انوار عبدالكاظم الربيعي
تقول العرب في الرجل الذي يرد على خصومه ردًا، فيقلقل أوصالهم ويُفقِدُهُم القدرة على بلوغ مأربهم: “لقد ألقمهم الحجر، وقذفهم بحجرهم، ورماهم بثالثة ” الأثافي” (حجر يوضع عليه القدر) ” وغيرها من المعاني التي تعكس من الدلالات ما يدل على فهم الرجل لما قصدَه المتكلِم مع حضور البديهة للرد عليهم وإسكاتهم أو إحراجهم وفق ما يقتضيه الموقف.
“ليس هناك أمة عرفت بفصاحة اللسان و براعة البيان كأمة العرب،تمتلك من حضور الذهن وجودة الخاطر وسرعة البديهة .
فمكنتهم من ذلك هذه اللغة الواسعة و ثبتتهم هذه الآلة العجيبة وما حوته من كثير المفردات وعظيم التركيبات، ورائع الأساليب، فضلا عما أفاء الله تعالى على العرب من سعة في التفكير ودقة في التعبير.”
يروى أن أعرابيا طلب الدخول على الحجاج بن يوسف، فأذن له فدخل والعصا في يده فأستاء الحجاج منه حتى ظهر الغضب في وجهه وقال له مستنكرا: ما هذه العصا التي بيدك ففهم الأعرابي قصد الحجاج فقال على البديهة: و كيف لا احملها.. هي عصاي، أركّزها لصلاتي، وأُعِدها لعِداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوّي بها سفري، وأعتمد عليها في مِشيتي ليتسع بها خَطْوِي..وأثِبُ بها على النهر، وآمن بها من العَثْر، وأُلْقِي عليها كسائي فيقيني الحر، ويجنّبني القُرّ، وتُدْنِي إليّ ما بَعُدَ عني، وهي مَحْمَل سَفْرتي، وعِلاقة إداوَتي، أقرع بها الأبواب، وألقى بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، وعن السيف عند منازلة الأقران، ورِثْتها عن أبي، وسأوَرِّثها ولدي من بعدي، وأهُشّ بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، فأعجب به الحجاج وأكرمه.