الجزء 2
اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 21- 5- 2024
وورد في المصدر السابق ما يلي:
– ” عانى الكورد الفيليون من حكام العراق الملكي الاضطهاد وتعرضوا إلى التمييز من جانب السلطة في التعامل اليومي وواجهوا أحياناً التسفير القسري الظالم إلى إيران لمن لم يكن مرغوباً في استمرار وجوده في العراق. وكان أغلب المُسفرين من العاملين في الحقل السياسي والمناهضين لسياسات النظام الملكي حينذاك، خاصة من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكوردستاني. ([1]) ولكن هذه السياسة كانت محدودة الأثر على الجمهرة الواسعة من الكورد الفيلية وهي ذات المعاملة التي مارسها النظام حينها إزاء الشعب الكوردي عموماً، وفي فترة العهد الملكي شارك الكورد الفيلية في الحياة الاقتصادية، خاصة في قطاعي التجارة والخدمات، فضلاً عن بدء البعض منهم في استثمار رؤوس أمواله في قطاع الصناعة الوطنية. واستطاعت مجموعة من الكورد الفيلية أخذ مواقع مهمة في القطاع التجاري الداخلي وأسواق بغداد بشكل خاص بعد ترحيل الغالبية العظمى من المواطنين اليهود قسراً إلى إسرائيل، إذ أن نسبة عالية منهم لم تكن تريد الهجرة وكانت راغبة جداً في البقاء في العراق، رغم ما تعرضت له من تمييز واضطهاد بالغين من جانب الحُكام وبعض القوى السياسية القومية العراقية. توزّع الكورد الفيلية من الناحية الاجتماعية على مختلف الفئات والطبقات، فمنهم من ينتمي إلى فئة أصحاب رؤوس الأموال وهم مجموعة صغيرة كما هو حال هذه الفئة في المجتمع العراقي عموماً، ومنهم جمهرة من الكسبة والحرفيين والفلاحين والعمال والكادحين العاملين في مختلف خدمات النقل والخزن. وهذه الفئات تشكل الغالبية العظمى من الكورد الفيلية في العراق. فضلاً عن وجود مجموعة غير قليلة من أبرز المثقفين المندمجة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ببقية مثقفي العراق. رحبّ الكورد الفيليون بثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، إذ أنهم من القوى الاجتماعية التي ساهمت في النضال من أجل الخلاص من الحكم الملكي، بغض النظر عن الأحزاب السياسية التي انتسبوا إليها، إذ كان منهم من انتسب للحزب الشيوعي العراقي، ومنهم من انتسب للحزب الديمقراطي الكوردي ( الكوردستاني)، ثم أن بعضهم كان يعمل في صفوف الحزب الوطني الديمقراطي. وبعضهم الآخر عمل في أحزاب أخرى في فترات مختلفة ومنها حزب التحرر الوطني وحزب الأحرار وحزب الشعب. وكان بعضهم قد عمل في الحزبين الحاكمين اللذين تناوبا على حكم العراق خلال فترة طويلة، رغم أن الحزبين قد تشكلا في فترة متأخرة، ولكنهما كانا يعملان كتيارين سياسيين لصالح الحُكم الملكي القائم حينذاك وإلى جانب سياسات الدولة البريطانية في العراق، وهما الحزب الدستوري الذي كان يقوده نوري السعيد، وكان بعضهم الآخر يعمل في أو مع حزب الأمّة الاشتراكي الذي كان يقوده صالح جبر وبرزت منهم شخصيات وطنية مرموقة، سواء من أولئك الذين عملوا في تلك الأحزاب أم ممّن بقيَ مُستقلاً عنها وشارك بحيوية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفي المجالات الرياضية والأدبية والفنية وغيرها. كان تعامل قائد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 مع الكورد الفيلية إيجابياً وواعياً لمكانتهم الاجتماعية الطيبة في المجتمع ووجودهم الذي يمتد في تاريخ العراق القديم، ودورهم السياسي النضالي ضد الحكم الملكي ومعاناتهم من ذلك النظام.
ولذلك اختلفت مواقفه تماماً عن مواقف وسلوك الحُكام قبل ذاك أو بعد سقوط حكم عبد الكريم قاسم رغم أن الكثيرين منهم قد تعرضوا للاضطهاد والاعتقال والتعذيب حتى التسفير من قبل أجهزة الحكم في عهد قاسم بسبب عملهم في الأحزاب السياسية الوطنية التي ناهضت سياسة قاسم العسكرية الفردية وضد الديمقراطية أو الحرب التي شنها ضد الشعب الكوردي في كوردستان العراق. إذاً علينا أن لا ننسى بأن الكثيرين ممّن كانوا يعملون في أجهزة الأمن والمخابرات العسكرية أو في الجيش العراقي كانوا في عهد قاسم من القوى القومية الشوفينية التي كانت لها مواقف مناهضة للكورد الفيلية ولوجودهم في العراق. بدأ قاسم بممارسة سياسة عقلانية إزاء المجتمع. وخلال هذه الفترة التقى وفد من الكورد الفيلية بـ ( عبد الکریم قاسم) مُهنئاً له بمناسبة الأول من ربيع الآخر ۱۳۷۸ هـ- 14- 10- 1958. وأثناء الحديث أشار قاسم إلى حقيقة مهمة ربما لم يكن يعرفها الكثيرون حينذاك، إذ قال ما يلي حول موطن الكورد في العراق:
(( إن المناطق التي تبدأ من الضفاف الشرقية لنهر دجلة هي موطن الكورد الفيلية منذ القدم)). ([2]) وكان لهذا القول السليم وقعٌ حَسِن على مسامع الكورد الفيلية ويعبر عن مضامين جيدة لصالحهم. ولهذا أيضاً حظا قائد ثورة تموز عبد الكريم قاسم بحُب وتأييد الكورد الفيلية. ومع أنهم وقفوا بحزم ضد حربه التي خاضها ضد الشعب الكوردي باعتبارهم جزءاً من هذا الشعب وضد سياساته الاستبدادية الفردية وناضلوا من أجل الديمقراطية للعراق وتعرضوا بسبب ذلك للمضايقات والاعتقال والتعذيب، هبّوا دفاعا عن الثورة وعن عبد الكريم قاسم بالذات، حينما قامت المجموعات القومية والبعثية بانقلابها المشؤوم في الثامن من شباط عام ۱۹٦٣، الذي أدى الى إسقاط واغتيال قاسم وكثرة من رفاق دربه، إذ تحوّل ( حي الأكراد) ببغداد إلى قلعة نضالية مُسلحة ضد حكم الانقلابيين. ولهذا السبب أيضاً تعرّض الحي إلى هجوم كاسح وتخريب واسع من جانب قوات الانقلابيين، وتعرض الكورد الفيلية إلى الاعتقال والسجن والتشريد والقتل من جانب البعثيين والقوميين الذين استولوا على السلطة وحكموا العراق بالحديد والنار. كما أجبر الكثير منهم على ترك البلاد والهجرة إلى إيران ومنها إلى بلدان أخرى. وها هو الشعب في عراق ما بعد صدام حسين ما يزال يُعاني من جراء تلك السياسات الفردية التي مارسها عبد الكريم قاسم ومن جراء الانقلاب الدموي الذي أنهى الجمهورية الأولى، فضلاً إلى السياسات الصبيانية وضعف الوعي السياسي والديمقراطي للقوى السياسية العراقية المختلفة حينذاك. برزت الإشكالية الكبرى إزاء الكورد الفيلية في فترة حكم البعث، إذ عاد النظام إلى التعامل معهم على أساس الجنسية ( أ) و ( ب) والتمييز بين من اعتبروا تبعية عثمانية ( أ) أو تبعية أجنبية ( ب) سواء أكانت فارسية أم أفغانية أو هندية أم غيرها. فمن له تبعية عثمانية يُعتبر عراقي أصيل، ومَن له تبعيات أخرى، وبشكل خاص التبعية الفارسية فيعتبر أجنبي أو غير عراقي وبالتالي وضع النظام قاعدة وسابقة خطيرة للتمييز بين العراقيين، أي بين مَن هُم مِن تبعية عثمانية باعتبارهم مِن مواطني الدرجة الأولى، وبين مَن هُم مِن تبعيات أخرى رغم عراقيتهم المؤكدة باعتبارهم من مواطني الدرجة الثانية ([3]). ورغم ذلك لم يمارس النظام الملكي إسقاط الجنسية عن العراقيين بسبب كونهم مِمّن هم من الجنسية ( أ) أو مِن الجنسية ( ب)، ولكنه مارس إسقاط الجنسية العراقية لأسباب سياسية مجحفة. وكان وضع مثل هذه الصيغة في قانون الجنسية العراقية الأول رقم ٤٢ لسنة ١٩٢٤ من حيث المبدأ تمييزاً شوفينياً وطائفياً مسيئاً لوحدة وحقوق المواطنة، وبالتالي أرسى النظام الملكي وسلطات الانتداب البريطاني الأساس المادي للتعامل التمييزي غير الإنساني مع العراقيين من كورد وعرب عند اعتبارهم من التبعية الإيرانية أو غيرها. ولم يعمد الحكم الملكي إلى تغيير أو تعديل بنود هذا القانون بما يساعد على إزالة هذا الحيف والتمييز غير العقلاني إزاء مجموعة كبيرة من العراقيات والعراقيين، بل أجرى بعض التعديلات التي أباحت وأعطت ( الشرعية القانونية) للحكم بإسقاط الجنسية العراقية عن السياسيين خاصة الشيوعيين باعتبارهم ( حملة مبادئ هدامّة ويخدمون جهات أجنبية). أما الجماعات القومية والبعثية التي انتزعت الحكم في انقلاب عام ١٩٦٣، ثم النظم التالية ذات الطبيعة المماثلة فكرياً وسياسياً، فقد بدأت بإصدار القوانين والقرارات والتعليمات الكثيرة مُحددة صيغ التعامل مع الجنسية وحق المواطنة العراقية بما ساهم في تشديد هذه المشكلة وفي ممارسة التمييز الصارخ وإنزال أفظع الإجحاف بحق المواطنات والمواطنين العراقيين. فبعد انقلاب شباط ١٩٦٣ صدر قانون الجنسية رقم ٤٣ لسنة ١٩٦٣، ثم صدر القانون رقم ۲۰٦ لسنة ١٩٦٤ بعد انقلاب القوميين على حكم البعث وبعد مجيء البعث ثانية إلى السلطة صدرت مجموعة قرارات عن مجلس قيادة الثورة ابتداءً من عام ۱۹٦٨. وفي عام ۱۹۸۰ صدرت مجموعة من القرارات منها القرار رقم ۱۸۰ و ۲۰۰، ثم القرار الخاص بإسقاط الجنسية العراقية رقم ٦٦٦، فضلاً عن قرارات أخرى بصدد الجنسية في نفس العام، أي في العام الذي شنّ النظام العراقي الحرب ضد إيران ( ۱۹۸۰). وبعد ذلك صدر القانون رقم ٤٦ لسنة ۱۹۹۰، وأخيراً صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم ۱۹۹ لسنة 2001 حول موضوع الجنسية العراقية، ويمكن للمتتبع أن يؤكد بأن جميع هذه التشريعات والتعديلات القانونية والقرارات الخاصة بالجنسية العراقية استهدفت تحقيق النتائج التالية:
1- تكريس الفكر الشوفيني في الحياة الفكرية والسياسية العراقية وهو نهج مناهض لكل العراقيين من غير العرب، وبشكل خاص ضد الكورد ومنهم على نحو خاص الكورد الفيلية، وكذلك ضد العراقيين من أصل فارسي يعود إلى مئات سنين منصرمة.
2- تكريس الفكر الطائفي المُناهض للمذهب الشيعي، إذ أن الذين اعتبروا أجانب في قانون الجنسية الأول ( رقم ٤٢ لسنة ۱۹۲٤) هم الجماعات الشيعية التي رفضت استحصال التبعية العثمانية أو لم تفكر بها أصلاً، وهي مجموعات الكورد الفيلية، وهم في أغلبيتهم شيعيو المذهب، وكذلك المجموعات العرقية ذات الأصل الفارسي أيضاً، وكذلك العرب الشيعة الذين لم يفكروا أصلاً بالتبعية العثمانية لأسباب مذهبية أو بسبب إهمال وعدم اهتمام أو عدم معرفة بأهمية الجنسية في الحياة اليومية للمواطن.
3- إدخال الجانب الأيديولوجي والسياسي في التشريع العراقي لقضية قانونية أساساً من خلال منح حق الاعتراف بعراقية أو عدم عراقية المولود في العراق ومن أب مولود في العراق أي ولادة مضاعفة، أعتبر أجنبياً، وهو عراقي أصلا، بيد وزير الداخلية، في حين يفترض حسم هذا الموضوع من خلال دوائر الجنسية أولاً ومن ثم عبر القضاء ثانياً.
4- استخدام سلاح الجنسية العراقية سياسياً للتخلص من عدد كبير من العراقيين الذين اعتبروا مناهضين للنظام أساساً، ومن ثم اعتبروا عملاء أو طابوراً خامساً لإيران في العراق. وأدى هذا الموقف السياسي إلى إنزال أشد الأضرار بعدد كبير من العراقيين الذين هُجروا قسراً إلى إيران بعد سحب جنسيتهم ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وتعريضهم إلى حياة قاسية في الغربة وإلى احتمالات الموت في دروب التهجير إلى إيران.
5- وكانت هذه السياسة محاولة جديدة لتغيير الطابع القومي والطائفي لمناطق معينة من العراق. إذ يفترض أن لا ننسى بأن الغالبية العظمى من النساء والرجال الذين سفّروا أو الذين لقوا حتفهم جراء سياسات التهجير القسري لمن اعتبروا ضمن التبعية الإيرانية أو اعتقلوا لهذا السبب كان كبيراً جداً واقترب من نصف مليون إنسان. إذ أن هؤلاء كانوا عند استمرار وجودهم في العراق أو على قيد الحياة المساهمة في إغناء الشعب العراقي بولادات جديدة، وهو الأمر الآخر الذي أراد النظام التخلص منه، وعلينا أن لا ننسى ربط هذه الإجراءات التعسفية بعمليات الأنفال وتغييب عشرات آلاف البشر، فضلاً عن عمليات التغيير الديموغرافي لمناطق معينة من العراق خاصة مناطق كوردستانية عراقية ومنها كركوك على سبيل المثال لا الحصر.
6- وإذا كان الفكر الذي اعتمده واستند إليه نظام الحكم في العراق في إصدار تلك التشريعات فكراً شوفينياً عنصرياً بشعاً، فأن ممارسات النظام في تطبيق تلك التشريعات كانت أكثر بشاعة إزاء الشعب العراقي، خاصة إزاء الجماعات التي شملتها تلك التشريعات.
7- وكانت لهذه التشريعات والممارسات السياسية والأمنية عواقب وخيمة على الوحدة الوطنية في العراق، التي تناولناها سابقاً في الموقف من الشعب الكوردي ومنهم الكورد الفيلية، ومن جماعات كبيرة من عرب الجنوب والوسط التي سنتناولها بالارتباط مع قانون الجنسية العراقية.
أشرنا إلى أن النظام الملكي في العراق أصدر قانون الجنسية العراقية الأول في عام ١٩٢٤، أي أثناء التحضير لإصدار القانون الأساسي العراقي، الدستور الذي أقرَّ في عام 1925، لأول مرّة بعد قيام الدولة الملكية العراقية في عام 1921. وكان المفروض في المشرّع العراقي أن يستند في وضعه للقانون إلى عدد من الحقائق المهمة التي تميز بها الوضع في العراق حينذاك، ومنها:
* خلاص العراق من هيمنة عثمانية دامت قرابة أربعة قرون كانت شبيهة بالقرون الوسطى في أوروبا أو أسوأ منها بكثير واقترنت بجملة من إجراءات الاضطهاد وتحمّل الكثير من الآلام والعذابات، وعمقّت الفجوة بين القوميات المختلفة وبين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة.
* وكان العراق في فترات مختلفة قبل وأثناء هذه القرون الأربعة ساحة للصراع السياسي والطائفي غير العقلاني بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية، الذي أدّى إلى نشوء خنادق متباينة مضرّة بوحدة العراق الجديد كانت بحاجة إلى ردمها وليس إلى تعميقها.
* وفي ضوء هذا الواقع وجد في العراق مَن كان ينتمي إلى الدولة العثمانية أو مَن كان ينتسب إلى الدولة الفارسية من الناحية المذهبية، التي كانت تترك تأثيرها على ولاءات الناس بقدر معين خاصة إذا كانت الروح الوطنية القائمة على قواعد وأسس مشتركة ما تزال غير متوفرة، التي تجلت في تقرير الملك فيصل الأول الذي كتبه قبل وفاته حول واقع العراق حينذاك، إذ كتب يقول:
( إن البلاد العراقية من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والمليّة والدينية، فهي والحالة هذه مبعثرة القوى منقسمة على بعضها يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت أقوياء مادة، ومعنى غير مجلوبين لحسيّات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معاً، على جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثرات رجعية، أو إلى أفكار متطرفة تستوجب رد الفعل). ([4])
* وكان العراق حينذاك، رغم أن ولاية الموصل ومنها كوردستان الجنوبية، عند وضع قانون الجنسية لم تكن بعد قد ألحقت بالعراق، وما يزال يتكوّن في بنيته السكانية القومية من عرب وكورد وتركمان وآشوريين وكلدان ويهود وفرس، كما كانت بنيته الدينية والطائفية متعددة أيضاً، فإلى جانب أتباع الدين الإسلامي، وجد أتباع الديانات المسيحية واليهودية والمندائية الصابئية والأيزيدية والشبكية والكاكائية، فضلاً عن المذاهب السُنيّة والشيعية، على سبيل المثال لا الحصر.
* وكان العراق حينذاك تحت الهيمنة البريطانية التي كانت تنظر إلى العراق باعتباره مستعمرة يُراد لها أن تبقى تحت الاحتلال البريطاني وخاضعة للتاج البريطاني. وكان لا بدّ من وضع دستور مدني ديمقراطي بسبب مطالبة مجلس عصبة الأمم بذلك، ولكنها كانت تريد أن تترك في الدستور ثغرات تُساعد على استمرار وجودها من خلال مبدأ ( فرق تسُد)، بعد أن عرفت العراقيين جيداً في انتفاضتي ۱۹۱۸ في النجف و ۱۹۱۹ في السليمانية وثورة ۱۹۲۰ في العراق عموماً.
* وكان المُحدد العام لمشرّع تلك المادة التي تضمنتها معاهدة لوزان التي وقعت بين الدولة التركية الحديثة والحلفاء التي نصت على ما يلي: ( الرعايا المقيمين عادة في إقليم منسلخ عن تركيا بموجب هذه المعاهدة يصبحون من رعايا الدولة التي تنتقل إليها تلك الأرض وفق الشروط التي يضعها قانونها المحلي). ([5]) وهذا النص العام لا غبار عليه، إذ يقرر واقع حال، إذ أن القواعد تتحدّد وفق القانون المحلي لاحقاً”.
[1] – في عقد الخمسينيات من القرن العشرين التقيت بعدد كبير من المناضلين من الكورد الفيلية، سواء كان ذلك أثناء وجودي في المواقف أو السجون العراقية. وكان البعض من هؤلاء المناضلين قد تعرّض إلى عملية ترحيل أو تسفير، كما كان يطلق عليها في حينها من البصرة إلى المحمرة في إيران، حيث كانت الشرطة العراقية تنقل هؤلاء المُسفرين وتسلمّهم في المحمرة إلى الشرطة الإيرانية. وكانت الشرطة الإيرانية تطلق سراحهم مباشرة سواء بعد دفع رشوة صغيرة حتى من دونها. وكان هؤلاء المسفرون يعودون إلى البصرة مباشرة دون أي تأخير في المحمرة. وكانوا يجلسون في المقهى الرئيسة القائمة في سوق البصرة الرئيسي. وبعد فترة وجيزة يأتي الشرطة الذين نقلوهم إلى المحمرة ليجلسوا في ذات المقهى التي يجلس فيها المناضلون الكورد الفيلية. وبعد أن يتحدثوا بود ويتناولوا الشاي سوية يدفع المناضلون ثمن الشاي الذي تناوله الشرطة، ثم يذهب كل منهم إلى حال سبيله ليعودوا معاً وفي نفس القطار إلى بغداد. هكذا روى لي كَثيرٌ ممّن تعرضوا للاعتقال والتسفير من الأخوة المناضلين في حينها. وهي حقيقة كنّا نعرفها جميعاً. وكان المناضلون يواصلون وجودهم ونشاطهم السياسي ثم يعتقل بعضهم لتبدأ نفس الرواية أو أنهم كانوا يتعرضون للسجن لتهم توجه لهم مثل عملهم في أحد الحزبين الشيوعي أو الديمقراطي الكوردي في حينها.
[2] – نجم عبد سلمان، المصدر السابق، ص 20.
[3] – د. عبد الحسين شعبان: إشكالية الجنسية واللاجنسية في القانونين العراقي والدولي. جريدة الزمان اللندنية. سلسلة من الحلقات لكتاب واحد للمؤلف الحلقة الرابعة العدد ١١٦٠، ١٤ آذار، 2002، ص ١٣.
[4] – عبد الكريم الأزري: مشكلة الحكم في العراق، ص 20.
[5] – محمد عنوز: قانون الجنسية العراقي مشكلة مزمنة… معالجتها ممكنة. مجلة الحقوق. جمعية الحقوقيين العراقيين، لندن، العدد ٤ – السنة الأولى- حزيران يونيو ٢٠٠١، ص ١٥٥.