اللوحة السياسية لجمهورية تركيا في ضوء نتائج الانتخابات الإدارة المحلية

د. توفيق رفيق التونچي 

 هناك مقولة تردد دائما في تركيا مفادها ان من يفوز رئاسة بلدية استانبول سيقود البلاد في المستقبل.

 لا ريب العقدين ونيف من السنين التي حكم فيها السيد رجب طيب اردوغان وحزبه البلاد كان بنفسه رئيسا لبلدية استانبول يوما ما. رغم ان النتائج النهاية لم تعلن لكن النتائج الأولية اثبت بمشاركة حوالي ٨٠ بالمائة من الناخبين في هذه الانتخابات التي تاتي في ظروف دولية صعبة وحالة اقتصادية متذبذبة في البلاد اثر جانحة كرونا احتلال الروس شبه جزيرة القرم و حرب اوكرانيا والوضع الاقتصادي العام في العالم. 

قائمة (اتفاق الجمهور) التي شاركً فيه حزب العدالة والتنمية (آك) الذي يقوده رئيس البلاد متفقا مع حزب الحركة القومي ذو الاتجاهات القومية الفاشية خسر الانتخابات الادارة المحلية ( البلدية) في معظم المدن الكبيرة في البلاد كما هي العاصمة انقرة، استانبول ومدينة ازمير ومدن اخرى. وخسرت العديد من المدن التي كانت ضمن ادارتها ومن مؤيدي الحزب الحاكم حتى في الانتخابات السابقة.

 الخارطة السياسية الجديدة التي افرزتها الانتخابات توضح التقسيم الفكري الثلاثي للشعب حيث اليسار يؤيده الكورد واليمين مع القوميين  بقيادة حزب التنمية يؤيده الفكر الإسلامي بين ابناء الشعب من الترك والكورد وحتى العرب خاصة في المناطق والمدن والقصبات الحدودية مع سوريا والمدن القريبة كما في مدينة أنطاكية (لواء اسكندرون) ذو النسيج السكاني العربي و مدن وسط البلاد. لكن الخط اليساري بهمين المدن الكبيرة وربما لان مستوى التعليم العالي في هذه المدن وابتعادها عن الخط الديني واليميني المحافظ. نرى كذلك وجود العنصر النسوي ضمن المرشحين من اليسار وجاءت نتيجة الانتخابات بفوز ١١ سيدة برئاسة بلديات مدنهم ومن جميع الاحزاب. لا ريب ان القوى القومية والعنصرية متمثلة بحزب الحركة القومي لا يزال يحتفظ قوته في بعض المناطق وغير موثر ونرى فوز مرشحهم في مدينة طوقات الشمالية لكن حزب السيدة مرال اكشنار القومي (ايي بارتي)  قد خسرت ما وعدت به ناخبيها ويعتقد المحللون انها ربما ستقدم استقالتها ولكنها دعت في مؤتمر صحفي بعد الانتخابات الى مؤتمر استثنائي للحزب.

  هذه الخريطة الجديدة ستواجه صعوبات كبيرة في ادارة البلاد وربما سوف يطالب حزب الشعب الجمهوري الفائز في ضوء هذه النتائج اجراء انتخابات مبكرة حال ظهور مشكلة في المستقبل. لكن كل ذلك يتوقف على حل الأمور والمشاكل الداخلية التي يعاني منها الحزب والخروج بحزب قوي أمام الناخب وموحد الخريطة تبين كذلك بوضوح توجهات المدن التي اكثرية سكانها من الكورد رغم ان اصوات الكورد منقسمة في عموم مدن البلاد وخاصة في المدن الثلاث الكبيرة فهمً صوتوا لليسار ولكن في قرى الأناضول لا يزال تذهب الاصوات عادة  الى حزب اردوغان لهيمنة الفكر الديني فوز اليسار بعد سنوات طويلة ادى إلى تغير جذري للوحة السياسية للبلاد وتؤثر لاحقا على الانتخابات النيابية في المستقبل نتائج الانتخابات من الغير متوقع ان يوثر على الحالة الاقتصادية للبلاد بصورة عامة ان الاستقرار السياسي والاقتصادي لتركيا توثر على مجمل دول الشرق الأوسط وخاصة العراق لوجود علاقات تاريخيّة و دينية بين الدولتين من ناحية ومن ناحية أخرى وجود اكثرية من الشعب الكوردي في كوردستان تركيا. 

بالمقارنة مع انتخابات البلدية الأخيرة التي جرت عام ٢٠١٩ نرى تغير في التركيبة السياسية في بعض المدن في عموم تركيا وربما هناك تاثير لشخصية أ للمرشحين في تلك المدن على أصوات الناخبين. يبقى ان نعلم بان صراع تركيا للوصول إلى نظام الديمقراطي عادل مستمر وسيبقى على هذا الخط الحضاري. الهرم السكاني المتغير في البلاد من ناحية سن الناخبين ونمو السكاني خاصة في مدن كوردستان ومستوى التعليم وأثر السياسة العالمية من الأمور الأساسية التي سيعين تغير الخريطة السياسية للبلاد• 
يبقى ان نعلم ان جميع القوى السياسية عليها ان تقيم نتائج الانتخابات والخروج بدروس وعبر وعدم تكرار الأخطاء وتغير الاستراتيجيات والبرامج للحصول على ثقة الناخب في المستقبل وتامين السلم المجتمعي والمشاركة في السلام العالمي.
2024

قد يعجبك ايضا