التآخي – ناهي العامري
استضاف بيت البياع الثقافي الباحثة (نبأ البنا) لتقديم محاضرة فكرية عن الشاعر الكوردي عبد الله گوران، التي استهلتها بقراءة سيرته الذاتية، وقالت: ولد الشاعر في مدينة حلبجة/ السليمانية عام ١٩٠٤، كان والده سليمان وجده عبدالله شاعرين، يجيدان الكتابة باللغتين الكوردية والفارسية، تنحدر عائلته من سلالة (ميران بكي) من منطقة ميروان الايرانية، غادر احد اجداده (عناية الله بك) الى قرداغ في السليمانية، توفي بعد استقراره بمدة قصيرة تاركا أبنه عبدالله (جد الشاعر) الذي اتجه للعيش مع عائلته في حلبجة، التي قضى فيها مرحلة الطفولة، تعلم تلاوة القران الكريم في البداية عند والده، وانتقل بين الكتاتيب الى ان انهى جزأين منه على ايدي عدد من رجال الدين في جامع باشا.
دخل أول مدرسة افتتحت في زمن الدولة العثمانية، واكمل الرابع ألابتدائي فيها، توفي الجد وحل الاب محله في الوظيفة في الديوان، لفتت انتباهه الدروس التي كان يلقيها الوالد في شرح اسرار الشعر وصناعته لاول مرة، وعرض النصوص الشعرية لمختلف الشعراء، فشعر بتآلف روحي بينه وبين الشاعرين (طاهر الجاف واحمد مختار الجاف) اللذين تخرجا على يدي والده الذي انتقل الى جوار ربه عام ١٩١٩، تكفل الاخ الكبير محمد برعايته فادخله المدرسة العلمية في كركوك، اكمل فيها ثلاث سنوات بعد الابتدائية، حتى اغتيال أخيه، مما اضطر الى ترك المدرسة ليتفرغ كليًا لاعانة اسرته المنكوبة.
اختار لنفسه لقبا مستقلًا يطلق على اكبر القبائل الحضرية الكوردية، ذات الشهرة التاريخية واسعة النفوذ الواسع، التي كانت على خصام تقليدي مع عشيرة الجاف المعروفة ، وما ذلك الا بارقة وعي في ذهن الشاب الشاعر، ومقت للروح العشائرية والتقليدية البالية.
كان لطبيعة مدينته التي تفاعل مع جمالها في طفولته الاثر الكبير في خلق الاحاسيس الرومانتيكية المرهفة من حب للطبيعة، واحتواء جمالها الرائع والاندماج بها، فاصبح يحب بهجة الحياة على الرغم من البؤس واليتم المبكر.
عمل معلمًا في عدد من قرى السليمانية (١٩٢٥ – ١٩٢٧) ونقله العلامة توفيق وهبي الى دائرة الأشغال والمواصلات حين كان مديرا عاما للاشغال حينذاك.
سافر اثناء الحرب العالمية الثانية الى فلسطين وعمل مديرا للقسم الكوردي في محطة اذاعة الشرق الادنى، التي اسسها الانجليزفي يافا( ايلول ١٩٤٢ – مايس ١٩٤٥) بترشيح من حزب هيوا، وقد كرس جل وقته لتوعية الناس ضد خطر الفاشية خاصة والاستعمار عامة، الامر الذي ضايق الانكليز فاخذوا يسيئون معاملته، فاضطر الى ترك العمل والعودة الى العراق، وأجبر على الاقامة في اربيل، وعمل محاسبا في احدى مكاتبها حتى نهاية ١٩٥٠.
عرجت البنا الى حياته الشعرية
وقالت : شهدت تلك الفترة انعطافًا اساسيا في نظرته الى العالم، وتحولا فكريًا عنده، فمن الشعر الرومانتيكي (الحب والغزل والوصف) الى الثوري والنضال الوطني، وقد اعتقل في حكومة نوري سعيد في مدد زمنية مختلفةً اربع مرات ، ففي عام ١٩٥٠ اودع السجن لمدة سنتين بتهمة باطلة، بسبب قصيدة نظمها بعنوان (اللحن الاحمر لكوريا البطلة) ضد الاحتلال الامريكي.
بعد خروجه من السجن ١٩٥٢، عين رئيسا لتحرير جريدة (زين الحياة) حتى ايلول ١٩٥٤، جعل منها جهازا ضد الاستعمار والكفاح من اجل توطيد السلم، وتعرض بسبب كتاباته الثورية الى السجن والنفي والتعذيب.
وفي نهاية محاضرتها أكدت البنا، انه يمكن اعتبار كوران اكبر شاعر في تاريخ الادب الكوردي المعاصر من حيث الابداع للأشكال الفنية والأنواع الأدبية المختلفة، اذ سخر طاقات اللغات الخمس التي يجيدها ( التركية الفارسية الانكليزية العربية والكوردية) لخدمة اللغة الكوردية وآدابها، فارتبط بعلاقة خلق متساو مع (حافظ ، الخيام، عشقي، أبي تراب جلي، ناصر خسرو، نامق كمال، توفيق فكرت، جلال نوري، ناظم حكمت، شيللي، كيتس، الرصافي ، الجواهري).