اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 30- 4- 2024
من منشورات دار التأخي ببغداد بطبعته الاولى عام 1973 في مطبعة ( دار السلام ببغداد) هناك كتاب بعنوان ( مسيرة العشرة آلاف ” عبر كوردستان”) تحت عنوان فرعي ( زينفون). وفي أعلى الصفحة الاولى داخل الكتاب مذكور اسم ( اسماعيل محمد علي النائب)، وهناك اشارة الى ان الكتاب من ترجمة ( المهندس صلاح سعد الله)، وان الذي أشرف على الطبع ووضع الكشّافات ( حسين فيض الله الجاف- صاحب المكتبة المشهورة البدليسي ببغداد- شارع فلسطين التي كانت قائمة حتى وفاته بعد 2003). وقد ورد تحت عنوانين فرعيين ( الزحف الى كوردستان و الدخول الى كوردستان) ما يلي:
– ” الزحف الى كوردستان: كان موقف الاغريق حرجا بعد مقتل قادتهم، فعقدوا مجلسا حربيا قرروا فيه متابعة مسيرة العودة فعبروا نهر الزاب وبعد صد عدة غارات شـــــــــــنها ( ميتريداتس) الفارسي وصلوا إلى نهر دجلة وكانت هنالك مدينة كبيرة مهجورة تدعى لاريسا سكنها الميديون سابقا ولها حيطان سمكها خمسة وعشرون قدما وارتفاعها مئة قدم ومحيطها ستة اميال. كانت المدينة مشيدة من اللبن الطيني مع قاعدة حجرية سمكها عشرون قدما. وعندما استولى الفرس على امبراطورية الميديين حاصرها ملك الفرس لكنه فشل في احتلالها، ثم غطت غيوم كثيفة المدينة وسترتها عن الانظار فهجرها سكانها وسقطت. كان هنالك هرم حجري قرب المدينة وعرضه مئة قدم وارتفاعه مئتا قدما وقد لجأ كثير من القرويين الى قمته. يقول ( رويستون پايك) فى كتابه اكتشاف الاشوريين: ( ان زينفوان كان مخطئا وان المدينة المهجورة لم تكن لاريسا بل نمرود- المترجم).
وبعد مسيرة ثمانية عشر ميلا وصلوا الى حصن كبير قرب مدينة تدعى ( مسيلا) كان يقطنها الميديون في الماضي. ( يظهر ان هذا اصل تسمية مدينة الموصل- المترجم). كانت قاعدة الحصن من الحجر الأملس وكان عرضه خمسين قدما وارتفاعه خمسين قدما ايضا، على قمته شيّد حائط من الآجر عرضه خمسون قدما وارتفاعه مئتا قدما وكان محيط الحصن ثمانية عشر ميلا. ومن المفروض ان ميديا زوجة الملك لجأت الى الحصن عندما فقد الميديون أمبراطوريتهم الى الفرس ولم يتمكن ملك الفرس من الاستيلاء عليه رغم هجومه المتكرر وانتظاره الطويل ولكن زيوس أرهب السكان بصاعقة فسقطت المدينة. ( يعتقد هايك ايضا: ان هذه المدينة المهجورة كانت نینوی ولیست مسيلا ويؤكد ان تسمية لاريسا و مسيلا كانت خاطئة حيث اعتمد زينفون على قصص القرويين الجهلاء، ويلاحظ أن زينفون يذكر مراراً الخرائب الميدية، ويشير الى الميديين في الماضي ممّا يثبت انقراض الميديين قبل المسيرة واندماجهم، كما يعتقد بالشعب الكوردي. وقد شملت ميديا المنطقة الواقعة بين کوردستان ايران الحالية ونهر دجلة- المترجم). ثم جاءت مسيرة اثنى عشر ميلا ظهر فيها تيسافرنس لمطاردة الاغريق ولكنهم تخلصوا من مضايقاته بعد مناوشات قصيرة وبعد خمسة ايام وصلوا الى موقع حصين جدا فمن جهة ارتفعت الجبال الشاهقة ومن الجهة الاخرى كان النهر العميق. ( كان الاغريق قد وصلوا عندئذ منطقة زاخو ويظهر ان المكان المقصود بالموقع الحصين، حيث ترتفع جبال شاهقة من جهة ويجري النهر العميق من جهة اخرى، هو مضيق زاخو المعروف باسم [ المضيق الابيض] [ گه لي بي سپي]، فیصبح موضع الاغريق حينئذ بين الجبل الابيض ونهر دجلة- المترجم). عقد الجنرالات اجتماعا واستجوبوا الاسرى عن المنطقة حولهم فقالوا ان جنوبها يقع على طريق ( بابل) و ( ميديا) وذلك كان طريق قدومهم، والطريق شرقا يؤدي الى ( سوسا) وأكباتانا ( همدان الحالية- المترجم). وقيل انها عاصمة الملك الصيفية، أما عبور النهر غربا فانه يؤدي الى ( ليديا) و ( أيونا) والطريق شمالا عبر الجبال يؤدي الى الـ ( كردوخي) ( الكورد- المترجم). واضافوا أن هؤلاء الناس عاشوا فى الجبال وهم قوم محارب شجاع وليسوا خاضعين للملك. والحقيقة أن جيشا ملكيا تعداده مئة وعشرون الفاً هاجم بلادهم مرّة ولم يرجع نفر واحد منهم بسبب طبيعة الارض الفظيعة التي مرّوا بها. ولكن فى المناسبات التي عقدوا فيها معاهدات مع الحاكم المسيطر على السهل نشأت علاقات متبادلة طيبة بين الكورد وسكان السهل. فكّر الجنرالات بأنّ عليهم غزو بلاد الكورد عبر الجبال لانهم، حسب أقوال الاسری، سيظلون بعد مرورهم بهذا القوم الى أرمينيا، وهي بلاد كبيرة غنية يحكمها أرونتاس، ومن هناك يَسهُل التنقل في جميع الاتجاهات. قدّم الاغريق القرابين كي يبدأ زحفهم في الوقت المناسب، ولكن القلق ظل يساورهم لاحتمال احتلال المضيق الجبلي قبل تقدمهم، لهذا اصدروا الاوامر بالاسراع في الرحيل.
الدخول الى كوردستان: استأنف الاغريق زحفهم تحت جنح الظلام، وقبل انبلاج الفجر مباشرة كانوا يخترقون السهل فى اتجاه الجبل الذي بلغوهه صباحا، سار كريسوفوس في المقدمة مع جنوده وكل القوات الخفيفة. كذلك استجمع زينفون قواتـه من المؤخرة لتفادي خطر التعرض إلى الهجوم من تلك الجهة. وصل كريسوفوس الى القمة قبل ان ينتبه العدو ثم تقدم بثبات. وبعد عبور وحدات الجيش المختلفة من المضيق تبعته الى القرى الواقعة بين الجبال. وقد هجر الكورد بيوتهم حالا والتجأوا الى الجبال مع نسائهم واطفالهم مخلّفين ورائهم كثيرا من الطعام الذى استولى عليـه الاغريق. كما كان هنالك كثير من الاواني المنزلية مصنوعة من البرونز بين الاثاث البيتية. لم يأخذ الاغريق شيئا من هذا، كما انهم لم يطاردوا الاهالي حيث ارادوا اتباع سياسة اللين آملين من الكورد السماح لهم بعبور بلادهم بسلام، لكونهم أعداء الملك، أما الطعام فقد كان ضروريا ولهذا اخذوا كلما وقعت عليه ايديهم. ولكن عندما ناداهم الاغريق لم يعرهم الكورد اهتماما ولم يظهروا اي شعور بالصداقة نحوهم. كان الظلام حالكا حينما نزل آخر اغريقي من القمة الى القرى لان الصعود والنزول استغرق النهار كله بسبب وعورة الطريق، وفي هذا الوقت تجمع بعض الكورد وهاجموا مؤخرة الاغريق فقتلوا قسماً بالحجارة والسهام، وجرحوا آخرين ولو ان عددهم كان قليلا بسبب مباغتة الجيش الاغريقي لهم. والحقيقة ان الفناء كان محتما لجزء كبير من الجيش الاغريقي لو أن عدد المهاجمين كان أكبر في هذه المناسبة. ( تعرض المرتزقة الأغريق لهجوم الكورد قرب مدينة زاخو كما ان اتصال الاغريق بالكردوخى- الكورد- تم اولا في المنطقة من كوردستان- المترجم). عسكر الاغريق تلك الليلة فى القرى اما الكورد فانهم أوقدوا عددا من المشاعل على الجبال لتبادل الاشارات فيما بينهم. اجتمع جنرالات الاغريق ثانية فى الفجر وقرروا أخذ اقوى حيوانات الحمل وللضرورة القصوى فقط، وترك بقية العبيد الذين قبض عليهم مؤخرا، لان العدد الكبير من حيوانات الحمل والعبيد يعرقل المسيرة ويشغل عددا من الرجال المسؤولين ويضعه خارج الوحدات الفعالة، ثم أن العدد الكبير في المسيرة يتطلب كميات مضاعفة من الطعام. وبعد اتخاذ هذه القرارات أصدروا امراً بواسطة النذير لتنفيذه حالا. تابع الاغريق المسيرة بعد الظهر، واصطّف الجنرالات عند نقطة ضيقة من الطريق لتجريد الجنود من المواد المحظورة. وقد امتثل الرجال للاوامر باستثناء حالات معدودة كأن يحب احد الجنود ولداً أو إمرأة جميلة. وهكذا تقدموا في ذلـك اليوم يقاتلون حينا ويستريحون احيانا اخرى وفي اليوم التالي هبّت عاصفة هوجاء لكنهم استمروا فى الزحف بسبت قلّة التجهيزات. كان كريسوفوس يقود الطليعة بينما سار زينفون في المؤخرة. وقام العدو بشن هجمات عنيفة وخاصة في المضائق وكلما سمح المجال للسهام والمقاليع مما ابطأ التقدم لضرورة مطاردة العدو ثم العودة بصورة متكررة. واضطر زينفون الى ايقاف التقدم مرارا عندما كان العدو يشن غاراته القوية، وكان كريسوفوس اعتياديا يأمر بايقاف تقدم رجاله ايضا، لكنه لم يتوقف في احدى هذه المناسبات، بل أسرع فى السير وأمر رجاله للحاق به. من الواضح أن شيئا غريبا كان يجري ولكن الوقت لم يسمح بالذهاب الى المقدمة للاستفسار، والنتيجة ان المسيرة تحولت الى انسحاب عام للمؤخرة. وهنا قُتل جندي اسبارطي شجاع يدعى ليونيموس بسهم أصاب جنبه واخترق درعه وسترته الجلدية. كذلك قتل باسياس الاركادي باصابة مباشرة في رأسه. عندما حط الجيش رحاله ذهب زينفون الى كريسوفوس وانتقده بمرارة لعدم انتظاره، ممّا اجبر الجنود على القتال والانسحاب في وقت واحد. واضاف زينفون: ( والآن قتل جنديان شجاعان ولن نتمكن حتى من استعادة جثتيهما او دفنهما). اجاب كريسوفوس: ( انظر الى الجبال واستحالة اجتيازها. أن هذا الطريق الوحيد الذي تراه ينحدر بشدة وتستطيع أن ترى الحشد الكبير من الرجال الذين يحتلون المضيق ويقومون بحراسته. هذا هو سبب اسراعي وعدم انتظاري. لقد حاولت الوصول قبل احتلال المضيق، وادلاؤنا يؤكدون عدم وجود طريق آخر). قال زينفون: ( عندي أسيران، فحينما كان العدو يضايقنا نصبنا كمينا وقتلنا قسما من الاعداء، ولكننا صممنا على أسر بعضهم للحصول على خدمات ادلاء يعرفون البلاد). إستُدعيَ الرجلان حالا وسئلا على انفراد للتأكد من معرفتهم مسالك الطرق الاخرى. ورغم تهديد أحد الاسيرين بشتى الوسائل فانه أصرّ على عدم معرفته بأي طريق آخر. ولعدم قوله شيئا يُستفاد منه، فقد قُتِلَ هذا الرجل على مرأى من الآخر. وقال الثانى ان سبب عدم افشاء الرجل سرّ لطريق آخر هو زواج ابنته من رجل يسكن في نفس الاتجاه. ثـم ذكر انه سيقودهم فى طريق صالح لسير الرجال والحيوانات. ولما سئل عن وجود اجزاء منيعة من الطريق اجاب انه من المحال عبور احدى المرتفعات اذا لم يتم احتلالها مسبقا. فتقرّر عندئذ دعوة الرؤساء والمشاة الخفيفة والثقيلة التسليح الى اجتماع لشرح الموقف وطلب من المتطوعين القيام بحملة لاحتلال المرتفع. وقد تطوع أريستونيموس و أجياس من المشاة الثقيلة التسليح و شيوس من المشاة الخفيفة التسليح، وكان للاخير قيمة عظيمة للجيش في مثل هذه الحالات”.
” بين برزخين” هو عنوان كتاب للاستاذ ناهي العامري صدر ببغداد بطبعته الاولى عام 2014 عن دار الثقافة والنشر الكوردية- بغداد زكان ضمن المجموعة التي طبعت لبغداد عاصمة الثقافة العربية، ورد في جزء من الفصل الثاني منها:
– ” أصحو دوما على حلم ما يشبه الندم، وتعتريني حسرة ما تشبه الأسف على ذاكرتي التي لم تقو على خزن صور لأبي قبل يوم عوقه، لا أتخيله واقفا أو ماشيا حين كان الفرح والزهو يغمرانني وقت أحلام البراءة الأولى.. لِمَ لَمْ أرهُ خلالها سليم الساقين وأصابع يده الشمال غير مبتورة؟. يا لتلك الأيام التي غادرتني كم هي صافية نهاراتها ومقمرة لياليها، ليت حياتي توقفت عندها، ليتها لم تغادرنا في ذلك المساء حين داهمت بيتنا تلك السيارة الصفراء وهي تجر وراءها غيمة من التراب المثار الذي غمر باحة دارنا حين حطت وسط فنائه. كنت وقتها في الصف الأول الأبتدائي ومدرستي البراعم تبعُد مسيرة ميل عن قريتنا، تلك القرية التي ربضت دهورا على صدر الغرّاف كنقطة دالة لحدود الشطرة. كانت الطرق النيسمية التي نهتدي بها في رواحنا وإيابنا تمتد بموازاة الضفة ملتوية ومتعرجة، وهي ليست ملكا للسابلة فقط، فلقطعان الماشية نصيب منها حين تدبّ مع الطلوع لمكان سراحها في الواحات والبراري المعشبة، ورواحها بعد انكسار الشمس عائدة لزرائبها، كنا نسلك طريقا خاليا من أثر أظلاف المواشي العميق فآثار اقدامها على كتف النهر الرخو كان قد ترك خطوطا محروثة يتعذر علينا المشي فوقها، كُنا نذرع المسافة بلا كلل ولا ملل، وما يشفع لنا تلك الأحاديث التي نتشاطرها عن أحلامنا البريئة والبسيطة، التي لا تعدو زغردة العصافير وهي تدغدغ أسماعنا طول الطريق أو دوائر ترسمها حصاة نرمي بها صفحة النهر، أو ضفدعة تنط فجأة أجفلها وقع أقدامنا، أو هبوب النسيم وهو يداعب خصلات شَعْرَنا ليبعثرها على وجوهنا، فتأخذ أناملنا بازاحتها مقرونة بضحكاتنا العفوية. كان للتو سؤال خطر في بالي عن علة غياب أمي قبل أن أجتاز الفسحة الترابية السويّة التي تعتلي رابية مطلة على بيتنا التي كانت أشبه بمحطة استراحة، حيث منع دوس أقدام الجمهرة فوقها زحف الحشائش والأشواك أرجأت عليها، وقد أعتادت أمي انتظاري عندها أثناء إيابي سؤالي حين لفتت انتباهي سحابة من الغبار تطارد سيارة صفراء داهمت بيتنا فجأة عندها أدركت أن أمرا جللا كان وراء غيابها غذذت السير بعد أن افترقت عن صاحباتي وسمرت ناظري نحو أبوابها لأتلقف وجوه المترجلين منها، وهي تشرعها أربعتها دفعة واحدة، ترجل السائق ولفّ حولها ليلتقي بآخر عند الباب الخلفي همّت سواعدهم لأعانة شخص على الأفلات من مكانه، سحباه بعناية الى طرف المقعد ثم لفّا ذراعيه حول عنقيهما وحضناه من وسطه وما أن صرت قريبا منهما حتى استقام أبي وسطهما ينط بساقه الشمال ويمناه ملفوفة بضماد سميك فضح بترها من الركبة، وكفه الشمال الملفوفة هي الأخرى بذات الضماد أوحت عن جرحها العميق، ارتبكت ولفتني سورة من الفزع والذهول ألا أن ناظري نحتا مشهده وهو يتأملني بنظرات كسيرة حنونة، فحانت منه عطفة خجولة مترددة نحو معاونيه وهو يتوسل بهم لقاء لحظة يعرب بها عن فرحته بلقائي، وما أن أمهلوه هنيهة من الوقت حتى تفوه بنغمة لن تمحى من ذاكرتي أبدا أمل حبيبتي.. قبل أن يقتادوه الى غرفة الضيوف. تلك النظرة المترعة بالحنان والعطف الأبوي لم تنضب عنده طوال فترة عوقه التي دامت ستة اعوام أخرى من حياتي، وكلما اشتد عودي ألفت عوقه وتأقلمت مع روحه الصابرة والمتطامنة على ما هو عليه، وطوال تلك الفترة يئست من عودة ذاكرتي وبدا لي أبي وهو معافى من العوق أثناء سنتي الأولى، لذا لم يخامرني ايما شك بعد اندحار الانقلابييين وجلاء غيمتهم السوداوية، وأنا أرفل بالفرح والأمل والتفاؤل، في أن فجرا قد بزغ من جديد بانتظار طلوع لن يغيب، وللوهلة الأولى حين امتثلت امام طلعته البهية اول مرة خلت أنها روت من نقاء الروح ما يحملها للوفاء وعدم البخل بحنان افتقدته يوم رحيل أبي الذي مكر له الانقلابيون وهو في طريق عودته، شعرت بأنه غادر برزخه وعاد من جديد ينط على عكازتين خشبيتين، خيّل لي أن تلك النظرات التي تشيعني بعد الوداع حين ينكمش النهار وانقضاء ساعات العمل هي نفسها حين كان أبي يشيعني بها لغاية ما أتوارى عن ناظريه وأنا أغذ الخطى صوب مدرستي ( البراعم) سالكة مع صاحبتي نيسم خال من أثر أظلاف الماشية وما أكثر المرات التي يصر بها على مرافقتي لغاية الفسحة الترابية الخالية من الحشائش والأشواك ليخفف عني تعب المسافة، ثم يعود متشبثا بكلتا عكازتيه المثبته على طرفيهما العلويين وسادتان جلديتان يضمهما تحت أبطيه وكفاه الممدودتان تحركانهما بالتناوب مع ساقه السليمة، ومع أنه أعتاد على ذلك رغما عنه بيد أني أشعر بوطأة ذلك الجهد الاستثنائي على كاهله والآلام التي تعتريه حين ألمحُ كفّهُ الشمال وهي تعتضد على الابهام والبنصر في معالجة آلية تنقله. هكذا دفعتني سجيتي لتصديق أن فجرا جديدا قد حلّ بعد هزيمتهم. تلك السجية التي غرسها أبي في أعماق روحي حين كان لا يكف كلما صادفني عن ترديد عبارة: أنت أمل التي يخافها الأنقلابيون”.