د. عزالدين مصطفى رسول
حياته:
هو عزيز شريف عبد الحميد، والده رجل دين في عانة وملاك صغير، درس على والده في عانة، فكان ضليعا في اللغة العربية والفقه الاسلامي وانتقل الى بغداد ايام الدراسة الثانوية وما بعدها اذ تخرج من كلية الحقوق في العام 1932. وعين قاضيا (حاكما) في العام 1934 وبقي عشرة أشهر، لرفضه اصدار مذكرة القاء قبض بحق شخص منسوب للشيوعية، وانشغل او تفرغ للعمل السياسي. وقد رشح نفسه للبرلمان في عهد بكر صدقي وصار نائبا عن البصرة ضمن نواب جمعية (الاصلاح الشعبي) ويعتبر حنا بطاطو ان عزيز شريف وعبد القادر اسماعيل كانا من ضمن نواب الاصلاح الشعبي المنتمين الى الحزب الشيوعي ايضا.
اعيد قاضيا في العام 1943 في محكمة استئناف البصرة وبقي سنة واحدة حيث استقال ليتفرغ للعمل السياسي، وقد تزوج وهو في البصرة من كريمة السياسي الوطني العراقي المعروف سليمان فيضي. السيدة (نورية) التي ظلت تتحمل معه صعوبات النضال والاحتفاء والمهاجر وظلت حريصة على تراثه بعده، لهما بنت (الدكتورة الهام) وولد (الدكتور عصام). ظل عزيز شريف متفرغا للصحافة والعمل النضالي سرا وعلنا، وعانى سنوات من الاختفاء والبعد الاضطراري خارج الوطن وعاش مع ثوار كوردستان سنوات وبعد انقلاب تموز المشؤوم (17 -30 تموز) وتقرب الانقلابيين من الكورد أصبح وزيرا للعمل في 31 / كانون الاول / 1969 وكانت مهمته الحقيقية العمل لحل المسألة الكوردية، واشترك في مفاوضات الحكم البعثي مع القيادة الكوردية التي اثمرت عن اتفاقية اذار 1970 وفي اجواء انكار البعث لوعوده، استقال من الوزارة، وهاجر في اواخر السبعينات الى موسكو، اذ توفي فيها في العام 1990.
عزيز شريف – صحفيا وسياسيا:
اول ما تلمح اسم الراحل في وثائق التاريخ العراقي، هو اشتراكه في المظاهرات المعادية لزيارة السر الفريد موند المؤيد للصهيونية في 8 شباط 1928. وكان ضمن الشباب الذين كانوا جماعة (الاهالي) في الثلاثينيات وهم (عبد الفتاح ابراهيم ومحمد حديد وجميل توما
وابراهيم بيثون وحسين جميل وعبد القادر اسماعيل ونوري رفائيل وعلي حيدر سليمان وعبد الله بكر وعزيز شريف وخليل كنه) وقد انضم إليهم، كامل الجادرجي في اوائل الثلاثينيات، واتفقوا على اصدار جريدة (الاهالي) وتطورت الجريدة الى ان اصبحت حزبا سياسيا. وقد تقدم كل من عبد الفتاح ابراهيم وعزيز شريف بمقترحات لحل مشكلة التحرير ومعالجة المشكلة المالية، وقد أصبح عبد الرحيم شريف مديرا للتحرير الى حين استقالته في 22/ اذار / 1943.
وصار اسم عزيز شريف في هذه الفترة اسما لامعا بين القادة الديموقراطيين العراقيين وليس ادل على ذلك من توجيه لفيف من الطلاب نداء الى الشخصيات الديمقراطية العراقية لكسر طوق العزلة والابتعاد عن بعضهم وقد نشر في ايار 1944 ووجه النداء الى كل من: جعفر ابو التمن، كامل الجادرجي، محمد مهدي الجواهري، عبد الفتاح ابراهيم، عزيز شريف ويحيى قاسم.
وفي مثل هذه الاجواء بدأت تجمعات ديموقراطية ويسارية في البلاد تعمل على تأسيس احزاب علنية وقد بدأ عزيز شريف بإصدار (رسائل البعث) وهي رسائل سياسية تثقيفية لا علاقة لها بحزب البعث الذي لم يكن قد نشا بعد.
واذ سافر عزيز شريف الى سوريا واطلع على افكار الحزب الشيوعي السوري في الدمج بين العمل العلني والسري. عاد ليقدم في عهد وزارة توفيق السويدي التي اجازت الاحزاب السياسية طلبا لتأسيس حزب الشعب وقعه كل من: (محمود صالح السعيد وعبد الامير ابو تراب. وابراهيم الخضيري، وابراهيم الدركزلي، ويوسف جواد المعمار وتوفيق منير وعبد الرحيم شريف اضافة الى عزيز شريف نفسه). وقد اجيز حزب الشعب في 2/ نيسان / 1946. واذ ترك يحيى قاسم رفقة عزيز شريف واخذ معه اجازة جريدة (الشعب) التي كان من المفروض ان تكون لسان حال الحزب الجديد وصار يحيى قاسم من رهط نوري السعيد الى الاخير فان حزب الشعب المجاز قد أصدر جريدته (الوطن).
في تلك الفترة من عمر جريدة (الوطن) كان السجال مستمرا بينها وبين الشيوعيين وكان الشيوعيون يعتبرون كتاب الشهيد حسين محمد الشبيبي (صارم) (الجبهة الوطنية الموحدة) ردا على افكار عزيز شريف، بل حتى عبد الفتاح إبراهيم في الدعوة الى حزب تقديمي يساري علني واحد وكان امتداد الخلاف في كثير من المسائل واضحة واهما قضية فلسطين، فبينما كان شعار الحزب الشيوعي العراقي هو معارضة تقسيم فلسطين في البداية فانه تطابق فيما بعد مع الخط السوفيتي، بينما ظل الحزب الشيوعي السوري معارضا للتقسيم وكان ذلك هو خط حزب الشعب. وعزيز شريف اذ كتب يقول: ان الاتحاد السوفيتي دولة تفعل وتنفعل ضمن إطار وضع دولي، وتصوغ سياساتها في ضوء ذلك الوضع بكل تناقضاته وتعقيداته وإذا كان علينا ان نقبل من دون تحفظ كل السياسات التي ترى من الملائم تبنيها. فإننا سنثير عدم الثقة بالحركة الوطنية بين جماهير الشعب..
واصل عزيز شريف جهاده وازداد في فترة ما بعد الوثبة تلاحما مع الحركة الكوردية والحزب الديمقراطي الكوردي، ومن ابز وأكثر اعماله اجلالا في هذه الفترة رسالته هذه (المسألة الكوردية في العراق). واذ هي بين يدي القراء الان، فلا ابالغ او أفضل في التقييم (او التقويم) والشرح الان كثيرا ولكنني أؤشر الى عدة نقاط:
- انها اول كتاب او تقرير عربي واضح عن القضية الكوردية.
- ان فيه من الوضوح في فهم القضية الكوردية والموقف منها ما يتطابق مع التاريخ والواقع ومع الموقف الكوردي المناضل نفسه تماما.
- انها كتبت بأسلوب الماركسيين في تلك العهود، اذ ان اثبات اي راي واجتهاد مهما كانا صغيرين يحتاج الى معادلة طرفها الاخر مقولات لمفكري الماركسية (ماركس انجلز لينين – ستالين) وقد اجاد عزيز شريف في هذا الفن من الرياضيات كي يثبت العدالة والحق في القضية الكوردية وحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه وتكوين دولته المستقلة. وكان في كل ذلك واضحا وصريحا لا يخشى لومة لائم.
واصل عزيز شريف في بقية حياته تناغمه مع القضية الكوردية واذ كان هناك خلافا واضحا حتى وان مس التعابير في وضوحها احيانا بينه وبين الكتل الاخرى. فان حله لتنظيمه الخاص ببيان كتب في 25/ نيسان / 1956 ونشر في حزيران واعترف فيه بخطأ تشكيل تنظيم مستقل.
سافر عزيز شريف بعد حل المنظمة الى سوريا وانشغل هناك في المجال الوطني العام وفي الدفاع عن العراق، فقد كون ما يشبه تنظيما أطلق عليه اسم (احرار العراق) وأصدر بعض الكتب ونشر رسائل موجهة الى رؤساء الدول – منها رسالة الى جواهر لال نهرو وسافر الى القاهرة والتقى بالرئيس جمال عبد الناصر وبذل جهوده لفتح اذاعة كوردية في القاهرة واشترك في مؤتمرات عديدة لأمم اسيا وافريقيا، وكان عضو هيئة من المحامين عملت امام المحكمة الخاصة لإدانة المتآمرين على سوريا لجرها الى حلف بغداد. وزار الاتحاد السوفيتي في العام 1957 والتقى بالزعيم الكوردي الراحل مصطفى البارزاني وزار الصين الشعبية. وعندما عاد الى العراق بعد ثورة 14 تموز / 1958 عمل على تأسيس منظمة السلم والتضامن وقد بقي في هذا المجال سكرتيرا للمنظمة العراقية ونائبا لرئيس مجلس السلم العالمي وناشطا بارزا في المجال الاسيوي الافريقي، وبقي يحضر المؤتمرات العالمية المكرسة لهذا العمل الى نهاية حياته.