اللور في كتابات مينورسكي

د. مؤيد عبد الستار

في مطالعة لاثار مينورسكي ، راجعت ما كتبه عن اللور في الموسوعة الاسلامية الصادرة بالانجليزية اوائل القرن الماضي ، فوجدت مايستحق التعليق على ما ذكره من اراء.
وفلادمير مينورسكي هو المستشرق الروسي الذي كان قنصلا لبلاده ـ روسيا القيصرية ـ في ايران للاعوام 1904- 1919م ، غادرها بعد ثورة اكتوبر لينتقل الى فرنسا ثم استقر في انجلترا وأصبح استاذا في معهد الدراسات الشرقية، ونشر العديد من الدراسات عن الكرد وكردستان ، و ترجم الدكتور معروف خزندار كتابا له بعنوان : الاكراد ملاحظات وانطباعات.

يقول مينورسكي: ( إن اللور قوم من الشعوب الايرانية يعيشون في الجبال الجنوبية الغربية لبلاد فارس )وهو بهذه العبارة فصل دون قصد بين اللور والشعب الكردي، اذ اضاف اللور الى الشعوب الايرانية ، وكان الانسب ان يقول ان اللور قوم من الشعب الكردي ، لان مصطلح الشعوب الايرانية مصطلح فضفاض، تدخل فيه قوميات وشعوب مختلفة، وهي ترتبط من خلال مجموعة اللغات الهندو ايرانية ، ومن ضمنها اللغة الكردية بلهجاتها المختلفة.

كما ان الجبال الجنوبية الغربية لبلاد فارس،هي كردستان الجنوبية ، اذ ان خارطة كردستان معروفة منذ القدم وهي تصل الى مشارف الخليج الفارسي ، ومعروف ان الفتوحات الاسلامية ، أسهمت في اشتداد الحملات العربية على جنوب شرق العراق ـ وغرب ايران ، وزادت وتيرة تدفق القبائل العربية على بلاد اللور ـ لورستان ـ والتي هي جزء من بلاد الكرد، بعد تشييد معسكر البصرة للجيوش العربية بامر الخليفة عمر بن الخطاب( رض ) .
ويضيف مينورسكي إن قبائل اللور الرئيسة هي : المامساني ، كوهجيلو ، و بختياري .

وان اللهجة المتميزة للغة اللورية تجعلنا نعتقد أنهم أقرب الى الشعوب الايرانية من الشعوب الميدية ، ومن الطريف ان مينورسكي لم يسأل نفسه لماذا تغص اللغة الفارسية بالكلمات والتعابير العربية ، بينما حافظت اللغة اللورية على شخصيتها ولم تستحوذ عليها المفردات العربية مثلما حدث لشقيقتها الفارسية، ان هذه الحصانة كانت بسبب تميز اللغة الكردية للور عن اللغة الفارسية ، لذلك حافظت على استقلالية شخصيتها التي استمدتها من مقومات اللغة الكردية التي استطاعت المحافظة على تميزها رغم الظروف التاريخية الصعبة التي أحاطت بها منذ الفتح الاسلامي للعراق وفارس وكردستان .

وفي شرحه لتسمية اللور يقول: يربط البعض تسمية اللور بمكان يدعى( لور ) في مضيق مان رود ، وان هذه التسمية ترتبط بمدينة اللور التي ذكرها الجغرافي العربي الاصطخري حين تحدث عن صحراء اللور ، الواقعة شمال دزفول ، كما توجد عدة أماكن أخرى مشابهة لتسمية اللور ، مثل: لـِر ، وهي مقاطعة تقع في جنداي سابور ، علما ان كسر اللام في اللورية يقابله ضم اللام في الفارسية، مثل ( بيل Peel )في اللورية ، وتعني ( نقود ، فلوس ) ، تقابلها في الفارسية (بولPool).

كماتوجد منطقة تسمى لور ديان ، ذكرها ياقوت باسم لور داديان ، وتسمى في الوقت الحاضر لورداجان ، وهي استنادا للاصطخري ،عاصمة مقاطعة ساردان ( تقع بين مناطق عشائر كوهجيلو والبختيارية ) ، وكذلك لدينا مكان يسمى لورت ويقع قرب صيمرة .
المسعودي لوحده في قائمته عن الكورد يذكر قبيلة اللور وفي القرن الثالث عشر يستخدم ياقوت اسم اللور ويفسره بقوله : قبيلة من الكورد تعيش في الجبال بين خوزستان واصفهان . وتسمي مناطقهم : بلاد اللور أو لورستان.
إن هذه الحقائق تبين لنا ، ربما قبل الايرانيين ، الملامح الجغرافية للاسم الاثني .

وقد وضع العديد من الباحثين معان عدة لكلمة لور ، ومنهم من أعادها الى جذور اللغة الايرانية وفسرها استنادا الى كلمة لوهراسب ، أو شرحها البعض استنادا الى كلمة رودرا ، وتعني أحمر ، وما ذكره ياقوت من ان( لور ) اسم مكان قد يكون له علاقة بهذه الجذور بينما يذكر كتاب تاريخي كوزيده ،إن الكلمة المعروفة لور ، و لِـر، تعني التل المشجر في اللغة اللورية.

قبائل اللور

أسماء قبائل اللور معروفة جيدا ولدينا قائمة باسمائها تعود لعام 1836 م واخرى لعام 1922م ، وبالمقارنة بينهما نتمكن من معرفة التغييرات التي حصلت تاريخيا. ففي الوقت الذي يظهر فيه تشكيل القبائل اللورية أسرع من تشكيل القبائل الكردية الاخرى ، نجد أن الاطار العام لتشكيل القبائل يبقى متشابها، وينقل مينورسكي عن كرزون ، انه في عام 1881 م كان يوجد 421.000 لوري من بينهم 170.000بختيارية ، 41.000 كوهجيلو، 210.000 فيلي.

واستنادا الى روبينو ، فان عدد الفيليين عام 1904 م كان 31.650 خيمة أو 130.000 فردا في بيش كوه ، ويبدو أن هذا الرقم قليل .
تتالف المامساني من أربع قبائل هي :
باكاش ، جاويدي ( جاوي ) ، دوشمن زياري ، روستمي
وتتالف الكوهجيلو من ثلاث قبائل كبيرة هي : اقاجاري ، باوي ، جاكي
القبيلة الاولى في هذه المجموعة – اقاجاري – تستمد اسمها من قبيلة تركية قديمة هي اغاجاري ، وهي تتالف من تسع عشائر ، أربع منها هي : افشار ، بيك دلي ، جاغاني ، قراباغلي ، قبائل تركية ، اما العشيرة الخامسة التي تدعى تيلا كوهي ، فهي تحمل اسم منطقة في كردستان في مقاطعة سنندج.

القبيلة الثانية باوي:
يذهب O. Man الى أن اسمها عربي من الاهواز ، ولكن هناك جبل يسمى باوي جنوب خورم آباد.
اما القبيلة الثالثة جاكي ، فهي لورية اصيلة ، تتألف من قسمين : جاربونيجا و لورآوي .
إن هذا التجمع الثلاثي لمجموعة كوهجيلو هو مثال تقليدي للقبائل اللورية الاخرى.
اما بالنسبة للبختيارية ، فان كرزون في قائمته لعام 1980 م يقول ان البختيارية تتألف من قسمين : جهار لنغ ، وهفت لنغ ، وهذه الاخيرة أكثر أهمية في الوقت الحاضر.
وعن القبائل الكردية التي جاءت من سوريا الى كردستان الجنوبية يقول مينورسكي :
وصلت حوالي عام 500هـ / 1106م من سوريا حوالي مائة أو اربعمائة اسرة كردية من عشيرة فضل آوي – فضلاوي- جاءت من الشمال ( من مننطقة شوتران كو ) واقاموا اولا في منطقة الوزير خورشيد ، وفي بداية القرن الثامن ارتبطت قبائل اخرى باللور ، ومن بينهم قبيلتان عربيتان هما العقيلي والهاشمي ، وثمان وعشرون قبيلة اخرى متفرقة، نجد بينهم بختياري ( مختاري ) ، جوانيكي ( ماراسيلي ) ، الجوتوند ، الحاكي ، لرآوي ، مامساني . واستنادا الى الشرفنامة ، فان جميع هذه القبائل جاءت من سوريا، وكان لهذه الموجات الكبيرة المهاجرة تاثير كبير على الاصول الاثنية للور الكبرى .

ومن المحتمل ان تكون هذه القبائل كردية ، وما زال البحث عن آثارها جاريا بين الكورد ، وهم الذين التقى بهم ابن بطوطة في بداية القرن السادس عشر قرب بهبهان ، ورام هرمز ، عندما كان في طريقه الى عاصمة اللور الكبرى .
ومن الجدير بالذكر ان شهاب الدين العمري يذكر وجود اللور في مصر وسوريا ويروي كيف أُخطر صلاح الدين الايوبي بامكان مشاركتهم في الثورة عليه ، فاوقع مجزرة كبيرة بهم .
ان هذه الحادثة تلقي الضوء على أسباب عودة العديد من القبائل الكردية الى بلادهم ( بلاد اللور) من سوريا حوالي عام 600 للهجرة . هذا ما ذكره مينورسكي ، واود ان اشير الي المصادر التاريخية التي تحدثت عن هجوم الاشوريين على عيلام ، واحتلالها وتخريبها عام 653 قبل الميلاد ،فقد جاء بها بيان لترحيل الكورد ابناء عيلام الى البلدان التابعة للامبراطورية الاشورية ، إذ خسر ملك عيلام ( تيومان ) المعركة مع اشوربانيبال ، واحتلت الجيوش الاشورية عيلام وقرر اشور بانيبال تخريبها ، فزحف الجيش الاشوري على عيلام مخربا مدنها الرئيسة واستولى على العاصمة سوسة (سوزا ) ونهبوها وأخذوا عددا كبيرا من الموظفين الكبار وعائلاتهم أسرى الى آشور وضُمت الوحدات العسكرية العيلامية الى الجيش الاشوري ، وتخبرنا التوراة( سفر عزرا ) أن قوما أسرى من عيلام ومن سوسة ( سوزا ) العاصمة نقلوا الى شمال فلسطين ، ويقول هنري ساغس*، في كتابه جبروت اشور الذي كان ، ترجمة د. احمد يوسف ،دمشق 1995، ص 170 : ان دماء عيلامية كانت تجري لاحقا في عروق أهالي السامرة فلسطين، وأصبحت الكثير من المناطق -بعد أُخذ سكانها وحيواناتهم كغنائم الى اشور، خرابا يبابا (جعلت حقولهم خالية من صوت انسان ومن خطو دابة أو غنمة، ومن الصياح السعيد في بيوت الحصادين ، حيث أصبحت مربضا للحمار الوحشي والغزلان وكل انواع الحيوانات البرية).انتهى قول هنري ساغس.

علما إن تخريب عيلام استمر لمدة أربعين عاما على يد حملتين قامت بها الجيوش الاشورية لتكمل تخريب البلاد بالكامل مما أتاح للقبائل الفارسية التي كانت تابعة للشعب الميدي في الشمال التقدم باتجاه عيلام واحتلال مناطق شاسعة منها .
وقد تكون هناك علاقة بين السامرة والعاصمة سوسة ( سوزا )، فان السامرة لها علاقة بكلمة السمرة ، ومن معانيها سمرة اللون ، وكذلك اسم العاصمة العيلامية سوزا ، تعني الخضراء والسمراء ، وحتى الوقت الحاضر يطلق على اللون الاخضر في الكردية سه وز ، ويشار الى الانسان الاسمر بنفس الكلمة ، سه وز ، سه وزه . وهي مازالت تستخدم اسما للتحبيب أيضا.

يذكر مينورسكي ان الاقسام الرئيسة للور هي : تارهان ، دلفان ، سلسلة ، بالاجيروا.
وتتميز قبائل البالاجيروا بلاحقة ( الوند ) في اسماء عشائرهم مثل دريزوند ، ساغ وند ….الخ ومن المحتمل ان تكون قبيلة دريز وند النواة الحقيقية لاصل اللور ، ويدعى رئيسهم مير .
وعلى عكس ما وجدنا لدى الكرد من ان أفراد العشيرة ملتصقون بامرائهم ، نجد أن اللور ( بالاجيروا ) أكثر ديمقراطية في علاقتهم مع امرائهم .
إن قوة العوائل المتوارثة للامارة ( خان) تستند على حرسهم ( قيتول ) ، ولكن هذه القوة تقل بشكل ملحوظ بواسطة سلطات رئيس القبيلة ( تشمال ) مما يجبر الخانات ( جمع خان ) على استمالة هؤلاء الرؤوساء.
اما ايدموندز فقد بين الفرق بين اللور واللك : يقول ان اللك أطول قامة ، ولهم ملامح صافية ، وانوف معقوفة، ونساؤهم أجمل من نساء اللور . كما ان شعر اللوري بني ( كستنائي ) وأغلب رجالهم لهم لحى كثة . وان الفرس يطلقون عليهم تسمية معدني ريش ( اي معدن اللحى ) ويبدو ان النساء ليست لهن تلك الحرية الموجودة لدى نساء الكورد. ويذهب ادموندز الى ان الكرد لم يعرفوا
رئاسة المراة للقبيلة ، ولكن ف . هامر V.Hamer يذكر انه في عام 1725 م اشتعلت الحرب بين ابنتي الوالي علي مردان خان.

أدب اللور
لدى اللور بصور عامة ، والبختيارية بصورة خاصة ، أدب شائع غني ،وحكايات خرافية ،وملاحم رائعة تحتفل بابطالهم امثال محمد تقي خان جارلنغ ، وحاجي ايلخاني هفت لنغ ، ولديهم أشعار غنائية ،وأغان تغنى في الاعراس ( وسيناك ) واغان تغنى للاطفال ( لاي لاي ) وهي أغان عادة ماتكون ظريفة ومفعمة بالرقة ، ومن شعراء اللور الذين ينظمون شعرهم بالاسلوب الادبي الرفيع حسين قلي خان هفت لنغ – قتل عام 1882م- ، نجمة مامساني ، دفتري ، فايد – كان مايزال على قيد الحياة عام 1902م- ، ايزدي توفي عام 1905 م ، وعلي اصغر نهاوندي .
ومن الجدير بالذكر ان ماذكره مينورسكي عن أدب اللور كان تعريفا بسيطا ولم يشمل نظرة واسعة على ادب اللور وثقافتهم.
__________________
* نشركتاب هنري ساغس بعنوان جبروت اشور الذي كان ، ترجمة د. آحو يوسف ،دار الينابيع،
دمشق 1995.
كما نشر مجددا ولكن بترجمة ثانية مختلفة قليلا ، باسم هاري ساغس وبعنوان عظمة آشور، ترجمة خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو ،الدار السورية الجديدة، دمشق 2002.

قد يعجبك ايضا