تأريخ بدايات ثورة گولان
٢٦/ ٥/ ١٩٧٦
الجزء الثاني عشر
تأليف: أسعد عدو
ترجمة: بلند داوود
تقديم: د. عبد الفتاح علي البوتاني
تحرير صحفي: سالم بخشي
البيان الأول للقيادة المؤقتة
بعد تلك الزيارة جاءنا عبدالرحمن صالح، وفي كانون الاول 1975 امرنا الأستاذ مسعود بارزاني هاتفياً قائلا : هناك رفيقين باسم (سليم، وحسن) سوف يأتيان الى كوردستان تركيا حاولوا ان تلتقوهما في (مديات).
والجدير بالذكر ان الأسم المستعار للأخ جوهر نامق كان (سليم) و كريم سنجاري (حسن)، وذهب كل من (محمد بوصلّي، وعبد الرحمن صالح) للقاء سليم وحسن، عبر محطة القطار بين نصيبين والقامشلي حيث قاما بالاختباء في احدى العربات الفارغة لقطار الشحن وبهذه الطريقة عبرا الحدود وتوجها الى الجزيرة وكان في الجزيرة بيتان احدهما يعود لعائلة (شيخ حسن) التابع للبارتي والآخر لعائلة (صبري نواف) التابع للإتحاد وجاءا عن طريق المعارف الى نصيبين ومن هناك عثرا على مكان تواجد (سليم وحسن) وتوجها صباحاً الى (مديات) والتقوا في بيت الشقيقين (حسين، وعبد الرحمن حسو) وظلوا هناك معاً لمدة (8) ايام وكان (سليم، وحسن) من أعضاء القيادة المؤقتة، وللمرة الأولى أحضروا معهم بيان اعلان القيادة المؤقتة لغرض النشر، وفي ذلك اللقاء تقرر ما يلي:
1- عودة عبد الرحمن صالح إلى سوريا للإشراف على الرفاق.
2- يتوجه محمد خالد بوصلّي، إلى منطقة (برواري بالا) من أجل:
- إيصال بيان القيادة المؤقتة الى هناك.
- إيصال رسائل خاصة إلى الراحل علي عبيد الله، وتيّلي كَويّي وحاج ملوّ.
حينذاك جاءني شخص اسمه (عبدالرحمن يوسف) وقد أستشهد في ما بعد، وتوجهنا معاً في ذلك الشتاء القاسي عبر الجزيرة، باتجاه كوردستان العراق عن طريق (حاجي صبحي) حتى وصلنا الى قرية (بيّجي) في وادي(كَوييا) وفي تلك السنة هطلت ثلوج كثيرة، أخذت رسالة (تيّلي) ولكنه لم يستلمها، ونصحني حاج ملوّ بأن لا أذهب إليه، لصعوبة الوصول إلى برواري بالا بسبب الثلوج، ومن دون أن نحقق شيئاً من مهمتنا عدنا إلى (أوليدر- قلاب) إلى بيت الشيخ خالد الذي كان من مؤيدينا، ومن هناك عدنا إلى (مديات) فأخبرونا بأن الرفيقين ذهبا إلى مدينة آمد (ديار بكر)، وتوجهنا فوراً الى هناك، ولكننا لم نلتق بهما، وفي النهاية، أخبرونا أن نعود إليهما في شهر شباط عام (1976).
*رجعت الى سوريا وعبّرتُ ما يقرب من (40-50) بيشمركة الى الجانب الآخر (العراقي) من الحدود وتقرر ان نقوم معهم بحرب العصابات على طريق (زاخو)
عدنا إلى سوريا، وقد استغرقت رحلتنا تلك (23) يوماً، وفي شهر شباط 1976، جئت لوحدي للقاء كل من (سليم، وحسن). سافرت مع شخصين تركيين، وتوجهنا نحو (قه شوّيا آروش) ومن هناك باتجاه (برواري بالا) حتى وصلنا إلى (هديّنا) إلى عند علي عبيد الله، ووصلت إلى بيت محمد صالح شقيق عبد الرحمن الذي يعمل الآن طباخاً في المكتب السياسي، وذلك عن طريق (حاج قاسم) ومن ثم عن طريق محمد صالح، وفي خارج القرية التقيت بالأخ علي عبيد الله، وسلمته الرسالة المرسلة اليه.
سلمت البيان لعلي عبيد الله وشقيقه باليد مع مبلغ (100) دينار عراقي، وعدت مع رفيقي التركيين باتجاه كوردستان تركيا، وفي تلك السنة هطلت ثلوج كثيفة، وصلنا إلى قرية (سنىّ) بالقرب من (شرناخ) ومرةً أخرى التقيت (سليم، وحسن) كانا قد أسسا مقراً صغيراً في تلك القرية، وتحدثت لهما عن رحلتي، وفي تلك الفترة كانت الحكومة السورية قد اعتقلت (عبد الرحمن صالح، وسيد حميد)، وأحمد رموّ هو الآخر كان محظوراً هناك، كلفني (سليم) بالتوجه إلى سوريا مع رسالة إلى رفاق (التجمع العراقي) لكي يحاولوا إطلاق سراح رفيقينا، عبرت الحدود التركية السورية سيراً على الأقدام، إلى أن وصلت قرية (باترزان) وفي هذه القرية رافقني شابان لحمايتي الى ان وصلت قرية (معشوق) وهناك عن طريق صديق ابلغت (ابو مدين) الذي كان احد مسؤولي (التجمع العراقي) ولم يمض وقتاً طويلاً حتى جاء مع قوة الى القرية، حيث سلمته رسالة الأخ جوهر ،وانصرف بعد ذلك وبقيت انتظر ابو مدين لمدة يومين ولكن لم اتلق منه اي جواب فجئت الى اطراف عامودا ومن ثم وصلت ذات ليلة الى مقر (التجمع) فقال لي ابو مدين: مع الاسف عندما عدت كان (احمد العزواي) وهو مسؤول (التجمع) قد سافر ولذلك لم التقه ولم احصل منه على اي جواب بخصوص موضوعك وانا ايضاً عدت الى الاخ جوهر نامق واخبرته بالذي حصل معي.
فقال لي الاخ جوهر: عد الى سوريا، هناك عدد من البيشمركة اوصلهم الينا رجعت الى سوريا وعبّرتُ ما يقرب من (40-50) بيشمركة الى الجانب الآخر (العراقي) من الحدود وتقرر ان نقوم معاً بنشاطات عسكرية (حرب العصابات) على طريق (زاخو) باتجاه منطقة (كاني ماسي) مع انه كانت قبلنا توجد مفارز اخرى للبارتي في منطقة (كولي).
*بمناسبة قيام ثورة كولان في (26/5/1976) قمنا بالهجوم واسرنا جندياً قرب (بلكيف) خلف اتروش مع ان تلك المنطقة كانت تحت سيطرة الشهيد محمود يزيدي ونشاطنا الثالث كان هو ضرب وحرق مشروع مياه زاخو الذي نفذناه في تشرين الثاني 1976 وبعد القيام بتلك النشاطات صرنا نترقب الوضع، عندها وصلت اول مفرزة مسلحة لـ (اوك) الى القرب من الحدود بقيادة (جبار) وكان هذا هو الاسم الحركي لإبراهيم عزو*
وبمناسبة قيام ثورة كولان في (26/5/1976) قمنا بالهجوم واسرنا جندياً قرب (بلكيف) خلف اتروش مع ان تلك المنطقة كانت تحت سيطرة الشهيد محمود يزيدي ونشاطنا الثالث كان هو ضرب وحرق مشروع مياه زاخو الذي نفذناه في تشرين الثاني 1976 وبعد القيام بتلك النشاطات صرنا نترقب الوضع، عندها وصلت اول مفرزة مسلحة لـ (اوك) الى القرب من الحدود بقيادة (جبار) وكان هذا هو الاسم الحركي لإبراهيم عزو.
الأنفال
ورغم تلك المعاناة القاسية، إلا أننا لم نغادر جبال كوردستان لغاية 1988، وبعد الأنفال كنت مسؤولاً عسكرياً لتنظيم (كَولان) جئنا مع رفاق الفرع الأول، وعدد من بيشمركَة الأحزاب الأخرى، إلى قرية (جمتو) الواقعة بالقرب من الحدود التركية-العراقية، ومن بين الذين كانوا معنا: الشهيد سمكو آميدي، سربست بابيري، الشهيد أحمد كادر، صديق زاويته، نجيرأحمد و فؤاد ميران.. وآخرون لم أعد اتذكر أسماءهم.
*قال عمي كلاماً لن أنساه ما حييت: (من المخزي أن نموت على فراشنا!) ولذلك قرروا بالإجماع أن نقوم بالاستجابة لطلب الأخ مسعود بارزاني ورفاقه، حتى وان كلفنا ذلك مالنا وارواحنا
فيما يتعلق باستقرار مقر البارتي بعد الأنفال، يقول بوصلّي: في (جمتو) اجتمعت الأحزاب كلها، وقررت مجتمعة ارسال برقية إلى الأخ مسعود بارزاني، واجاب سيادته، بأنه سوف يتصل معهم عبر جهاز اللاسلكي الساعة الرابعة صباحاً، وتم الاتصال وقال: إن قرر بيشمركَة الأحزاب كلها البقاء في كوردستان، فما عليكم حينها إلا أن تديروا اموركم كأخوة، وإن قرروا الرحيل، عليكم البقاء وعدم ترك كوردستان تحت اية ظرف مع الانتباه لأنفسكم. بعد مضي ثلاثة أيام غادر بيشمركة وكوادر كل الأحزاب ، وبعد فترة قصيرة قال الأخ فؤاد ميراني: يقول الأخ مسعود بارزاني انقلوا مؤنكم وذخيرتكم وجميع ممتلكاتكم إلى قرية في الجانب الآخر من الحدود مع تركيا، وهي قرية (گفرى) وليس من الضروري أن أذكر أسم القرية، وإنما ما نقصده هو أن هذه القرية سوف تكون بمثابة المقر الخلفي لكم، ومن جانبنا انجزنا مهماتنا برفقة ناصر أبو عبد الله (المسؤول المالي) وجوهر يزيدي والأخ فؤاد ، واتفقنا أنا وحميد القيام بجولة في المنطقة من أجل تحديد مكان المقر العسكري.
في شهر تشرين الثاني 1988، أرسلنا فتاح كَولي والعريف ياسين إلى الفرع، وبدورنا ذهبنا في اجازة، وفي نيسان 1989، عدنا إلى كوردستان مع (الزعيم علي وشكري نيرويي) وأخيراً بدأنا بالإعداد لعقد المؤتمر العاشر للحزب وبعد المؤتمر عقدنا الكونفرانس العسكري، وتقرر أن أعود مرة أخرى مع د. كمال كركوكي إلى (جمتو) للقيام بعمليات عسكرية ، ضد جيش النظام، قمنا بعدة عمليات وأسرنا مجموعة من الضباط والجنود إلى أن احتل العراق الكويت، واستمرت نشاطاتنا إلى أن بدأت الانتفاضة الشاملة، والله شاهد على أنني بقيت في الميدان لوحدي مع (7) من حمايتي، الجيش كان يحاصرني وبفوهة البندقية مرة أخرى أسست مقراً في (باتوفه) وجمعت أسلحة الناس الفارين، إلى أن وصلت إلينا اول سيارة أجنبية.
كتاب (رسالة من شيرناخ!)
منذ ان فكرت بتدوين التأريخ او كتابة احداث استمرار ثورة ايلول التي عرفت بثورة كولان وفي اول ندوة تلفزيونية في اواسط عام (1992) ومن ثم في الصحيفة اليومية (برايتي) في آيار 1993 وانا اسعى للبحث عن عدة كل من (عبد الرحمن كوندكي، حميد شريف مجولي، احمد رمو).
ما يتعلق بالرفيق احمد رمو، توفي مع الاسف واعيد جثمانه من السويد الى كوردستان في يوم (16/2/2019) وكذلك استشهد نجل البطل المعروف حميد شريف مجولي، على يد تنظيم داعش الإرهابي! ومن ثم وفاة زوجته، كل ذلك كان سبباً في عدم تمكني اللقاء به وبعد تلك الكارثة كان ضرورياً بالنسبة لي ان انجز هذا الكتاب الزاخر بالمعلومات حول المسيرة النضالية الشاقة للقيادة المؤقتة خلال الفترة من (6/3/1975) لغاية (26/5/1976).
حول مضمون كتاب رسالة من شيرناخ الذي يزيد عن (600) صفحة فإنني سأدعه للقارئ نفسه واود ان اشكر مؤلف الكتاب عبد الرحمن كوندكي الذي اهداني نسخة منه، اشكره من القلب، لأنه وثق جانباً مهماً من تأريخ تلك الثورة التي شارك فيها بنفسه وعائلته بشكل مباشر ولهذا اجريت معه هذا الحوار كي يتمكن من يرغب الحصول على معلومات تلك المرحلة، الاطلاع عليها:
حبذا في البداية تعرفنا على نفسك؟
اسمي (عبد الرحمن محمد مستو كوندكي) قريتنا تقع في منطقة شيرناخ وتبعد عن المدينة مسافة (10) كم وتعرف باسم (كوندكي ملي)، عائلتنا وامير بوتان من سلالة ومنطقة واحدة، عائلتنا كبيرة وكلنا فطرنا على الكوردايتي، ولهذا قدمنا حتى الان (12) شهيداً في الكفاح المسلح من اجل حقوق شعبنا! وشخصياً منذ ان وعيت، تعرفت على اسم الملا مصطفى بارزاني بعد عودته من الاتحاد السوفيتي، ولن انسى ابداً عندما تم جمع المساعدات في منطقتنا للثورة وظلت قافلة مساعدات منطقتنا مستمرة باتجاه زاخو واخيراً وجدت نفسي في مقر البيشمركة في (شرانش) وذلك بناء على دعوة من عيسى سوار.
للأسف في ذاك اليوم المشؤوم يوم المؤامرة الدولية ضد الأمة الكوردية، كنت مع مفرزتي هناك فاضطرينا الى العودة على ظهر البغال باتجاه قطاع بوتان، امضينا حياتنا ونحن بأنتظار اندلاع شرارة الثورة من جديد الى ان وصل الينا مرة اخرى الرفاق (جوهر نامق، وحسن سنجاري، كريم سنجاري) في نهاية عام (1975) وبداية عام (1976) فعاد الينا الامل من جديد.
كيف علمت بخبر وصول الرفيقين المذكورين؟
يبدو ان الأخ مسعود بارزاني أرسل الرفيقين عن طريق الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تركيا الذي اوصلهما الى بلدة (مديات) القريبة من جزيرة بوتان، وارسل الرفيق (عبدي حسو) الى بيتنا في (كوندكي ملي) فابلغني سراً وقال: بعث الأخ مسعود بارزاني رفيقين يرغبان اللقاء بك!
كنت في وضع نفسي صعب وقلق للغاية، انعشني الخبر، لأنني كنت انتظر مثل هذا الخبر منذ فترة، فذهبت في الحال مع (عبدي حسو)، في البداية تحدث معي الاخ جوهر نامق باللهجة السورانية وقال: بأمر من الأخوة ادريس ومسعود بارزاني تم تكليفنا كممثلين عن القيادة المؤقتة كي نجري استطلاعا، لنرى كيف يمكنكم مساعدتنا لنتمكن من اعلان الثورة؟
واضاف: اريدك ان تعود الى عائلتك وتتشاوروا فيما بينكم حول الموضوع حتى يتم اتخاذ قرار جماعي! اجبته: رفاقي الأعزاء نحن لا نعرف بعضنا البعض! ولكن أسم الأخ مسعود بارزاني وأمره هو الذي يجمعنا، أنا متأكد بأن هذا الخبر لا يسعدني وحدي فحسب، بل سوف يسعد جميع اهالي المنطقة، ولكن أسمحوا لي أن أعود إلى عائلتي، وعندما وصلت إلى عائلتي، تحدث الى اخي الكبير، وكذلك قال عمي كلاماً لن أنساه ما حييت: من المخزي أن نموت على فراشنا! ولذلك قرروا بالإجماع أن نقوم بالاستجابة لطلب الرئيس مسعود بارزاني ورفاقه، حتى وان كلفنا ذلك مالنا وارواحنا.