثبت البارزاني ذاته أنه الملجأ لكل الكُردستانيين في جغرافيا الشرق أوسط أجمع، حيث سار على وصايا البارزاني المصطفى الخالد الذي أراد على الدوام أن يوثق الترابط القومي والعشائري في جغرافيا واحدة لأبنائه.

وهو ما حققه مسعود البارزاني على أرض الواقع من خلال إنشاء رابط لجوء إنساني وقومي وعاطفي بين جزأي كُردستان (كُردستان سوريا، والعراق، وكُردستان إيران وتركيا).

ورغم أن الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على سدة كرسي الحكم في كل من سوريا والعراق اللتين ضم الجزءآن إلى خريطتيهما، كان مسعود البارزاني حريصًا على تكريس ثبات أوصال الرباط بين هذين الجزأين والسعي بكل ما امكن من قوة لجعل الحدود بينهما وهمية.

فعلى امتداد سنوات حكم الأنظمة الدكتاتورية في البلدين، ورغم اختلاف وجهات نظرهما السياسية إلا أنهما اتفقا في مسألة واحدة، ألا وهي فرض المزيد من الحصار على أبناء الشعب الكُردستاني.

 

وإذا توقفنا عند كل ما دأب أن يقدمه مسعود بارزاني، ابن مؤسس أكاديمية النضال القومي، وراعي هذه المدرسة، منذ عقود فإننا لنرى أنه وبالرغم من كل الكوابح التي تحاول النيل من تواصل الكُردستاني في هذا الشطر مع صنوه في الطرف الآخر، بسبب ما أدركته مليًا سياسات الأنظمة الحاكمة في عواصم الأجزاء الكُردستانية الملحقة بها، فإننا لنرى أن البارزاني حمل قضية أهله وذويه وكُرده محمل القوي المدافع عن الضعيف.

فهو ومن خلال كل ما استقرأناه في سياسته نرى أنه قائد سياسي يتحلى بالحكمة والحب لكل أهله، بل لكل شركائه ، وجيرانه، إذ هو ممن يفعلون أكثر بكثير مما يقولون، وهي السمة التي أقر بها العدو قبل الصديق.

 

واليوم أصبح يصنف هذا الرجل ضمن أحد أكثر الشخصيات المرموقة المشهودة لها بالتسامي السياسي ضمن حركات التحرر العالمي، وهو ما تأتى له بحكم أمرين:

أولهما ثقافة أسرته الكُردية العريقة، فانتماؤه إلى أكاديمية البارزاني الأب وثانيهما أخلاقه، وتجربته، وشجاعته في الشدائد، فقد استطاع أن يضحي- كما أبيه الخالد- بكل المغريات التي تحول دون اختيار درب التضحية، ثقيل الضريبة، حيث آثر أن يسلك أصعب الطرق، وأشدها خطرًا، من أجل حرية شعبه.

من هنا، فإن قائدًا يمثل الخصال الرفيعة حريٌّ به أن يرى ذاته، بل أن يراه شرفاء الكورد، أينما كانوا، في موقع سدة المسؤولية عن أهله، كل أهله، على مختلف جغرافياتهم الطبيعية، في جغرافيا واحدة، وعلى مختلف جغرافيات رؤاهم، حتى من سعى لعداوته، غير معترف بالحدود التي وضعت بين هذا الكُردي أو ذاك، لأنها حدود لا علاقة لهما بها.

 

حدود وضعها خصوم الكورد، أعداؤهم، ولهذا فإننا وجدنا، سواء أكان ذلك في مرحلة ما قبل الثورة، أو ما بعدها اهتمام الرئيس مسعود بارزاني بشأن كورد سوريا، وليس أدل على ذلك من مثال حاضر في ذاكرتي هو أنه خلال انتفاضة الثاني عشر من آذار كان موقفه مدويًا مما تعرض له أهله هناك من سياسات المحو والإبادة، إذ أشرع فتح أبواب كوردستان لمن قدموا أنفسهم بأنهم مطلوبون من قبل آلة القمع هناك، وإذا لجأنا إلى مجهر مرحلة ما بعد ثورة السورريين في آذار 2011، فإننا لنجد أن مسعود البارزاني، عمل على نحو جلي، من أجل أهله، فقد امتنع عن تلبية دعوة وجهت له إلى دمشق، كما أنه اتخذ موقفًا صارمًا من نظام يقتل شعبه، واضطهد الكورد، فاحتضنت أربيل لوحدها حوالي نصف مليون لاجئ سوري، ناهيك عن أنه كرس كل جهوده، من أجل وحدة الكُرد.

 

فما من لقاء دبلوماسي، أو زيارة إلى أوربا، أو أمريكا، أو روسيا، بل وما من حوار، أو لقاء، نحتاج إلا وتكون لكورد سوريا حضورهم، ونصيبهم فيه، بل إن لديه رؤيته التي يقدمها للعالم الحر، بصدد حل القضية الكُرديةُ في سوريا.

من هنا كذلك نستقرئ الحالة الإنسانية العظيمة عند هذا الرجل الذي يشكل الملجأ الإنساني بعد أن كرس عمره من أجل قضيته. من أجل قضية شعبه، من أجل إنسانيته، بل حتى من أجل جيرانه، وشركائه، متعاملًا مع جميعهم بنبل الكُردي الأصيل، الحليم، يصفح عن هفواتهم، ويفتح معهم صفحة أخرى، شأن أي قائد استثنائي.

 

قد يعجبك ايضا