اتفاقية خور عبد الله: بين الالتزامات الدولية واحترام حكم المحكمة الاتحادية

د. علي مهدي*

في بلد يعاني من تداخل السلطات وتنازع المرجعيات، يبدو احترام الدستور والقضاء أحد آخر خطوط الدفاع عن الدولة. الجدل الذي أثير مؤخراً حول قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص باتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت، أعاد فتح النقاش حول موقع المحكمة ومكانة قراراتها. وهل يمكن لأي سلطة، حتى رئاسة الجمهورية أو الحكومة، أن تعترض أو تنقض قراراً صادراً عنها؟ الإجابة الدستورية حاسمة وواضحة: لا.

المحكمة الاتحادية العليا: قرارات نهائية لا تُردّ
ينص الدستور العراقي لسنة 2005 في المادة (94) على: “تصدر المحكمة الاتحادية العليا قراراتها بالأكثرية، وتكون قراراتها باتة وملزمة لجميع السلطات.” ومعنى ذلك: • باتة: أي لا تقبل الطعن أو المراجعة أو الإلغاء من أي جهة كانت. • ملزمة: يجب أن تنفذ من قبل جميع مؤسسات الدولة دون استثناء. وبذلك فإن أي قرار صادر عن المحكمة الاتحادية، سواء بإلغاء قانون أو اتفاقية، لا يمكن نقضه أو تعديله أو التعليق عليه من قبل أي سلطة تنفيذية أو تشريعية.

المحكمة الاتحادية: سلطة الفصل والفيصل

تلعب المحكمة الاتحادية دورًا محوريًا في النظام السياسي العراقي: • تفسير الدستور. • الرقابة على دستورية القوانين. • الفصل في النزاعات بين السلطات. وهي بذلك تمثل المرجعية العليا في الدولة، ولا يجوز لأي جهة الطعن في قراراتها أو تجاوزها.

قرار اتفاقية خور عبد الله: بين الدستور والضغوط

حين أبطلت المحكمة الاتحادية قانون تصديق اتفاقية خور عبد الله، استندت إلى عدم تحقق النصاب الدستوري المطلوب (ثلثا أعضاء مجلس النواب). هذا القرار القانوني أثار ردود فعل متباينة، منها:
• رفض بعض القوى السياسية للقرار.
•تصريحات رسمية من رئيسي الجمهورية والوزراء توحي بالطعن أو الاعتراض عليه. لكن حتى لو جاءت هذه الاعتراضات بصيغة “طعون”، فإنها لا تملك سنداً دستورياً، ولا تُغيّر من حقيقة أن المحكمة قالت كلمتها الأخيرة.
هل يملك الرئيس أو رئيس الوزراء حق الطعن؟
لا. ببساطة، لا يملكان ذلك، لأن الدستور لا يتيح الطعن بقرارات المحكمة الاتحادية. ومحاولة تقديم مذكرات “طعون” بهذا الشكل يمكن تفسيرها كالتالي:

1.رسالة سياسية للداخل والخارج، خاصة إلى الكويت.

2.محاولة لتخفيف الضغط الشعبي دون الاصطدام العلني بالقضاء.

3.مناورة شكلية قد تكون أقرب إلى طلب “تفسير” أو “إعادة نظر سياسية” منها إلى طعن قانوني فعلي.

لماذا هذه الخطوة خطيرة؟
لأنها تطرح تساؤلات جدية:
• هل تُحترم قرارات القضاء فعلاً؟
• ما مدى التزام السلطات بفكرة الدولة الدستورية؟
• وهل سيتحول القضاء إلى جزء من لعبة الموازنات السياسية؟
أي تهاون في احترام قرارات المحكمة يُعد سابقة خطيرة تهدد هيبة الدولة، وتضعف ثقة المواطنين بمؤسساتها.

زيارة وفد مجلس القضاء الأعلى إلى الكويت: تعزيز التعاون القانوني وتأكيد هيبة القضاء
في وقت حساس يخص قضية اتفاقية خور عبد الله، زار وفد من مجلس القضاء الأعلى العراقي الكويت، في خطوة تمثل إشارة قوية نحو تعزيز التعاون القضائي بين العراق والكويت. تأتي هذه الزيارة في وقت تجري فيه المحكمة الاتحادية تأجيلًا للحكم بالطعن ضد القرار، وهو ما يعكس مساعي العراق للحفاظ على التوازن بين الالتزامات الدولية و احترام السيادة القانونية.

الزيارة أيضاً تأتي في إطار تعزيز العلاقات القضائية بين البلدين، بما يضمن معالجة القضايا العالقة، وفي الوقت نفسه يرسخ مبدأ استقلال القضاء في العراق. ومع ذلك، يبقى من المهم أن يُنظر إلى القرارات القضائية باعتبارها قرارات نهائية لا تقبل الجدل أو الضغط السياسي، وتطبيق هذه المبادئ هو ما يعزز ثقة المواطنين بالمؤسسات الوطنية.

احترام القضاء أساس الدولة
إن قرارات المحكمة الاتحادية ليست وجهة نظر، بل مرجعية دستورية ملزمة. والخضوع لها لا يعني الضعف السياسي، بل هو دليل على احترام الدستور وسيادة القانون. في اللحظة التي يصبح فيها قرار المحكمة موضوعاً للنقاش السياسي أو التفاوض، نكون قد بدأنا نتخلى عن الدولة القانونية لحساب الفوضى الدستورية.

إن مسؤولية احترام القضاء، وخاصة من قبل أعلى سلطتين في البلاد، لا تقبل المجاملة أو التبرير، بل تتطلب انضباطاً دستورياً صارماً، حفاظًا على وحدة الدولة، وثقة الشعب، وكرامة المؤسسات.
إن هذه القضية، التي تجمع بين التزامات العراق الدولية واحترام أحكام المحكمة الاتحادية، تمثل اختبارًا حقيقيًا لسيادة القانون في العراق. وبينما تواصل العراق مسار تعزيز علاقاته الدولية، يجب أن يكون التزامه بالقرارات القضائية الوطنية هو الأساس الذي يبني عليه الثقة الشعبية والاستقرار المؤسسي.

*نائب رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية

قد يعجبك ايضا