تحقيق: دخول حزب الله حرب سوريا سهل اختراقه من قبل الموساد الإسرائيلي

 

 

التآخي ـ وكالات

يتفق معظم الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين في لبنان على أن حزب الله دفع ثمنا باهظا لمشاركته في الحرب الأهلية في سوريا منذ 2012 التي سهلت عملية اختراقه من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بحسب قولهم.

 هذه التخمينات اشارت اليها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية التي كشفت سبل نجاح الموساد الإسرائيلي في جمع كم هائل من المعلومات عن مقاتلي وقيادات الحزب في هذه الحرب أدت في الأخير إلى تصفية أهم قياداته أولهم زعيمه حسن نصر الله.

وتطرق تحقيق صحيفة فايننشال تايمز بالتفاصيل إلى تسبب مشاركة حزب الله الواسعة في الحرب الأهلية السورية “نصرة” لنظام الرئيس بشار الأسد في تسهيل عملية اختراقه من قبل شتى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بحسب الصحيفة.

ومنذ تفجير أجهزة “البيجر” و”التولكي ولكي” التي يستعملها مقاتلو الحزب في 17 و18 أيلول، تمكن الجيش الإسرائيلي في غضون أسبوعين فقط من اغتيال كامل الصف الأول لقيادات الحزب السياسية والعسكرية وعلى رأسهم زعيمه حسن نصر الله.

 هذه الاغتيالات والغارات الجوية، التي تقول تل أبيب إنها نجحت بوساطتها من تدمير نصف الترسانة العسكرية لحزب الله، أثارت كثير من التساؤلات بشأن الطريقة التي تمكن بها جهاز الموساد من اختراق الجماعة المدعومة من إيران.

وعلى فق الصحيفة البريطانية، وفّر توسع أنشطة حزب الله إلى سوريا “فرصة ذهبية ومنجم معلومات” لجهاز الموساد الإسرائيلي للحصول على “جدول استخباراتي” يفصل طريقة تنظيم وعمل الحزب من الداخل.

وتولت الوحدة 8200 في المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد حرب تموز 2006 تجميع كمية ضخمة من المعلومات عن طريقة عمل الحزب وانتشار مقاتليه وقياداته. ومن بين البيانات التي نجحت في الحصول عليها على سبيل المثال هي “قائمة شهداء الحزب في سوريا”.

 

 

وتنقل الصحيفة عن الكولونيل مير إيزين، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية، قوله إن “المخابرات الإسرائيلية وسعت عملية مراقبة كافة أنشطة حزب الله وراقبت طموحاته السياسية وعلاقته بالحرس الثوري الإيراني والعلاقة التي تربط نصر الله بالأسد”.

ويضيف الكولونيل الإسرائيلي “المخابرات الإسرائيلية كانت تنظر إلى حزب الله على أنه “جيش إرهابي أكثر منه منظمة إرهابية، وهذه النظرة جعلت إسرائيل توسع مراقبتها للحزب”، على حد قوله.

وكشف مسؤولون إسرائيليون أن الدولة العبرية غيرت كليا طريقة جمع المعلومات عن حزب الله بعد الفشل الذريع في حرب تموز 2006.

والشبّاك الذي دخلت منه إسرائيل إلى “البيت الداخلي” لحزب الله فُتح في سنة 2012 عندما هبّ مقاتلون وقيادات عسكرية في حزب الله لنجدة نظام بشار الأسد مع اشتداد الحرب الأهلية في سوريا اذ اضطرت قيادات عسكرية رفيعة فيه إلى الخروج من الظل.

وتقول رندا سليم مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن إن حرب سوريا كانت بمنزلة بداية “توسع” لحزب الله وتضيف “هذا التوسع أضعف آليات المراقبة داخل الحزب وفتح الباب على مصراعيه لاختراقه”، بحسب قولها.

من جهته، يقول يزيد صايغ من معهد كارنيغي للشرق الأوسط “تحول الحزب من جماعة شديدة الحذر تضم أكثر العناصر ولاء وطهورية إلى مجموعة كبيرة تضم أفرادا أكثر مما ينبغي”.

وتوجه الآلاف من مقاتلي الحزب والعشرات من قياداته العسكرية لسوريا طيلة سنوات وساعدوا الأسد على البقاء في الحكم. وقُتل أكثر من 1000 مقاتل في الحزب في هذه الحرب بين 2012 و2017، وفق مقال استقصائي لمجلة نيوزويك الأمريكية.

وفضلا عن تكبده خسائر بشرية ثقيلة، تمكنت إسرائيل من مراقبة حزب الله بعيدا عن قواعده في لبنان ونجحت مخابراتها في معرفة مهام ومسؤوليات معظم قيادات الحزب الشيعي، بحسب صايغ.

وتؤكد صحيفة فايننشال تايمز على أن الحزب تبادل المعلومات مع المخابرات السورية والروسية التي كانت الولايات المتحدة تتابعها عن قرب وتعرف تحركاتها، بحسب قولها.

ويقول مسؤول لبناني للصحيفة “اختراق المخابرات الإسرائيلية والأمريكية لصفوفه كان الثمن الذي دفعه حزب الله لمشاركته في النزاع السوري، لقد اضطر الحزب إلى كشف أوراقه هناك”.

لتنفيذ مهمة الاختراق، أكدت الصحيفة أن الترسانة التكنولوجية المتطورة التي تملكها إسرائيل اسهمت في الحصول على قاعدة بيانات ضخمة لا تقدر بثمن.

وذكرت الصحيفة أن إسرائيل استعملت أقمارا اصطناعية تجسسية وطائرات مسيرة متطورة وبرمجيات التجسس السيبراني لاختراق الهواتف النقالة.

وتشير الصحيفة إلى الوحدة 9900 في المخابرات الإسرائيلية -التي تتمثل مهمتها في جمع المعلومات المخابراتية البصرية – استعملت خوارزميات معقدة لتحديد أي عملية نقل لشحنة متفجرة على جانب طريق ما، أو حفر فتحة تهوية فوق نفق أو وضع الإسمنت المقوى فوق مخبأ تحت الأرض”.

وتقول مصادر إسرائيلية للفايننشال تايمز، أنه “بعد التعرف على مقاتل أو قيادي في حزب الله، يجري وضع كل المعلومات عن تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة. ويمكن الحصول على هذه المعلومات من أجهزة إلكترونية مثل هاتف زوجته وعداد الكيلومترات في سيارته المتطورة ومكان تواجدها. ويمكن الحصول على هذه المعلومات بطرق مختلفة مثل طائرة مسيرة تحلق فوق رأسه، أو كاميرات المراقبة في شتى المحال التجارية وشوارع لبنان التي جرى اختراقها، أو حتى عبر جهاز تحكم في تلفزيون ذكي”.

 

وشملت عملية المراقبة أيضا المنشورات الدعائية للحزب على وسائل التواصل الاجتماعي لتتبع المدن التي ينحدر منها كل عنصر وقائمة أصدقائه والأماكن التي قُتل فيها المنتمون للحزب ما مكن محللي الاستخبارات الإسرائيلية من جمع مؤشرات مفتاحية عن خريطة انتشار مقاتليه، بحسب المصادر الإسرائيلية.

وتشير الصحيفة إلى أن أي تغيير في تحركات أفراد الحزب كان بمنزلة إنذار للمخابرات الإسرائيلية.

كل هذه البيانات قادت في النهاية إلى مراقبة لصيقة لتحركات حسن نصر الله. وكشفت الصحيفة أنه توفرت فرصة سانحة لإسرائيل لاغتيال نصر الله منذ بداية الحرب و”أقلعت المقاتلات الإسرائيلية لتنفيذ المهمة لكنها عادت إلى قواعدها بعد أن طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التريث”.

 

وفي 27 أيلول، تمكن الموساد الاسرائيلي من تحديد موقع نصر الله اذ كان من المقرر أن يعقد اجتماعا مع قيادي بارز في الحرس الثوري الإيراني (عباس نيلفروشان الذي قتل معه) في مخبأ تحت بناية في ضاحية بيروت الجنوبية وألقت مقاتلاتها أكثر من 80 قنبلة للتأكد من عدم تواجد أي أمل لنجاته. وكان نتانياهو يعلم قبل خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن مقاتلاته في طريقها لاغتيال نصر الله.

ويخلص مسؤول عسكري اسرائيلي سابق في حديث لصحيفة فايننشال تايمز، إلى أن “إسرائيل تملك كما هائلا من المعلومات الاستخباراتية تنتظر القرار لتوظيفها، كان بإمكاننا استغلال هذه المعلومات قبل وقت طويل من هذه الحرب، لكننا لم نفعل”.

قد يعجبك ايضا