العمال في يومهم العالمي: صوت التعب الذي لا يُسمع

د. ابراهيم احمد سمو

في زحمة الحياة ومتطلباتها المتزايدة، يقف العمال على مفترق الطرق بين الواقع الصعب والطموحات المؤجلة. لا يملكون سوى قوة أجسادهم وصحتهم، يقاومون بها قسوة الأيام وضيق العيش. يعملون بصمت، وينهضون كل صباح بحثًا عن لقمة العيش، محمّلين بآمال كبيرة وإمكانات متواضعة. إنهم عماد المجتمعات، ومع ذلك، كثيرًا ما يُتركون دون سند، ودون أدنى ضمان لكرامتهم في زمن العجز أو المرض.

في مثل هذا اليوم، الأول من أيار، يجب أن يتوقف الجميع لحظة تأملٍ صامتة، لا للتهنئة فحسب، بل لمراجعة ضمير المجتمع والأنظمة، وللتفكر في أوضاع من بنوا بأيديهم مصانع وطرقات ومدارس، ثم تقاعدوا دون راتبٍ يضمن لهم عيشًا كريماً، أو أُنهِكت أجسادهم من العمل حتى باتوا عاجزين دون أن يجدوا يدًا تمتد إليهم. هناك عاملٌ أنهكته الشيخوخة، وآخر أقعده المرض دون تأمين صحي، وآخر لا يكفيه راتبه لأيام معدودة من الشهر. ومع ذلك، يستمرون في العمل، وفي العطاء.

إن مرور أصحاب القرار وأرباب المال والجاه من أمام ميادين العمل دون أن يروا حجم التعب الذي يبذله العامل، هو نوع من التجاهل غير المبرر. فهؤلاء العمال هم من يبنون، ويزرعون، ويحملون على عاتقهم أحمالًا لا تُرى من خلف المكاتب الوثيرة. من الواجب على الجميع، خاصة في هذا اليوم، أن يعبروا عن امتنانهم، لا بالكلمات فقط، بل بالفعل: برفع أجور عادلة، وتوفير ضمان اجتماعي وصحي، وتحسين بيئة العمل، وضمان الكرامة الإنسانية.

يعود أصل هذا اليوم، الأول من أيار، إلى أواخر القرن التاسع عشر، وبالتحديد إلى عام 1886، حين اندلعت في مدينة شيكاغو الأمريكية احتجاجات عمالية ضخمة للمطالبة بتحديد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات. كان العمال يُجبرون آنذاك على العمل من 10 إلى 16 ساعة يوميًا في ظروف قاسية مقابل أجور زهيدة. خرج الآلاف إلى الشوارع يطالبون بتحسين أوضاعهم. تصاعدت الاحتجاجات لتبلغ ذروتها في “مجزرة هايماركت” التي وقعت في 4 أيار 1886، عندما انفجرت قنبلة وسط تجمع للعمال، فقتل عدد من رجال الشرطة والمتظاهرين، وتم إعدام عدد من قادة الحركة العمالية رغم غياب الأدلة المباشرة.

ومنذ ذلك الحدث، أصبح الأول من أيار رمزًا لنضال العمال حول العالم، واعتمد كيوم عالمي للعمال، تحتفي به دولٌ كثيرة تقديرًا لتضحياتهم وتاريخهم الطويل في مواجهة الظلم الاقتصادي والاجتماعي.

هذا اليوم ليس صدفة، ولا هو احتفال تقليدي يُؤدى وينتهي، بل هو ذكرى ثورةٍ حقيقية، خطّها العمال بدمائهم وصمودهم، دفاعًا عن حقوقهم وكرامتهم. هو يومٌ للوعي، للوقوف إلى جانب من لا صوت لهم، ومن تُرهقهم تفاصيل الحياة اليومية. هو يوم للتضامن مع العامل الذي يعمل في ورشة بناء، ومع المُزارع تحت الشمس، ومع المُدرّسة التي تُنفق وقتها بين الأجيال، ومع عامل النظافة الذي يسبق الجميع في البدء ولا ينال من الاحترام ما يكفي.

عيد العمال هو فرصة لنا جميعًا لنُعيد التوازن في نظرتنا للعدالة الاجتماعية، وأن نمنح من يستحق حقه، لا تفضّلًا، بل عدلًا

قد يعجبك ايضا