التآخي ـ وكالات
تعزز روسيا علاقاتها مع حركة طالبان؛ إذ يشارك وفد من حكومة طالبان في المنتدى الاقتصادي في سان بطرسبرغ. وتسعى أجنحة في النظام السياسي في موسكو لشطب الحركة من قائمة الإرهاب. فما خلفيات وأسرار هذا التقارب بين الحركة وموسكو؟
وأحدثت المشاركة الأولى لوفد من حكومة طالبان في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي في عام 2022 ضجة كبيرة داخل روسيا وخارجها. وبعد عامين، فيما شارك ممثلو طالبان مرة أخرى في الفعالية التي عقدت من 5 إلى 8 حزيران 2024 في روسيا.
ومؤخراً تقدمت وزارتا العدل والخارجية الروسية بمقترح الرئيس الروسي لإزالة حركة طالبان من قائمة المنظمات المحظورة. ولم يعلق فلاديمير بوتين بشكل مباشر على المقترح، لكنه قال إنه من الضروري “بناء علاقات” مع طالبان ومع “الحكومة الحالية” في أفغانستان.
ما هي دلالة هذين الحدثين؟
يقول هانز-ياكوب شندلر من “المركز الدولي لمكافحة الإرهاب” (ICCT) ومقره في لاهاي إنه لا يعرف آليات صنع القرار في وزارة الخارجية الروسية، بيد أنه يفترض أن روسيا تتوقع “شيئاً ما في المقابل” عند شطب طالبان من قائمة الإرهاب. ولكنه يستدرك: “قد ينتج عن ذلك مشاكل في المستقبل؛ إذ أن التزام طالبان بوفاء الوعود أمر ليس بالسهل”.
ويرى الخبير الألماني في شؤون أفغانستان توماس روتيغ أن مبادرة الكرملين تجاه طالبان تسير بخطى صغيرة للغاية، ولكنها ستنتهي بالاعتراف الرسمي بطالبان”. ويعتقد أن ذلك التكتيك ينال إعجاب طالبان بكل تأكيد.
ويعتقد خبراء أن الخطوة التالية بعد شطب الحركة من قائمة الإرهاب قد تكون الاعتراف بحركة طالبان كحكومة شرعية في أفغانستان.
ورصدت اتصالات غير رسمية بين روسيا وطالبان منذ عام 2015. ويحوم الشك في أن روسيا زودت طالبان بالأسلحة. ودشن الجانبان العلاقات الدبلوماسية الرسمية في آذار 2022، وقبل ستة أشهر، في آب 2021، استولى مقاتلو طالبان من دون مقاومة تذكر على السلطة بعد الانسحاب الغربي وترك الحكومة الأفغانية فريسة سهلة للحركة المتشددة.
وكانت حركة طالبان قد حكمت أفغانستان من عام 1996 إلى عام 2001. وعقب عودتها للسلطة بعد عقدين رجعت لعادتها القديمة في تطبيق الشريعة وفق مفهومها المتشدد، وتقييد العديد من الحقوق الأساسية، وخاصة للنساء والفتيات. ومنذ ذلك الحين، لم تعترف أي دولة بطالبان كحكومة شرعية، وفي روسيا أدرجت الحركة على قائمة المنظمات المحظورة منذ عام 2003.
لكن الرفض الدولي لنظام طالبان بدأ في التزعزع. وكانت كازاخستان، جارة روسيا، أول دولة تعلن في 3 حزيران 2024 أنها سترفع اسم حركة طالبان من قائمتها للمنظمات الإرهابية.
فهل يعلن الكرملين بعد المنتدى الاقتصادي في سانت بطرسبورغ أن حركة طالبان لم تعد منظمة إرهابية؟ يعتقد الخبراء أن هذا ممكن. لكن الكرملين في مأزق، كما يقول هانز-ياكوب شندلر: “من ناحية، يعد الإعلان عن هذه الخطوة من دون الحصول على أي شيء في المقابل خطوة خرقاء. ومن ناحية أخرى، بالطبع، لا يمكنك توقيع عقود اقتصادية كبيرة مع منظمة لا تزال مدرجة رسمياً على قائمة الإرهاب الروسية”.
ويرى هانز-ياكوب شندلر أن تقارب روسيا مع طالبان هو خطوة سياسية تنطوي على مخاطر متوقعة بالنسبة لروسيا “سواء تم إزالة طالبان الآن من قائمة الإرهاب الوطنية الروسية أم لا، فهو أمر غير مهم نسبياً طالما أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك مستمر في إدراج طالبان على قائمة العقوبات”. ويعلل الخبير: “قرار مجلس الأمن بهذا الشأن ملزم قانونياً لروسيا”.
ومن أجل عدم انتهاك عقوبات الأمم المتحدة، دعا الجانب الروسي، بحسب معلومات حصلت عليها قناة DW الالمانية من مصادر مفتوحة، بحسب قولها، ممثلي طالبان إلى سانت بطرسبرغ ممن لا تستهدفهم العقوبات الدولية. من وجهة نظر الخبير، لن يتغير شيء كبير عند شطب روسيا لطالبان من قائمة الإرهاب، لكن الخطوة ستساعد في تقوية العلاقات المستقبلية. وكشف هانز-ياكوب شندلر من “المركز الدولي لمكافحة الإرهاب” (ICCT) إنه وفقا لبيانات روسية، زاد حجم التجارة بين البلدين خمسة أضعاف العام الماضي وحده وتجاوز مليار دولار: “مبيعات بقيمة مليار دولار أمريكي هائلة بالنسبة للاقتصاد الأفغاني، لكنها غير مهمة نسبياً بالنسبة للاقتصاد الروسي”.
ويعكس التقارب مع طالبان استراتيجية السياسة الخارجية لكل من روسيا والصين، كما يقول الخبير الألماني في شؤون أفغانستان توماس روتيغ: “بعد انسحاب التحالف الغربي، تسعى الدولتان لربط طالبان بتجمع الدول المناهضة للغرب. تحاول موسكو وبكين ملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الغربي”.
ويقول هانز-ياكوب شندلر إن هناك أهدافا اقتصادية لموسكو وبكين: “الاعتقاد بوجود كميات كبيرة ومتنوعة من المواد الخام الإستراتيجية في الأراضي الأفغانية والتي يمكن استغلالها على المدى الطويل إذا تم تهدئة الوضع وبناء البنية التحتية اللازمة”. ومن جانبه يرى توماس روتيغ: “أفغانستان ليست أولوية في السياسة الخارجية بالنسبة لروسيا، لكن موسكو لديها مصلحة اقتصادية فيها”.
في هذا المضمار لا يفت الإشارة إلى الهجوم الإرهابي الذي وقع في قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو في 22 آذار 2024، الذي أعلن ما يسمى بـ “ولاية خراسان التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية” (داعش خراسان) مسؤوليته عنه. ويعتقد هانز-ياكوب شندلر أن القيادة الروسية أدركت خطورة التهديد من هذا الفرع. ويقول توماس روتيغ إن هذا زاد من “الاهتمام الطبيعي” لموسكو بإقامة اتصالات أوثق مع النظام الحالي في كابول.
ومع ذلك، فإن لدى الخبيرين تقويمات مختلفة حول مدى قدرة طالبان على مساعدة موسكو في احتواء التهديد الإرهابي. ويؤكد الخبير الألماني في شؤون أفغانستان توماس روتيغ أن طالبان تبذل كل ما في وسعها لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. بينما يعتقد هانز-ياكوب شندلر أن موسكو ترتكب “نفس خطأ الغرب” وهو “افتراضها أن طالبان ضد داعش خراسان”.
ويبرر الخبير رأيه: “أولاً، العديد من أفراد داعش خراسان هم أعضاء سابقون في حركة طالبان. ثانياً، الكثير من عناصر طالبان قريبون أيديولوجياً من داعش خراسان. وقد يؤدي الضغط عليهم إلى انشقاق المزيد من عناصر طالبان وانضمامهم إلى هذه الفرع من تنظيم داعش”. ويخلص هانز-ياكوب شندلر من “المركز الدولي لمكافحة الإرهاب” (ICCT) إلى أنه “لكي يتمكن نظامهم من الاستمرار والبقاء، يتعين على طالبان أن “تحقق توازناً دقيقاً للغاية” في المواجهة مع داعش خراسان”.
يشار الى ان أفغانستان والاتحاد السوفييتي السابق شكلا علاقة ودية بعد الحرب العالمية الثانية، وقدم الاتحاد السوفييتي الكثير من المساعدات والتنمية لأفغانستان. ووقع البلدان على معاهدة صداقة في عام 1978، وتدخلت روسيا السوفييتية في العام التالي في أفغانستان بعملية العاصفة -333. أثار هذا الإجراء رد فعل سلبي في معظم العالم الإسلامي الذي عده غزوا، واسهم في تراجع ازدهار أفغانستان وتعزيز العناصر الراديكالية في داخل البلاد. وانهارت الحكومة الأفغانية المدعومة من روسيا في عام 1992. وتحسنت العلاقات الروسية الأفغانية إلى حد ما في السنوات التي أعقبت الصراع. وتملك روسيا الآن سفارة في كابول وقنصلية عامة في مزار شريف، وتملك أفغانستان سفارة في موسكو؛ وتُعد أفغانستان أيضًا واحدة من الدول التي اعترفت بضم الاتحاد الروسي للقرم في عام 2014.