تأريخ بدايات ثورة گولان

 

٢٦/ ٥/ ١٩٧٦

الجزء الحادي عشر

تأليف: أسعد عدو

ترجمة: بلند داوود

تقديم: د. عبد الفتاح علي البوتاني

تحرير صحفي: سالم بخشي

 

 

 

بعد الانتكاسة

 كان الوضع يسوء باستمرار، وفي يوم (4/4/1975) كتبت رسالتين بعلم أحمد رموّ، الى البارزاني الخالد ورمضان عيسى (نائب عيسى سوار) ذكرت فيهما: أنا فلان ابن فلان، وأنا هنا من اجل المهمة الفلانية، ماهي أوامركم.

تم ارسال الرسالة مع أحد التجار السوريين، وفي يوم (12/4/1975) استلمت رسالة من الأخ مسعود بارزاني وكانت بخط يده، كتب فيها ((أصبروا وانتظروا هناك)) الحقيقة أن تلك الرسالة اسعدتنا، واطلعنا الجماهير السورية على فحوى الرسالة، وقلنا لهم بأن الثورة ما تزال مستمرة، وقريباً سيتم معالجة الوضع، وبذلك التفت الجماهير والأحزاب السورية حولنا، وغمرونا باحترامهم.

كما ارسلت رسالة ثانية باسم مستعار للأخ مسعود بارزاني، حيث جاء في جواب الرسالة: ((لا تأتوا الى إيران، واستمروا بنشاطاتكم وتنظيماتكم الحزبية باسم الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وسيلتحق بكم في غضون الأيام المقبلة كل من الرفيقين (عبد الرحمن صالح وسيد حميد) وللأسف الإثنين استشهدا فيما بعد.

 

من خلال الرسالة علمنا بأن جلال طالباني موجود في الشام، قررنا ان يقوم عبد الرحمن صالح بإيصالها اليه، مضى (14) يوم ولم يعد عبد الرحمن، ومن اجل ذلك، بعثنا سيد حميد لتتبع أثره وبعد سبعة ايام عاد سيد حميد وأخبرنا بان جلال وضع عبد الرحمن تحت الاقامة الجبرية فتحدث عبد الرحمن عن وضعنا الى جلال فأجابه جلال قائلا: ((انت كنت أحد عملاء جهاز المخابرات الاسرائيلية والحكومة السورية، لن تسمح لك البقاء داخل أراضيها)). كان عبد الرحمن شاباً ذكيا ونشيطاً فقال له: (ماذا تريد مني)؟ يجيبه جلال: (انت ذكي حاول ان تبقى هنا ولكن عليك ان تعمل معي لأننا قريباً سنؤسس حزباً وسنبدأ بالثورة).

 

وبالرغم من ان الرفيقين (بوصلّى ورمو) كانا اميين، الا انهما تمكنا من استقطاب عدد من الكتاب والمثقفين الكورد السوريين، ليكتبوا لهما البيانات والتقارير بأسم تنظيمات البارتي، ليتم توزيعها بين اهالي القرى الحدودية والرفاق في الحزب الديمقراطي الكوردستاني البارتي في سوريا.

ورأوا انه من الأفضل أن يتواصلوا من خلال الرفاق الأربعة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- العراق، مع (التجمع الوطني العراقي) ومن ثم الاتصال بأي شكل من الأشكال مع (التجمع)، ومطالبته ايصال بريدهم الى السيد اسعد خوشوي. لكن رفاقنا رفضوا الفكرة، لذلك قرر (التجمع) ان يلتقي محمد بوصلًي بشخص يدعى (ابو دارا) وكان الغاية من ذهابنا الى هناك، هو الحصول على خارطة الأنابيب وايصالنا لها.

وبعد ان احضروا الخارطة لنا، عدنا الى القامشلي لتنفيذ المهمة الأولى والثانية، وهناك اوصلونا الى بيت أحد الأخوة اسمه مصطفى هليلي (وهو ما يزال على قيد الحياة، اقصد في عام 1995) وفي هذه الأثناء بدأ يجهش بلبكاء يقول: (خُرِبِ بيتنا! لقد قتل عيسى سواره، وأن الثورة انهارت) لم أكن أصدق الخبر، وكان ذلك اليوم هو يوم نوروز، وفي المساء تحدث التلفزيون عن انهيار ثورتنا، حينها اقتنعت بصحة كلام مصطفى هليلي، ولهذا أوقفنا نشاطاتنا، وقلت لرفاقي الذين كانوا معي من أهالي سوريا: ((أذهبوا أنتم الى بيوتكم، كي لا تواجهون مشاكل مع الحكومة السورية)) حيث قام النظام في دمشق بملاحقة واعتقال كل من يتحدث عن القضية الكوردية.

في اليوم التالي عاد (محمد بوصلّى وأحمد رموّ) الى قرية (عين ديوار) لكي يخفيا أسلحتهم، ومن ثم يعودان الى مدينة (القامشلي) وهناك قام الكورد السوريين الأوفياء بإخفائهم في بيت (محمد حاجي خلف) من دون أن يعلم بهما أحد، وبعد ثلاثة أيام أجتمع الرفاق الأربعة في بيت محمد حاجي خلف بمدينة القامشلي، وهم كل من (محمد بوصلّي وأحمد رموّ، عبد الرحمن صالح ، سيد حميد) وقد كان سيد حميد قبل ذلك يعمل في جمارك (ديّره بوّن) وكانت لع علاقات ودية مع الموظفين ومع اهالي المنطقة، وكذلك الأخ عبد الرحمن صالح أيضاً، ولذلك كانا يستطيعان أن يتجولا داخل سوريا، لكن (محمد بوصلّى وأحمد رموّ) كانا محظورين من جانب الحكومة السورية.

 

الاتصال مع جلال الطالباني

وبهذا الصدد يقول بوصلّي: أرسلت رسالة أخرى الى الأخ مسعود بارزاني، تحدثت فيها عن أوضاعنا، فأرسل لنا رسالتين مع (400) دينار عراقي. ورداً على رسالتي كتب لي ما يلي: ((تحياتي وسلامي لكم، استمروا في عملكم، وهذا المبلغ للرفيق الذي يقوم بإيصال الرسالة إلى جلال طالباني في الشام، وإن كان وضعكم سيئاً سلموا أنفسكم عن طريق جلال طالباني للحكومة السورية)).

 

من خلال الرسالة علمنا بأن جلال طالباني موجود في الشام، قررنا ان يقوم عبد الرحمن صالح بإيصالها اليه، مضى (14) يوم ولم يعد عبد الرحمن، ومن اجل ذلكن، بعثنا سيد حميد لتتبع أثره وبعد سبعة ايام عاد سيد حميد وأخبرنا بان جلال وضع عبد الرحمن تحت الاقامة الجبرية فتحدث عبد الرحمن عن وضعنا الى جلال فأجابه جلال قائلا: ((انت كنت أحد عملاء جهاز المخابرات الاسرائيلية والحكومة السورية، لن تسمح لك البقاء داخل أراضيها)). كان عبد الرحمن شاباً ذكيا ًونشيطاً فقال له: ((ماذا تريد مني))؟ يجيبه جلال: ((انت ذكي حاول ان تبقى هنا ولكن عليك ان تعمل معي لأننا قريباً سنؤسس حزباً وسنبدأ بالثورة)).

لم يمض وقتاً طويلاً جاءتنا لجنة متشكلة وفيها كل من (عبد الرزاق فيلي، فرهاد شاكلي)، ومن جانب التجمع الوطني (محمد يحيى سنجاري، وقاسم عزيز) فجلسنا معاً وأخبرونا بأن وصلتهم رسالة من السيد مسعود بارزاني الى جلال الطالباني ولابد من العمل معاً ونقوم بتشكيل لجنة حزبية مشتركة!

قلت حسناً، لأنني كنت على علم بوصول رسالة الاخ مسعود بارزاني وهكذا كلفوني بمسؤولية اللجنة من القامشلي الى القرى الحدودية مع العراق والجزيرة ولهذا بدأت بالاتصال مع مجموعة اشخاص في سوريا ومع اللاجئين الكورد في ايران ونظمت قائمة بأسماء الأشخاص والتحق بنا اناس كثيرون وفي شهر آيار عام (1975) وصلنا ذات يوم بريداً وجدت بينه بياناً بهذا العنوان (الاتحاد الوطني) فجننت انا بهذا الخبر!

الإعلان

احرقت البريد على الفور وتحركت بين الناس لأشرح لهم مؤامرة جلال وقلت لهم: من يرغب العمل معي فإنني من الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي يرأسه مصطفى البارزاني ونحن براء من جلال طالباني ولا علاقة لنا مع هذا الحزب الجديد وكتبت على الفور رسالة الى الاخ مسعود بارزاني وتحدثت فيها عن ما حدث وارسلت لهم نسختين من البيان، اجاب السيد بارزاني قائلا: ((اضبطوا انفسكم كي لا يؤذونكم في القريب العاجل سنشكل قيادة جديدة)).

لم يمض وقتاً طويلاً، حتى جاءنا رجل اسمه ملا محمد نيو (الذي كان سكرتيراً للحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا)، وكانت قيادة الثورة قد وضعته تحت الإقامة الجبرية، جاء إلينا في (أرمشتي)، في كانون الأول 1975، من أجل لقاء البارزاني، وذلك لوجود مشاكل بين قيادة البارتي في سوريا.

عندما عاد الملا نيو عبر إيران طلب منه أسعد خوشوي، ان يهتم برفاقنا في سوريا، ولم يكن جلال طالباني يعلم بانفصالنا، وعندما وصل (نيو) الى الشام أخبر جلال بكل ما حصل لنا، عاد محمد نيو إلينا أبدى احترامه الشديد لنا، وقال بأنه سيرسل لنا كل ما نحتاجه، ولكننا لم نكن نعلم بأنه كان قد زار جلال في الشام، فاجتمعت أنا والرفاق وجهزنا بريدنا وأرسلناه بيد (صادق دفندق) وكان بريدنا هذه المرة بشأن الحكومة السورية، والجلاليين والأحزاب السورية، وأهالي سوريا وتنظيماتنا، مع أن البريد وصل وجاءنا الرد أيضاً، ولكنهم كانوا على علم تام بكل ما جرى لنا، ولذلك قامت المخابرات ذات يوم بتطويقنا في القرى الحدودية، ونادوني باسمي الصريح، وقالوا : أنت تقوم بنقل المجرم (يونس محمد رشو) إلى الطرف الأخر عبر الحدود، فقلت لهم أنا لست ذلك الشخص الذي يفعل ذلك، ثم أننا تابعون لـ (التجمع الوطني العراقي) وهذا أسمه (خالد) وبعد ذلك ذهبوا ونحن أيضاً ذهبنا إلى ديريك.

وقبل ان يصل الأخ خالد ورفاقه إلى ديريك، كانت تنتظرهم (7) سيارات مسلحة في التقاطع، عندئذ قاموا بتغيير مسيرهم، وفي الصباح دخلوا المدينة، وأمام باب أحد المحلات جاء رجل (المخابرات) وأخذهم معه الى (فرع المخابرات) وهناك طلب أبو عارف مسؤول (الفرع) من بوصلّي أن يعطيه قائمة بأسماء رفاقه في التنظيم اجابه البوصلّي : ((نحن عراقيون، لم ولن نلحق بكم أي ضرر وما تطلبه منا هو شان خاص بنا، ولهذا لا أستطيع أن اسلمك قائمة بأسماء رفاقنا)) ومع أن أبو عارف كان رجلاً عنيفاً وقاسياً الا أنه احترم موقف البوصلي.

قال الرفيق بوصلّي: ((عندما خرجنا من الفرع واتجهنا نحو مقرنا في قرية (بستا سوس) ومع وصولنا شاهدنا سليمان حاج عبدي الذي كان قد تحدث عنا بالسوء، جاء إلينا وقال: تفضلوا لنذهب إلى بيتنا، وبعد الكثير من الأخذ والرد ذهبت معه إلى بيته بعلم احمد رموّ، فوجئت عندما رأيت صادق (دفندق ) جالساً هناك، حاملاً معه جواب رسالة الأخ مسعود بارزاني لي مع (500) ليرة سورية، فصرت أعض لساني! وقلت ها قد علمنا بأن سليمان هو رجل (التجمع) ولكن أنت يا صادق لماذا تلفق بحقه الاتهامات؟ نحن أيضاً كورد مثلكم، وأصبحنا بسبب الكردايتي غرباء هنا))!

 

استمر الرفاق بعملهم التنظيمي بسرية تامة، الى ان اتصل بهم ذات يوم الاخ مسعود بارزاني هاتفياً وأخبرهم بان يقدموا رسمياً مذكرة الى الحكومة السورية، لإيضاح الأمور ويقول بوصلّي بهذا الشأن: جلسنا مع المثقفين الكرد السوريين وكتبنا مذكرة وختمتها في الاسفل ولكن بتقديري تلك المذكرة لم تصل الى اصحاب القرار، لأن الجلاليين كان لهم نفوذ في مؤسسات الحكومة السورية، كما كانت لهم مقرات عسكرية علنية بينما كنا نحن محظورين هناك.

 

خرجت من بيت سليمان واتجهت نحو القامشلي، وهناك تحدثت بما حصل لي ولأحمد رموّ، وبعد ثلاثة أيام جاءت لجنة مكونة من (عبد الرزاق فيلي، فرهاد شاكلي) إلى فندق سميرأميس، بعثنا لهم شخصاً، في البداية قالا كلاماً سيئاً بحق اسرة البارزاني، وتحدث عن تحركاتنا، فقاطعته وقلت: حتى يوم امس، كنت تعمل مع استخبارات تلك الأسرة، وكنت في حاج عمران تعيش في خيمة، لماذا كنت تتجسس لهم، واليوم تتحدث عنهم بسوء، وعندما رأى بان كلامي قاسي غير لحن كلامه وقال: أنت رجل ذكي، فإن توافق العمل معنا فإننا سنلبي لك كل ما تريد، قلت : اخي فليذهب كل منا بطريقه، وداعاً.

الاتصال مع الحكومة السورية

في هذه الأثناء، أعلمنا الأخ مسعود أن نحاول اللقاء رسمياً بمسؤولي الحكومة السورية، ولهذا استطعنا أنا وسيد حميد أن نلتقي بـ (العميد دحام) فتحدثنا إليه عن أنفسنا وتنظيماتنا، وقدمنا له طلبنا كي نعمل بحرية داخل الأراضي السورية، لأننا لا نلحق بهم أي ضرر، ونظرة كلا الطرفين للنظام متطابقة.

في البداية سألنا (دحام) عن اللواء العسكري السوري الذي جاء الى كوردستان عام (1963) لمحاربة الثورة الكوردية (اقصد لواء يرموك الذي كان قائده (فهد الشاعر الدرزي) والذي جاء لمساعدة النظام العراقي) وتحدثنا له عن كل ما نعرفه من دون خوف فقال: يجب ان يذهب سيد حميد الى إيران وان يبلغ السيد ادريس البارزاني او سامي عبد الرحمن بان الحكومة السورية سوف تستقبلكم ان اردتم ان تأتوا الى سوريا!  مع اننا خلقنا بعض الحجج والذرائع ولكن من دون جدوى وبالنتيجة سهلوا لنا الطريق وارسلنا سيد حميد ولكن الاخ مسعود بارزاني كان قد سافر الى امريكا لغرض معالجة البارزاني ولهذا لم يأتنا اي جواب، عدنا الى (دحام) واخبرناه بان ابو صلاح (وهو أحد مسؤولي التجمع الوطني العراقي) جاء الينا ولم يتردد في سبنا وتهديدنا وغادر الغرفة فقال لنا دحام بانه هو ايضاً ضيف مثلكم ولا يجب ان تشعروا بالإهانة واستمروا أنتم بعملكم.

 

 

بعد تلك المناقشة حاول بوصلّى وسيد حميد زيارة (التجمع) لتجنب المزيد من المشاكل بينهم ولكن (ابو ميدان) هو الآخر بدأ يهددهم ايضاً كما فعل (ابو صلاح) فحاول شقيقه (سمير) ان يتدخل بينهما لتفريقهما ولكن من دون جدوى فيخرجون من عند التجمع أكثر احتقاناً وغضباً وفي تلك الفترة يلتحق عبد الرحمن صالح بالجلاليين وذلك بعد تلك المشاجرات بين رفاق (البارتي) و(التجمع).

استمر الرفاق بعملهم التنظيمي بسرية تامة، الى ان اتصل بهم ذات يوم الاخ مسعود بارزاني هاتفياً وأخبرهم بان يقدموا رسمياً مذكرة الى الحكومة السورية، لإيضاح الأمور ويقول بوصلّي بهذا الشأن: جلسنا مع المثقفين الكرد السوريين وكتبنا مذكرة وختمتها في الاسفل ولكن بتقديري تلك المذكرة لم تصل الى اصحاب القرار، لأن الجلاليين كان لهم نفوذ في مؤسسات الحكومة السورية، كما كانت لهم مقرات عسكرية علنية بينما كنا نحن محظورين هناك.

ذات يوم جاءنا ممثل عن حزب يساري سوري اسمه (عزيز) وقال: لماذا لا تجلسون مع الجلاليين لكي تحلوا خلافاتكم، قمنا مع الاخ عزيز بزيارة مقر الجلاليين وكان هناك كل من (كريم فيلي وفرهاد شاكلي وابراهيم عزو وحميد حسن وعبد الرحمن صالح) فقلت لكريم فيلي أنتم حزب ونحن كذلك حزب، ومن المعيب ان تتحدثوا عنا بالسوء لدى المخابرات وتشيعون باننا عملاء اسرائيل ونتجسس لصالحها! قال: لا اساس لمثل هذا الكلام!

قلت: هذا ما نقله لي (بابا شيخ وبؤزى) وبحضور الاخ عزيز، قال كريم الفيلي اشهد بالله ان حقيقة المشكلة هو اننا رجال وبيشمركه كورد وبعد تلك المناقشة ظل عزيز يساندنا ويحترمنا كلما التقيناه.

 

قد يعجبك ايضا