*فاضل ميراني
هذه التسمية، وهذا المضمون، عماد اساس وعريق في تاريخنا و حضرنا والمستقبل.
البيشمرگة (كما تكتب بالعربية) و تترجم هي اقل من معناها الحقيقي والفعلي، فمواجهو الموت و بالثقة و العقيدة الواسخة و الاختيار، لا يمكن ان تمر عليهم اللغات مر التعريف المقتضب او المنحسر عن حقيقة وضاءة لهذه الفئة من ابناء شعبنا من المقاتلين الذين استودع التاريخ فيهم نقي صحائفه.
هم من حيث البداية اقدم حضورا و تأثيرا من كيانات سياسية حاكمة خلال القرن العشرين.
اغلبهم من الرجال، وقليل منهم من النساء، واغلبهن اضطلعن و لا زلن في اعمال الدعم لما يحتاجه اخوتهم في النضال من مؤنة و اغاثة و مهام تتوزع بين التعليم و التطبيب.
واحدهم يرتدي الزي القومي الكردي و يتمنطق سلاحا آليا، ويضع حياته ثمنا لحرية شعبه العادلة، في ملحمة ايثار فردي و جماعي لا نظير له، واضرحتهم تمتد على امتداد خطوط تاريخ النضال و تزدحم فيه و على جُنبه.
لو ان القارئ غير الكردي، اي قارئ كان، طالع صورا للملا مصطفى البارزاني، من الارشيف الاليكتروني المتاح على الشبكة العنكبوتية، سيرى حوله ثلة من البيشمركة الاقدمين، وكل ملامحهم و ثيابهم و عدتهم القتالية ومواقع تواجدهم تحكي فصلا من التاريخ طالما تجنى عليه الاعداء وواجهوه بعنف و وحشية، فقد قصفتهم الطائرات، و رمتهم المدفعية، و استهدفتهم اسلحة الاغتيال، و شن عليهم الاعلام الموجه المضاد حملات تضليل و تشويه، لكن ذلك لم يمنع و لم يزلل او يشوش على العقل المختار للبيشمركة فردا و جماعة ، او ينل من عزمهم على ادامة العمل، وعملهم هو معجزة اذا قورن بباقي الاعمال، و الا بم يصف الانسان رجالا يواجهون انظمة حكم مسلحة بكل شيء الا من شرعية و قيم، فتلك الانظمة لم تكن بالحقيقة الا عصابات بدرجة دولة، تمارس القتل بقوانين تحمي بها نفسها و تشرعن من خلالها جرائمها.
لم تعمل البيشمركة بدء او بالمحصلة لأهداف فئوية، فهي في كرستان العراق، كانت تقاتل لأجل كل العراقيين، وثورة ايلول بقيادة مصطفى البارزاني، دليل لا يمكن لمؤرخ منصف ان يسقط عنها التوجه الوطني الذي اداه البارزاني وبيشمركته لتدارك المسار الحاكم الذي ابى الاستماع للنصيحة فكان ما كان بعد ذلك في شباط 1963و بعدها وصولا لحرب 2003.
وقوع ظلم
لئن كان ثمة من يصح ان يقال انه ظُلِم فهم البيشمركة، فقد وقع عليهم ظلم من الذين يفترض انهم شهود على الامان و مسك الارض من رفاق كانوا معنا في المعارضة، الذين لهم اثار اقدام في مسيرتنا و الذين تقاسمنا معهم الخبز و الرصاص و استغرقوا معنا عمرا من العمل الدؤوب لا لتغيير النظام بل لعدم تمكين عقلية النظام من ان تبقى و تتحور و تعدي آخرين ان ما وصلوا للسلطة، فلا يعاودون التهديد و لا تنتابهم نوبات العنصرية و لا يلبسون الامور بحق يراد منه الباطل فيقصون الشركاء و يحنون لمركزية لم يجني منها العراق غير( الويل و الثبور و عظائم الامور)، وان لا يرهنوا حقوق هذه الفئة فيصنعوا من حقوقها ورقة مساومة.
ليس البيشمركة جنودا مجهولين، لكن جرى تجاهلهم من قِبل من لا يريد ان يتعب عينه قليلا في الدستور، و يتعب ذاكرته ان كان مناضلا في الداخل فيذكر كيف انه تحامى بهم بلا جزاء و لا شكور، او ان يتعب لسانه قليلا بالسؤال ( ان لم يكن مناضلا) ليسمع من غيره من هم البيشمركة.
مصطفى البارزاني كان بيشمركة، ادريس البارزاني كان بيشمركة، الرئيس مسعود البارزاني لا يقدم نفسه الا بصفته بيشمركة، هذه الاسماء الثلاث، لم تقدم عمرها و تضحي و تخاطر بحياتها و مصير عوائلها، و تقدم شهداء وجرحى و معتقلين و منفيين و مؤنفلين، من اجل طموح شخصي، او برد فعل مفرغ، ولم تناضل مجبرة، و لا نازلت فئة ضعيفة، بل اختارت طريقها وصارعت دولا بعز قوتها لتثبت ان العقيدة السليمة و الاصرار على ادامة النضال يكسران بسلاح بسيط سلاحا عظيما لدى العدو، سلاحا ناريا او رصيدا ضخما او قانونا نافذا او دعاية اعلام.
البيشمركة الذين وصفوهم بالعصاة هم عصاة على كل شيطان سلطة يريدنا ان نكون قطيعا له، و الذين وصفوهم بالمتمردين، متمردون على شريعة الغاب، و الذين وصفوهم بالجيب العميل، فليس من جيب عميل الا هم الذين كانوا يرشون الرأي الاجير و اللوبيات عسى ان ترضى عنهم.
البيشمركة جيلا عن جيل، هم نفسهم، العقل و الذراع و الملامح و اللغة والهمة، مهدوا الارض وتسلسل الاحداث ليجيء نظام يُفترض انه افضل من سابقيه، وهم نفسهم الفئة المؤثرة لمصالح شعبها و شعوب العراق على اي مصلحة اخرى.
لئن قابل القارىء غير الكردي بكردستان و في خارجها كرديا او كردستانيا، شيخا او كهلا او شابا، و احس منه وهجا و اريحية و اعتزاز بقوميته، فليعلم ان الذي امامه من البيشمركة.
*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني