سوزان كريم: صوت الأصالة لجيل جديد

حسو هورمي

في عالمٍ تتسارع فيه الأخبار وتتصارع فيه الأصوات وتتزاحم الصور، تطلّ سوزان كريم كشمعةٍ مضيئة في عتمة الفوضى الإعلامية. هي يافعةٌ في ربيع عمرها، لكنّ حكمة خطابها ونضج حضورها يجعلان المتلقي ينسى صغر سنّها. تمتلك جرأةَ الأسود في مواجهة الكاميرات، وذكاءَ المفكرين في إدارة الحوارات، فتحاور الكبار بثقةِ العارف، وتغوص في أعماق القضايا بحدّةِ المحقّق وأثبتت أن التأثير لا يُقاس بالعمر، بل بالحضور والرسالة.

الدعم العائلي اللامحدود… وقود الانطلاقة
وراء كلّ نجاحٍ حقيقيّ، هناك من يؤمن ويساند. تحظى الإعلامية الشابة سوزان كريم بدعمٍ كبيرٍ من عائلتها، وهو ما شكل ركيزةً أساسية في انطلاقتها الإعلامية، وأسهم في تعزيز مسيرتها وتطورها المهني. لم تكن وحدها في الميدان، بل كانت تمضي بخطى واثقة ترافقها دفعة من الحبّ، والثقة، والإيمان المتبادل من أسرتها. في كلّ تحدٍ خاضته، وكلّ انتصار حققته، كانت العائلة حاضرة… بصمتٍ داعم، ويدٍ خفية تدفعها دومًا للأمام.

صوتٌ يخترق الضوضاء.. بودكاستٌ يلامس الروح
أول ظهور لها كان في 3 أغسطس عام 2023، عندما منحتها قناة سما الفضائية فرصة الظهور ،حوّلت المنصة إلى لوحةٍ فنيّة تتناغم فيها الكلماتُ كأنغام سيمفونية. بصوتها الناعم الذي يحمل دفء واسع وحكمة الحكيم، وبثقافتها الواسعة التي تدهش ضيوفها، استطاعت لاحقا أن تجعل من بودكاستٌها ملاذًا للمشاهد الباحث عن المعنى. كل حلقة كانت رحلة جديدة: أحيانًا في أعماق القضايا الاجتماعية، وأحيانًا أخرى في حواراتٍ مع شخصياتٍ تروي قصص كفاحٍ تذوب أمامها الحدود بين المذيع والضيف.

إطلالة مختلفة في المشهد الإعلامي
اختارت الإعلام لتعبّر عن شغفها بالإنسان وهمومه، فجعلت من المايكروفون وسيلتها في الوصول إلى القلوب والعقول. تعمل كمراسلة ميدانية ومقدمة بودكاست في قناة “سما” الفضائية، حيث تجوب الميدان بخطى واثقة، حاملةً كاميرتها الصغيرة ودفتر ملاحظاتها، تُوثق وتروي، ولا تكتفي بالنقل، فدخلت عالم الإعلام بفضولِ الطفلة التي تفتح عينيها على العالم، ليتحوّل هذا الفضول إلى شغفٍ يملأ كيانها ضمن رحلةٍ لا تعرف المستحيل.
لا يمكن الحديث عن هذه التجربة الفتية دون ذكر إطلالتها التي تتناغم فيها أناقةُ العصر مع أصالة التراث وجوهرٌ يخطف القلوب. لكنّ جمالها الحقيقيّ يتجلّى في ذلك الضوء الداخليّ الذي يشعّ من عينيها عندما تتحدث عن قضيةٍ تؤمن بها. كلماتها المنسابة كقطرات الندى، وأسلوبها الراقي في الطرح، جعلا منها أيقونةً للجيل الجديد الذي يرفض التنميط. في احتفالات رأس السنة الإيزيدية، لم تكن مجرد مذيعةٍ تنقل الحدث، بل كانت سفيرةً للتراث بحُلّتها التقليدية التي حوّلت المنصة إلى معرضٍ فنّي حيّ.
رسالةٌ تعلو فوق الصوت والصورة.

في زمنٍ يقيس النجاح بعدد المتابعين، تقدّم سوزان درسًا في الإعلام الحقيقيّ الذي يبني ولا يهدم، يوحّد ولا يفرّق. هي البرهان الحي أن العمر مجرد رقم عندما يتعلق الأمر بالموهبة والإصرار. من مراسلةٍ ميدانيةٍ لا تعرف الخوف، إلى صانعة محتوىً تلامس القلوب، كتبت سوزان بسيرتها الذاتية أجمل فصول التحدي والنجاح عبر الإعلام كرسالة سامية فاختارت أن يكون في كل كلمة تُقال مسؤولية، وفي كل حوار فرصة لصناعة الأمل. هي ابنة تراثها، وسفيرة جيل جديد يكتب فصلاً ناصعًا من تاريخ الإعلام الإيزيدي بروحٍ جديدة وصوتٍ لا يُشبه سواه.

حضورٌ استثنائيّ.. وامتدادٌ أكاديميّ
تحمل بين طموحاتها أجنحة حلم لا يعرف السكون. بإطلالتها الهادئة، ولباسها الإيزيدي التقليدي المهيب، ترسم على الشاشة حضورًا لا يُنسى، حيث تمزج بين أصالة الهوية وحداثة الخطاب الإعلامي. هي خريجة قسم علم النفس في جامعة دهوك، وجدت في الإعلام امتدادًا لاهتمامها بالإنسان وهمومه وصوته الخافت. لم يكن المايكروفون مجرد أداة عمل، بل جسرًا بينها وبين مجتمعها، وساحة تُمارس فيها شغفها الحقيقي الذي يجمع بين الفن، الكلمة، والإحساس بالمسؤولية.

حضورها في الميدان.. نبض المجتمع
تعمل في قناة سما الفضائية كمراسلة ميدانية ومقدمة بودكاست، وتجوب الميدان بخفة الظل وعمق الرؤية، تنقل الأخبار من قلب الحدث، وتوثّق اللحظة بصدق الكلمة ونبل الرسالة. تميّزت بعلاقتها الوثيقة بمجتمعها، حيث تُغطّي الفعاليات الاجتماعية والدينية والمناسبات الثقافية، لا سيما تلك التي يحتضنها مركز لالش الثقافي والاجتماعي.
كان لحضورها في عيد رأس السنة الإيزيدية هذا العام (16 نيسان) أثر خاص؛ فأحيت المراسيم بطقوسها العريقة، وتألقت بإطلالتها الإيزيدية البهية التي جمعت بين الذوق والتراث، حتى أصبحت ترندًا على وسائل التواصل، وتصدرت مشاهد الاحتفال بروحها الأصيلة ومظهرها المتألق.

رسالة الأمل.. وميلاد الجيل الجديد
في بودكاستها، تفتح نافذةً على قضايا الشباب، وتُشعل أسئلة الجيل، وتسحب الضوء على أصوات مهمشة بأمانة وذكاء. الإعلام لديها ليس شهرةً بل رسالة؛ ليس صوتًا فقط، بل صدى لأصوات كثيرة صامتة. سوزان كريم ليست مجرد إعلامية واعدة، بل نموذج لجيل جديد يحمل تراثه بفخر، ويسير به إلى المستقبل بوعي وجمال. هي راوية لقصة شعب، وسفيرة لقيم، وبداية لحقبة إعلامية جديدة تصوغها بحرفها، وعينيها، وقلبها.

اليوم، وهي في ربيع عمرها، تحمل على كتفيها الصغيرين أحلام جيل كامل، كل يوم تثبت أن الإعلام الحقيقي ليس في نقل الخبر، بل في صناعة الأمل. هي القصة الملهمة التي تقول للجميع: “ها أنا ذا.. ابنة شعبي وتراثي.. قادمة لا لتواكب العصر، بل لتصنعه”.

قد يعجبك ايضا