المحامي حمزه رشيد الصيداوي
أصبحت البيانات الشخصية في العصر الرقمي من أهم الأصول التي تستوجب الحماية، نظرًا لسهولة جمعها وتداولها واستغلالها عبر الوسائل التقنية. وفي ظل هذا الواقع، برزت الحاجة إلى تنظيم قانوني دقيق يوازن بين حماية الخصوصية وحرية تداول المعلومات، فصدر قانون حماية البيانات الشخصية في العديد من الدول كاستجابة لهذه المتغيرات التقنية والاجتماعية.
أولًا: مفهوم البيانات الشخصية وأهميتها
تعني البيانات الشخصية كل معلومة تتعلق بشخص طبيعي محدد أو قابل للتحديد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال اسم، رقم هوية، بيانات مالية، أو حتى عنوان إلكتروني. وتكمن أهمية حماية هذه البيانات في صون كرامة الأفراد وضمان عدم إساءة استخدامها في أغراض تجارية أو سياسية أو اجتماعية دون رضى صاحبها.
ثانيًا: المبادئ الأساسية لحماية البيانات الشخصية
يرتكز قانون حماية البيانات الشخصية على عدد من المبادئ الأساسية، أبرزها:
1.مبدأ المشروعية والشفافية: لا يجوز جمع البيانات إلا لأغراض مشروعة وبصورة شفافة تُمكِّن صاحب البيانات من معرفة كيفية استخدامها.
2.مبدأ التحديد والغرض: تُجمع البيانات لغرض معين ومحدد، ولا يجوز معالجتها لاحقًا لأغراض أخرى غير متوافقة.
3.مبدأ تقليل البيانات: يجب أن تقتصر المعالجة على البيانات الضرورية فقط.
4.مبدأ أمن البيانات: يجب اتخاذ التدابير الفنية والتنظيمية الكفيلة بحماية البيانات من الاختراق أو التلف أو الاستخدام غير المشروع.
5.مبدأ حق الفرد: يحق لصاحب البيانات الوصول إلى بياناته، وتصحيحها، أو طلب محوها، أو الاعتراض على معالجتها.
ثالثًا: دور الجهات المتحكمة والمُعالجة للبيانات
يفرض القانون التزامات واضحة على الجهات المتحكمةوالجهات المُعالجة تتمثل في:
•تسجيل أنشطتهم لدى السلطة المختصة.
•الحصول على موافقة صريحة من أصحاب البيانات.
•تعيين مسؤول لحماية البيانات (DPO) في بعض الحالات.
•الإبلاغ عن أي خرق أمني خلال مدة زمنية محددة.
رابعًا: العقوبات والتدابير القانونية
يتضمن قانون حماية البيانات الشخصية عقوبات مدنية وجنائية في حال الإخلال بأحكامه، ومنها:
•فرض غرامات مالية تصل إلى ملايين من وحدات العملة المحلية.
•وقف النشاط الذي ينتهك القانون.
•الحبس في حالات التعدي الجسيم على خصوصية الأفراد.
خامسًا: التحديات العملية في تطبيق القانون
رغم أهمية القانون، إلا أن تطبيقه يواجه عدة تحديات، من أبرزها:
•ضعف الوعي المجتمعي بأهمية حماية البيانات.
•الحاجة إلى بناء قدرات تقنية ومؤسسية للامتثال.
•التداخل مع قوانين حرية الإعلام والحق في الوصول إلى المعلومات.
يمثل قانون حماية البيانات الشخصية خطوة محورية نحو تعزيز سيادة القانون في البيئة الرقمية، وحماية خصوصية الأفراد من الانتهاكات. إلا أن فاعليته مرهونة بالتطبيق الجاد، وبناء ثقافة قانونية وتقنية لدى المؤسسات والأفراد على حد سواء.
يوجد قانون لحماية البيانات الشخصية في العديد من الدول، ويختلف اسمه وتفاصيله حسب كل نظام قانوني. إليك أمثلة على بعض التشريعات العربية والدولية في هذا المجال:
1. القانون المصري:
•قانون رقم 151 لسنة 2020 بشأن حماية البيانات الشخصية.
•ينص على تنظيم كيفية جمع ومعالجة وتخزين البيانات، ويُلزم الجهات بالحصول على موافقة صريحة من صاحب البيانات قبل استخدامها.
•يُنشئ هيئة عامة لحماية البيانات ويحدد عقوبات مالية وجنائية للمخالفين.
2. القانون السعودي:
•نظام حماية البيانات الشخصية، صدر عام 2021، وتم تعديله في 2023.
•يشمل قواعد لجمع البيانات، ويُشدد على ضرورة موافقة صاحب البيانات، مع تحديد عقوبات للمخالفات.
3. القانون الإماراتي:
•صدر قانون حماية البيانات الشخصية الاتحادي رقم 45 لسنة 2021، ضمن حزمة تشريعات الخمسين.
•يُعد من القوانين المتقدمة إقليميًا، ويستند إلى أفضل الممارسات الدولية مثل اللائحة الأوروبية GDPR.
4. القانون الأوروبي:
•اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)التي دخلت حيز التنفيذ في 2018.
•تُعتبر نموذجًا عالميًا، وتُلزم أي جهة تتعامل مع بيانات لمواطنين أوروبيين بالامتثال لها
الوضع القانوني الحالي في العراق:
1.غياب قانون موحد:
•لم يصدر حتى الآن قانون خاص ومتكامل لحماية البيانات الشخصية.
•توجد مشاريع ومقترحات مسودة تم تداولها في السنوات الماضية، لكنها لم تُقرّ بشكل رسمي.
2.نصوص قانونية متفرقة:
•توجد بعض الإشارات لحماية الخصوصية في:
•الدستور العراقي (2005) – المادة (17) التي تنص على:
“لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة.”
•قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 – يجرّم بعض الأفعال المتعلقة بانتهاك الخصوصية، مثل التنصت أو إفشاء أسرار دون إذن.
3.مشاريع قوانين قيد الدراسة:
•طرحت مسودة قانون حماية البيانات الشخصية في مجلس النواب العراقي في فترات سابقة (لا سيما بعد 2019)، لكنها لم تُعتمد بشكل نهائي.
4.تحديات الواقع الرقمي:
•تزايد استخدام الإنترنت والمنصات الرقمية في العراق أبرز الحاجة الملحّة لإقرار تشريع عصري لحماية البيانات، خصوصًا مع تنامي عمليات جمع البيانات من قبل شركات الاتصالات ومؤسسات حكومية وخاصة.
التوصية:
من الضروري أن يُسرّع المشرّع العراقي في إصدار قانون خاص لحماية البيانات، يتماشى مع المعايير الدولية مثل اللائحة الأوروبية GDPR، ويضمن حقوق الأفراد في مواجهة الاستخدام غير المشروع لمعلوماتهم الشخصية.