ايمان البستاني
ولدت ليلى العطار في بداية العقد الرابع من القرن الماضي، تخرجت من أكاديمية الفنون الجميلة عام 1965، شاركت مع جماعة أدم وحواء 1967 وهي بدايتها الاحترافية، وبعد عام قامت بمعرضها الشخصي الأول حتى الخامس في مسيرتها الفنية. وشاركت في العديد من المعارض داخل العراق وخارجه وقد أحرزت العديد من الجوائز التقديرية في الكويت والبحرين ومصر والمعرض الدولي عام 1988.
عملت مديرة للمتحف الوطني للفن الحديث.. وقاعة الرواق.. وقاعة بغداد. عملت مديراً عاماً لدائرة الفنون.
شغلت منصب مديرة المتحف الوطني للفن الحديث ثم مديرة احدى مراكز النون في بغداد
تزوجت ليلى العطار من السيد عبد الخالق جريدان فسكنت معه في منطقة الكاظمية ورزقا ثلاث من الأبناء هم حيدر وزينب وريم، وبعد سنوات تم انتقالهما الى منطقة المنصور شارع الأميرات وقد كان دارهم ملاصق إلى مبنى المخابرات العراقية السابق.
عندما نشبت حرب الخليج الأولى انتقلت عائلة الرسامة ليلى العطار إلى بيت صديقهما الدكتور كامل الجواهري في منطقة الكريعات، وإثناء تواجدهم سقط صاروخ على دارهم في منطقة المنصور وقد تحول الدار الى كومة أنقاض مع محتوياته، وبعد انتهاء الحرب عادوا الى منطقة المنصور ليعمروا بيتهم المهدم وبعد الاتفاق مع سعاد العطار شقيقة ليلى العطار التي تملك دار مجاور لدارها المهدم، وبما أن سعاد العطار تسكن مع زوجها جميل أبو طبيخ في لندن، تم أشغاله من قبل عائلة الرسامة ليلى العطار لحين الانتهاء من ترميم دارهما، وفعلا قام الزوج بالعمل على إعادة جزء كبير من الهيكل المتضرر قبل حدوث طارئ جديد، وهو اتهام المخابرات العراقية بمحاولة اغتيال الرئيس السابق الأب جورج بوش في الكويت.
تسارعت الخطة والنوايا الشريرة لذلك الأمر فأصدر الرئيس الأمريكي بل كلينتون بضرب صاعق لمبنى المخابرات العراقية، وسقطت أحد الصواريخ على البيوت المجاورة للمبنى وهو منزل الرسامة ليلى العطار. وكانت أحد الشهداء!
فاضت روحها الطاهرة في 25 حزيران عام 1993 مع بزوغ نجمة الليل، لتضمها لرعيلها الساطع وهي تحمل الفرح والحب وفرشة الرسم الملطخة بدماء نقية، على أجنحة الطموح والوعد الكبير المتشبع بالإبداع والفراق لزهرة الگاردينيا الجميلة ليلى العطار.
الرؤية الفنية
فن ليلى العطار يوحي باغتراب، وبحزن عميق، الأمر الذي جعلها تتخذ من الطبيعة موضوعاً للخلاص، لكن الطبيعة لديها كانت جرداء: صحراء تمتد إلى المجهول: وكانت الأشجار جرداء وكأن الربيع غادرها إلى الأبد.. بل قد تبدو أعمالها كساحة حرب مهجورة بعد قتال قاس ومرير.. ووسط تلك الخرائب والصمت ثمة جسد يتجه نحو الشمس في غروبها، جسد يتلاشى أو يستسلم للكون، انها تذكرنا برومانسية معاصرة للشقاء الذي تعاني منه النفس في عزلتها الاجتماعية والنفسية والفلسفية، تلك الوحدة التي تدفع بالمتفرد إلى عزلة بلا حدود. لكنها في الواقع هي الوحدة، هي الاندماج بالكل، والتخلي – كما يفعل المتصوفة والزهاد – عن المتاع الزائد لبلوغ درجة اللا حاجة، أو المثال الذي يراود الملائكة والشعراء والعشاق العذريين. انها في هذا المسار تذكرنا بموتها. هذا العناق مع الأشجار الجرداء، مع الأرض المحترقة ومع الهواء الأسود.
بعد رحيلها المأساوي، كتب الأستاذ شاكر حسن آل سعيد، كلمة جاء فيها: ((حينما قدمت لمعرض ليلى الشخصي الأول في السبعينيات، كنت كمن يحدس أن في هاجسها الفني ما ينبئ بتضحية الفنان عبر مسيرته غير المعلنة. لقد قرنتها بشهرزاد ألف ليلة وليلة)).
ثم مضت تتعمق في اكتشاف وعيها الإنساني في الفن ردحا من الزمن وبمنطق رؤيتها، باحثة عن مدى تأصل المولود بحياته الجنينية وهي بعد أن قطعت بعد ذلك شوطا ًفي مسؤولياتها الفنية كمؤسسة لغاليري (الرواق) ومدير للمتحف الوطني للفن الحديث.. وأخيرا: مديرا ً عاما ً للفنون في وزارة الثقافة والإعلام.
قال السيد (خافيير بيريز دي كولار) أمين عام الأمم المتحدة، لها، قبل رحيلها بسنوات: ((أنك ِ فنانة.. ومديرة عامة.. وجميلة جدًا)).
لكن ليلى لم تترك إلا الذي سيتجاوز الرمز، والثناء. انها لم تترك الا الذي ينمو في البذرة: سر تكّون الروح، وليس تكّون الزوال.