كفاح الآلوسي
ما أن ترد أسماء كبار المفكرين العرب أمثال محمد أركون ومحمد عابد الجابري وفؤاد زكريا وحسن حنفي وحسين مروه حتى يأتي معها اسم الدكتور حسام الآلوسي الباحث والفيلسوف العراقي.
هذا الشخصية الكبيرة، التي أعطت الكثير من جهدها ووقتها من اجل إرساء أسس متينة للفلسفة. لا في الفضاء الأكاديمي كأستاذ جامعي حسب بل وفي المحافل والمؤتمرات والندوات العربية التي حضرها ومثّل العراق فيها خير تمثيل، حتى عده الباحث المصري محمود أمين العالم “أحد عشرة مشتغلين بالفلسفة في الوطن العربي”. كما قام حميد المطبعي عام 1993 في موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين بتأليف كتاب كامل عنه عادا إياه أحد المع واهم المفكرين العراقيين المشتغلين في حقل الفلسفة. ووصف احمد محمود صبحي انجاز الآلوسي بقوله (أني أقدر فيه الدراسة المتأنية لموضوعات غامضة دقيقة. إن بحثه عن شيئية المعدوم وصل فيه إلى نتائج خالف فيها من سبقه إلى دراسة هذا الموضوع).
تبنى الآلوسي (فلسفة العلم) منهجا عريضا في كل دراساته وبحوثه ومؤلفاته. ولم يحد عن ذلك طوال مسيرته الفكرية. تلك الفلسفة التي تبنت المنهج التطوري والجدلي التاريخي وصولا إلى المنهج التكاملي الذي يدرس الفلسفة “كأحد ميادين الحياة بجانب العلم والدين والفن والمصالح السياسية والاقتصادية والفلكلور وأحلام اليقظة”.
وله في ذلك أكثر من ثلاثين كتابا، وعشرات البحوث الأصيلة التي قام بنشرها في الدوريات والمجلات العراقية والعربية. حيث كتب العديد من القراءات النقدية لتراثنا العربي الإسلامي، التي ضمّنها في كتبه (حوار بين الفلاسفة والمتكلمين) و (مشكلة الخلق) و (الزمان في الفكر الديني والفلسفي). هذه الكتب التي تعد بحق إضافة نوعية إلى طرق المعالجة والبحث والكتابة في التراث العربي الإسلامي. وصولا إلى كتابه (حول العقل والعقلانية العربية) الذي جاء مثالا رائدا في التحليل الفكري والفلسفي للعقل العربي في هذه المرحلة الحاسمة من تأريخ امتنا العربية في مواجهة العولمة وغطرسة القطب الواحد. وخلص إلى ضرورة الالتفات إلى حقيقة الصراع الدائر اليوم وهو ليس صراعا فكريا دينيا في الأساس بل هو صراع اقتصادي استعماري ـ على حد تعبير فتحي غنيم.
وللآلوسي كتاب مهم آخر بعنوان (الفلسفة – آفاقها ودورها في بناء الإنسان والحضارة) هذا الكتاب الذي انطلق فيه الآلوسي متفلسفا ً عائدا بنا إلى بواكير الفلسفة الأولى، محاولا الإجابة على (متى بدأ التفلسف وكيف، والفلسفة أمام الكون والإنسان، والفلسفة والحياة، والفلسفة والمنهج الأمثل، وواقع الفلسفة في مجتمعنا العربي. وتكامل العلم والفلسفة، والفلسفة ودورها في بناء الوعي الحضاري للإنسان) والكتاب لا يقف عند حدود هذه الأمور بشكل مدرسي أو تاريخي صرف، بل أشرك المؤلف نفسه طرفا في كل الأمور التي ثار حولها الجدل، بفكر نير مستند إلى العلم والمعرفة المتقصية والموضوعية، والاستعانة بجملة علوم انثروبولوجية ونفسية فضلا عن حقائق العلم اليوم. آملاً في مقدمة مؤلفه هذا “أن يكون الكتاب بداية لمناقشات ومجادلات فكرية مستقبلا ً فذلك أهم درس نتعلمه من الفلسفة، كونها تعلمنا الجدل وقبول الرأي والرأي الآخر” حسب رأيه.
أما كتابه (دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي) الصادر في أوائل التسعينيات، فهو برأيي ـ من أهم كتبه على الإطلاق، كونه احتوى على توضيح كامل لمنهجه في دراسة تاريخ الفلسفة أو أي حقل أو موضوع من حقولها وموضوعاتها.. حيث افرد لهذا الكتاب مقدمة طويلة تغطي أربعين صفحة شرح فيها مناهج الفلسفة وضرورة الأخذ بالمنهج التاريخي الجدلي، الذي ألزم به نفسه في كل بحوثه السابقة واللاحقة حتى آخر حياته. معتقدا ـحسب رأيهـ بعدم جدوى وعقم المناهج الأخرى كالمنهج الوضعي والتحليلي والبرغماتي وغيرها.
كما ان له كتاباً قيماً آخر عنوانه (الفن ـ البعد الثالث لفهم الإنسان) تطرق فيه لأهم الفلاسفة الذين بحثوا في هذا المجال، مستعرضا ومناقشا ً أهم آرائهم ونظرياتهم الفلسفية حول طبيعة الفن بكل تفرعاته، مؤكدا ً على أهمية الفن كبعد ثالث إلى جانب العلم والفلسفة لفهم الإنسان، باعتبار الفن شكلا مستقلا من أشكال الوعي، كما انه يغطي جانبا مهما بالنسبة للفرد والمجتمع يتوازى مع جوانب المعرفة الأخرى العلمية أو الفلسفية ويكملها. معتبرا ً كل هذه الجوانب من الحياة متصلة وغير منفصلة ويجب دراستها ككل متكامل.
أما كتابه (في الحرية. مقاربات نظرية وتطبيقية) فهو من أجمل الكتب التي قرأتها له، حيث تصدى بعقل حر لمشكلة الحرية بأبعادها الفلسفية النظرية والاجتماعية والتطبيقية، في عالمنا العربي والإسلامي عموما ً، وبلدنا العراق خصوصا ً في محاولة مخلصة منه لإثراء العقل العراقي والمشتغلين في الحقل السياسي بالذات على أهمية الالتفات إلى هذه القضية الحساسة وما يتعلق بها من مفاهيم ومشاكل أخرى. معرجا في الفصل الرابع من الكتاب إلى مفهوم وواقع الحرية في الديمقراطيات الثلاث (اللبرالية والاجتماعية والماركسية) شارحا لها، مبينا رأيه الخاص في كل واحدة منها.. مؤكدا على دور العقل والمعرفة في توسيع الحرية الاجتماعية والسياسية، وعلاقة ذلك كله بمفهوم الحوار ما بيننا كأفراد وبيننا وبين السلطة بكل تفرعاتها. وختم بفصل تطبيقي شيق حول الديمقراطية في العراق بعد الاحتلال وكيف هو حالها وما رأيه بها، وما يأمل أن تكون عليه. وهذا ما يشي به الفصل السادس الذي جاء بعنوان (نحو ديمقراطية ترتكز على حركة تنويرية) مناقشا ً العملية الانتخابية، واضعا ً أصبعه على الجرح حين يقول: لا عملية انتخابية ديمقراطية من دون “ناخب/ حر/ واعٍ “.
وله كتب أخرى لا تقل أهمية عما ذكرناه سلفا، من مثل (فلسفة الكندي) وكتابين عن (ابن رشد) وكتاب (من المثيولوجيا إلى طاليس) و (التطور والنسبية في الأخلاق).. الخ وكلها كتب أصيلة تستحق منا الدراسة المتأنية، وفيها يتجلى منهجه العلمي ورصانة أسلوبه وعمق تفكيره.
هذا ناهيك عن ديوانه الشعري (زمن البوح) وهو الديوان الذي جمع فيه كل أشعاره وضم بين دفتيه كل خلجاته ولواعج نفسه.