﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾
الحج ؛17
د. توفيق رفيق التونچي
هذا التحليل يعتمد على المعطيات المتوفرة لدينا ورؤية استراتيجية بعيدة النظر اماً ما هو في علم الغيب وفي الأدراج السرية فلا علمً لنا به. بعد عقود من حكم العائلة والقرية ( القرداغة من اللغة التركية اي الجبل الأسود )بمنهج حزبي قومي ( البعث) فاشي سلبي وطائفي لبلد ذو تكوين تعددي عرقي وعقائدي وبتاريخ قديم في الحكم تعود لدهور عدده نرى اليوم تغيرا جوهريا من الدرجة الثانية في ثورة شعبية عارمة يمكن تسميتها بثورة الخلاص من الخوف ستكون مفصلا وحاجزا تاريخيا في حياة الناس في هذه الدولة التي صنعها سايكس وبيكو بعد الحرب العالمية الأولى كمثيلاتها منً دول المنطقةً كيانات وحدود رسمها المستعمر للعراق وسوريا والأردن وفلسطين … ندافع عنها لحد اليوم .
دولة سوريا المستقبلية هو الحد الفاصل بين نظام حكم الدولة الطائفية الشيعة في ايران وأجزاء من العراق الجنوبي وبعض القوى الكوردية التي تدور في محور ايران والطائفة السنية في خط بشري يمتد من تركيا إلى اليمن في الجنوب. الخط الشيعي في تركيا وسوريا ولبنان (هناك تسميات عديدة للعلويين بين هذه الأقوام الثلاث ) من عرب و أكراد وهم جميعا اكبر الخاسرين في هذه الثورة .
الحزام السني الذي سيحول دون انتشار وتوسع وتصدير الثورة الإسلامية في ايران ستكون من اهم نتائج هذا التغير. على الصعيد العربي ستكون عودة إلى الجذور وتقًوية الحزام السني مع الابتعاد عنً ايران والتوجه إلى الدول العربية والدول الإسلامية في العالم اجمع. كما ان الخط الحدودي مع العراق وجلهم من الطائفة السنية ستتأثر بهذا التغير. سيحدث حتما تغير جذري في قيادة الجيش والأمن وقوى القرار التي هيمنً عليه العلويين اللذين فقدوا قوتهم وسلطتهم ستؤثر كذلك على تركيبة المجتمع اللبناني حيث يعيش الشيعة في جنوب لبنان وبقايا السوريين من رجال امن ولاجئين وتتغير ميزان القوة لصالح الطائفة السنية في المستقبل وقد يتحولون اي شيعة لبنان إلى اكبر الخاسرين وسيتم عزلهم تماما من سيطرة السلطة الدينية في ايران.
أما الابتعاد عن الخط الروسي وأطماعه في الشرق الأوسط التجارية والعسكرية وانهاء تواجده على شرقي البحر الأبيض المتوسط وتأثيره بصورة عامة على السياسة في المنطقةً سيضعف كثيرا.
في حالة توجه النظام الجديد إلى جارته في مرتفعات الجولان السورية بأسلوب سلمي جديدة غير عدائي قد ينهي حرب الاستنزاف في اتفاقية سلام يرسم الحدود من جديد أما تواجد المنظمات الفلسطينية الثورية في مخيمات الفلسطينيين في سوريا فسيتم إعادة تقييم علاقتهم بالدولة السورية وبحركة حماس بعد ان تحولت الأخيرة في السنوات الماضية إلى اداة بيد النظام في ايران. إعادة غربلة الأفكار السائدة بين الدول المحيطة بفلسطين مهمة جدا في المنظور الاستراتيجي للعلاقة بينها وبين الدولة الإسرائيلية وربما يتمً اعتراف بالأمر الواقع اي حل الدولتين المستقلتين بعيدا عنً حراب الحرب باتفاقيات سلام كما حصل مع مصر والأردن وإنشاء دولتين متجاورتين متفقتين بعيدا عن الحرب والتشرد والدمار.
يبقى انً نعلمً بان أي توجه سلمي في المنطقة سيكون لصالح السلام العالمي وينهي هيمنة القوى الإمبريالية الكبيرة على المنطقة وينهي صراع سباق التسلح وهدر الثروات الوطنية.
في البدأ أي في المنظور القريب نرى ان تركيا الفائزة في الوقت الحالي لن تكون نفسها بعد انحسار قوة وهيمنة حزب العدالة والتنمية على مقاليد الحكم في البلاد في المستقبل كنتيجة لتداول السلطة الديمقراطي في البلاد. المشكلة الأساسية تبقى كيفية معالجة القضية الكوردية لارتباطات العضوي بمجريات الأمور في تركيا والعراق وسوريا وبوجود الألف الكيلومترات من الحدود المشتركة ورغم توجهات بعض القوى السياسية الكوردية إلى ايران لكونها في الأساس تعتمد على الخط الفكري الشيعي المتواجد تحت تسميات مختلفة في كوردستان مع تطعيمها بافكار ماركسية كوريثة للحزب الشيوعي التركي سيكون من الخاسرين في هذه التغيرات . وقد يتم تدارك ذلك بتغير اتجاهاتها إلى وطنية و قومية إيجابية وربما الاستفادة من نموذج اقليم كوردستان العراق للحفاظ على الحدود السياسية للدولة السورية مع رفع كلمة العربية من أسم الدولة الحالية. يبقى الملف الكوردي في تركيا شئنا وطنيا داخليا في دولة تركيا كي تعالجها في المستقبل ضمن حدود دولتها الوطنية ومصالحها الوطنية بعيدا عنً الافكار القومية الاحادية الفاشية التي تقسم المجتمع والبلاد. وتهمش المختلف من الأقوام الأخرى .
تبقى مصالح الدول الغربية واروبا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية تدافع عن مصالحها السياسية والتجارية وتبني علاقاتها على أساس المصلحة المشتركة.
أما إذا توجه دفة الحكمً الجديد إلى بناء دولة أحادية كما فعل في أفغانستان طالبان فإننا سنكون في منطقة اقل ما يسمى ب “جحيم الشرق” وتسود قوى الشر والعداء وقتل المختلف فكريا وعقائديا علىً طريقةً البعث البائد ومعاقبة الناس على افعالهم دون اي قانونً وضعي او قضاء مستقل ودستور للبلاد مع حرب داخلية وانقسامات ومصائب لا اول له ولا آخر. هذا السيناريو الأخير يشمل تبعاته الجارة الشرقية وكما اسلفت لوجود افكار مشابهة فيها وارتباطاتها الطائفية وبذلك تنتشر شرارة النيران إلى العراق الشرقي . اماً في لبنان فحدث ولا حرج لتكوين الفسيفسائي للمجتمع اللبناني.
انتهاء هيمنة القوتين الرئيسيين الإيرانية والروسية سيترك فراغا يستغله القوى القومية التركية الحالمة بإعادة امجاد أجدادهم في الولايات العثمانية السابقة. تحت ضلال تلك الهيمنة سيكون استقلالية القرار السوري محض هراء لوجود إملاءات خارجية تقوم بالتأثير على مسير قرارات الكيان السلطوي.
أما إذا تحول النظام إلى تعددي وديمقراطي اتحادي فيمكن آنذاك التحدث عنً نظام ثابت مستقر يتفاهم فيه أبناء الشعب تحت قبة البرلمان دون تهميش اي جزء من أبناء المجتمع وهذا في واقع الأمر مبدأ أساسي في الدولة الإسلامية اي احترام التعددية وترك القضاء الإلهي ان يفصل بين الناس باختلاف عقائدهم واتجاهاتهم.
لندعو الرحمنً عز وجل ان يأخذ بيد الشعب السوري في بناء دولة العدل والحق والسلام ليعم الخير والأمان على نفوس البشر بعيدا عن سجون الطغاة وليتطور الوطن إلى آفاق أرحب في المستقبل ويعم الرخاء.