جلال زنكابادي
يبدو أن الفن الســــــــــابع، شأنه شأن الفنون التشكيلية والموسيقية والآداب، في بلاد الرافدين، مدين بدوره لفنانين وفنانات من أرومة كوردية؛ لعل أبرزهم هو كامران حسني (1927-2004).
والذي تتلخَص حكايته التراجيكوميدية، في الحوار الآتي بينه وبين الفنان الأربيلي صفوت الجّراح – وهو أحد تلاميذه-
))أستاذ كامران، لماذا تركت العمل السينمائي، واخترت هذا العمل الحر؟
– يا أخي! أنا صاحب عائلة، وأريد أن أعيش؛ فكيف تريدني أن أعيش من وراء الفن، ولا أحد يبالي به في هذا البلد؟! لقد كنت أعيش برفاهية في أمريكا، ثم عدت اٍلى بلدي؛ لكي أخدمه، بعد أن حصلت على شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي.. وها أنا لا أجد الأجواء الصحيحة للعمل، بل لا أجد من يهتم بي؛ لذلك لا حاجة لي بهذا الفن!((
أجل؛ فتحت وطأة كابوس السلطة العفلقية، التي ما برحت تحتضن (الفنانين-الروبوتات وعملاء الشرطة السرّية والمهرّجين)؛ لترويج سمومها وتحقيق مآربها ومراميها الخبيثة والدنيئة؛ كان يتعذّر على فنان جاد كحسني، أن يبدع ويعيش بكرامة؛ لذا فقد أضطر اٍلى فتح مطعم (علي شيش) للدجاج المشوي، في ساحة النصر ببغداد، وتولىّ بنفسه اٍداراته، لكنه ما لبث أن غادر العراق بعد فترة، عائداً اٍلى أمريكا مع زوجته الأمريكية، المسمّاة بـ(سوسن) عند أصدقائه المقربين.
وهكذا هجر حسني السينما من بداية سبعينيات القرن الماضي، وكان يشرف على الإنتاج الفني في أمريكا، من آن لآخر. وقد زار العراق مرة واحدة في 1998 وتوفي في مدينة لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا.
للفنان حسني مكانته البارزة في تاريخ السينما العراقية؛ لريادته المشهودة في الإخراج، ومساهمته في تدشين الصحافة الفنية، بل ويعد رائداً مقداماً للسينما الواقعية.
اٍبتدأ حسني رحلته الفنية (السينمائية) من كركوك، ثم اٍنتقل اٍلى بغداد؛ للمشاركة في تمثيل فلم (علية وعصام) للمخرج الفرنسي أندريه شوتان، ولكن لم يحصل ذلك؛ لعدم اٍنسجامه مع طاقمه، بل وراح يتحدّى مخالفيه، برحيله اٍلى أمريكا، لدراسة الفن السينمائي دراسة معمقة؛ حتى نيله درجة الماجستير بجامعة كاليفورنيا عن رسالته (تأثير التقدم الآلي على تطور أسلوب التمثيل) – المنشورة لاحقاً- في (110 صفحات) وتقديمه فيلمه التطبيقي (لورشيفا) عن رقص الهنود الحمر. ويذكر أنه قد مثل في عشرات المسرحيات والتمثيليات التلفزيونية والأفلام السينمائية في أمريك.
كان كامران حسني متحمساً جدا، بعد عودته في 1955 اٍلى العراق، حتى أنه أصدر مجلة (السينما)، فضلاً عن تدريسه في معهد الفنون الجميلة، حيث كان يخاطب دائماً تلاميذه :- ((كونوا مخلصين لفنكم، ومن خلاله للجمهور))
ولقد دشّن ريادته في اٍخراج فلم (سعيد أفندي) في 1956 والذي أحرز نجاحاً باهراً وهائلاً بمعايير أيام زمان، وحتى أياّمنا العجاف هذه! وقد عرض في 1957 في سينما الخيام بكركوك، وفي معهد السينما العربي بباريس، خلال تكريم الفنان يوسف العاني في 1998 وهو أول فيلم عراقي يشارك في اٍحتفال دولي، اٍحتفال موسكو في 1958 .
وقد اٍستند سيناريو الفلم اٍلى قصة (شجار) للقاص ادمون صبري، وأبدعت فيه الفنانة زينب اٍلى جانب يوسف العاني (الممثل الرئيس) والسيناريست.
كان فيلم (سعيد أفندي) باكورة ناضجة تبشّر بخير سينمائي كثير، وقد أعقبه حسني بفلم (مشروع زواج) الذي مثل فيه: رضا الشاطي، فخري الزبيدي، ناجي الراوي، اٍلهام حسين، فريد شاكر، قدري الرومي، ساجدة حمدي، وآمال يوسف. أماّ فلمه الأخير (غرفة رقم 7) فقد أنتجه في لبنان.
ولئن أحبطت الظروف اللا مواتية طموحات فناننا حسني؛ فقد أصابته الخيبة؛ فانسحب من عالم الفن اٍلى عالم (الدجاج المشوي)! وما لبث أن شدّ رحاله اٍلى المهجر؛ ليعيش، ومن ثم يموت مغترباً، مثله مثل المئات من مبدعي ومبدعات العراق المبتلى بسرطان الشوفينية والفاشية وأثرياء (السياسة!).