التآخي ـ وكالات
بمقال في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية للكاتبة، حنان شتاينهارت، تحت عنوان “حماس ستبقى في السلطة: كُشف النقاب عن دوافع نتنياهو الخفية”؛ تقول شتاينهارت إن هناك “حقيقة بسيطة، لكنها مؤلمة”، وهي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يفضل أن تحكم حركة حماس “الضعيفة” قطاع غزة، لتعزيز نفوذه وتجنب الاعتراف ببدائل اخري، قد يعرضها المجتمع الدولي لحكم القطاع.
وتوضح الكاتبة، قائلة إن الجيش الإسرائيلي أنهى القتال العنيف في قطاع غزة منذ أكثر من شهرين. وفي ذروة الاجتياح البري كان هناك نحو عشرين لواءً في القطاع، أما مع بداية نيسان الماضي، فقد غادرت الفرقة 98 القطاع، لتكمل إسرائيل إجلاء نحو 95% من جنودها في غزة.
وتضيف الكاتبة “لقد تُرك الرهائن ورفح وراءهم، وهما شريان الحياة الرئيس لحماس”.
وبالنسبة لكاتبة المقال، فإن إسرائيل أنهت المناورة البرية في غزة و”فقدت طواعية جميع أدوات الضغط” على حماس منذ تشرين الأول إلى كانون الأول 2023، ولا زال القضاء على حماس أمراً بعيداً، ولا زال بقاء الرهائن داخل الأنفاق، “أمراً مثيراً للقلق”.
وتلفت شتاينهارت الى أن نتنياهو يفضل أن تبسط حركة حماس، بعد إضعافها، سيطرتها على القطاع وتحكمه، على أن تتولى جهة اخرى تحظى باعتراف المجتمع الدولي مقاليد الحكم، وتتعاون معه.
وأشارت الكاتبة إلى إعلان القناة 12 الإسرائيلية، مؤخرا، عن دراسة خيار دولي لحل أزمة غزة من الممكن بموجبه، أن يعين مجلس الأمن سلطة انتقالية دولية وقوة عمل يختارها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تدخل إلى غزة لمدة محدودة مدتها خمس سنوات.
وفي تلك المرحلة سيتم التأسيس لدولة فلسطينية، وبناء هيئات حكومية في داخل القطاع، استعداداً لإجراء انتخابات بعد خمس سنوات.
وتوضح الكاتبة أنه لن يكون ممكناً، في مرحلة ما بعد حماس، تجاهل القضية الفلسطينية ومطالب الولايات المتحدة والعالم في هذا الصدد. وهذا سيؤدي مباشرة، حسبما تقول، إلى حل حكومة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش .
ووفقاً لها، فإن هذا هو المنطق الذي دفع سموتريتش إلى الإعلان في عام 2015 عن أن “حماس رصيد”. كما قال نتنياهو في اجتماع لحزب الليكود عام 2019 إننا يجب أن ندعم تعزيز حماس، على حد قولها.
وترى الكاتبة أن هدف نتنياهو الحقيقي من الحرب كان إضعاف حركة حماس “وليس القضاء عليها بالكامل”.
كما أنها ترى أن حركة حماس، “أُضعفت، لكنها حية وتسيطر على غزة”، كما أنها تشكل شريان الحياة الذي يسمح لنتنياهو بإبقاء الوضع الحالي كما هو عليه مقابل بقائه في السلطة.
وتختتم الكاتبة مقالها، قائلة إن “حماس ستظل مُسيطرة على غزة، إذ إن المصالح المشتركة هي ببساطة، أكبر من أن تسمح للجيش الإسرائيلي من أن ينجح”، لأن الحقائق هي التي تفرض نفسها، وليست تصريحات الحكومات.
وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قالا إنه بعد الحرب القائمة، يجب توحيد غزة مع الضفة الغربية، التي تحتلها إسرائيل، في ظل سلطة فلسطينية “يعاد تنشيطها”، تسيطر على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية بالتنسيق الوثيق مع إسرائيل.
من جهته المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، أكد مؤخرا على استعداد السلطة الفلسطينية لتولي المسؤولية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
ونوه إلى أن السلطة الفلسطينية ترسل منذ 30 عاما جميع احتياجات غزة من الكهرباء والماء والغاز، والصحة والتعليم.
وأشار إلى أن هناك 88 ألف موظف بين عامل ومتقاعد يتلقون معاشاتهم من ميزانية السلطة الفلسطينية، وفق أبو ردينة. وأضاف “مستعدون لتولى مسؤولياتنا في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، كما اتفقنا في أوسلو ووفق الشرعية الدولية”.
وفي عام 1993، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو برعاية أميركية ودولية، كأساس يفضي إلى تطبيق حل الدولتين بعد الاتفاق على ما صار يعرف بـ ” قضايا الحل النهائي”.
وبموجب اتفاق أوسلو انسحبت إسرائيل جزئيا من مناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتسلمت إدارتها السلطة الفلسطينية بقيادة، ياسر عرفات، الذي عاد إلى الأراضي الفلسطينية.
وبعد مرور هذا الوقت منذ الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، لا زالت الحكومة والمعارضة السياسية والمؤسسة العسكرية والرأي العام في إسرائيل، تدعم كلها استمرار هذه الحرب حتى تحقيق أهدافها المعلنة؛ وهي القضاء على حكم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وعلى قوتها العسكرية في قطاع غزة، واستعادة المحتجزين الإسرائيليين؛ لكن التباين أخذ يتسع بين معسكر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، اليميني المتطرف من ناحية، والمعسكر المناوئ له من ناحية أخرى، بشأن المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، الذين يبلغ عددهم 136 محتجزًا، بمن فيهم 34 محتجزًا أعلن الجيش الإسرائيلي أنهم باتوا في عداد الموتى. ويعطي المعسكر المناوئ لنتنياهو عقد صفقة لتبادل الأسرى مع حماس أولوية، ويدعو إلى التوصل إليها قبل فوات الأوان، وذلك خلافًا لموقف نتنياهو ومعسكره الذي يُخضع مسألة المحتجزين لتحقيق هدف الحرب الرئيس المتمثّل في القضاء على حماس ومنعها من العودة إلى إدارة القطاع بصورة كلية.
وفي سياق سعي نتنياهو لتحسين صورته، وتعزيز شعبية حزبه ومعسكره في المجتمع الإسرائيلي، التي تضررت كثيرًا بعد عملية “طوفان الأقصى”، أخذ يطلق مواقف أكثر تطرفًا فيما يتعلق بأهداف الحرب في غزة، ومجمل القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، صار يتحدث عن تحقيق الانتصار المطلق هدفًا أساسيًّا للحرب، وهو ما يستدعي استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة شهورًا طويلة، وربما سنوات.
وبمرور الوقت، طرح نتنياهو تصوره لليوم التالي للحرب في وثيقة مقتضبة، أكدت مواقفه السابقة، وشددت على التمسك باستمرار السيطرة الأمنية على قطاع غزة تمامًا كما هي الحال في الضفة الغربية المحتلة، وعلى إقامة جدار أمني فوق الأرض، ويمتد داخل الأرض على الحدود بين القطاع ومصر، ورفض السماح بعودة السلطة الفلسطينية مهما كانت طبيعتها إلى القطاع، وتكريس الانقسام بين القطاع والضفة الغربية، وإنهاء نشاط وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا” في قطاع غزة، ومنع قيام دولة فلسطينية، بحسب صحيفة هآرتس الاسرائيلية في 23/2/2024.
ويقاوم نتنياهو الضغوط الأميركية التي تدفع في اتجاه وضع مقاربة واقعية للتعامل مع كل هذه القضايا، ويقاوم أيضًا الضغوط، التي يقودها من داخل حكومته، شريكه في حكومة الطوارئ، أي “المعسكر الرسمي” بقيادة بيني غانتس.
وبحسب المحللين، يستند نتنياهو، في سعيه لفرض أجندته ومواقفه السياسية، إلى عناصر قوة عدة، أبرزها الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها منصب رئيس الحكومة في النظام السياسي الإسرائيلي، وإلى انزياح المجتمع الإسرائيلي، لا سيما في أثناء هذه الحرب، إلى قيم اليمين، واليمين المتطرف، ومواقفهما، وإلى الإجماع الإسرائيلي المستمر في تأييده للحرب والرغبة في الانتقام، وجعل الفلسطينيين يدفعون ثمن القيام بعملية 7 تشرين الأول 2023. ويستند نتنياهو أيضًا في تمسكه بمواقفه إلى استمرار تماسك معسكره خلفه، ودعم الولايات المتحدة الأميركية لاستمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها، وإلى ضعف المواقف العربية وعدم استغلالها عناصر القوة التي تملكها للعمل على وقف الحرب، بحسب قولهم.
وتبنى نتنياهو في المدة الاخيرة مواقف أكثر تشددًا في المفاوضات غير المباشرة، التي تجريها إسرائيل مع حركة حماس فيما يخص صفقة تبادل الأسرى؛ فهو يرفض تقديم أي تنازل يُفهم منه أن حماس فرضت إرادتها على إسرائيل، بخاصة مطلب وقف الحرب. ويخشى أن يؤدي وقف القتال، وفق مراحل الصفقة المقترحة لمدة زمنية متواصلة تمتد عدة شهور، إلى خلق أوضاع إسرائيلية داخلية وأخرى دولية، بحيث تجعل استئناف القتال صعبًا، لاسيما إذا ما عارضت الإدارة الأميركية ذلك. ويتخوف كذلك من انهيار ائتلافه الحكومي، إذا جرى التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بخروج أحد الحزبين المتطرفين أو كليهما؛ القوة اليهودية بقيادة إيتمار بن غفير، والصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش.
ويسود شبه إجماع في إسرائيل على ضرورة استكمال العملية العسكرية في قطاع غزة، باحتلال رفح بعد الانتهاء من معركة خان يونس، والسيطرة على بعض المخيمات والبلدات الواقعة في المنطقة الوسطى من القطاع، مثل مخيم النصيرات ودير البلح؛ لكن عقبات عدة تواجه العملية العسكرية في رفح التي يعيش فيها نحو 1.5 مليون فلسطيني، منهم نحو 1.2 مليون من المهجّرين من شمال ووسط القطاع ومن خان يونس. وقد يؤدي أي هجوم للجيش الإسرائيلي على رفح إلى إبادة واسعة النطاق للفلسطينيين في هذه الحرب التي راح ضحيتها حتى الآن الوف القتلى والجرحى والمفقودين. وقد يؤدي هذا الهجوم أيضًا إلى تهجير واسع للفلسطينيين نحو سيناء، ويقود كذلك إلى قتل العدد الأكبر من المحتجزين الإسرائيليين، الذين تعتقد إسرائيل أن قسمًا كبيرًا منهم محتجز في رفح.
وبناء عليه، تستدعي أي عملية عسكرية في رفح اهتمامًا دوليًّا وإقليميًّا كبيرًا، بخاصة من الجانبين المصري والأميركي.