الصحافة الرياضية كالفلسفة السلسة

 

كرم نعمة

عندما كنا نقرأ في تسعينات القرن الماضي المقالات المترجمة إلى العربية للجناح الطائر يوهان كرويف، والمايسترو فرانز بيكنباور، بوصفهما صحافيين أكثر من لاعبين سابقين كانا يصنعان الدهشة الحقيقية في الكتابة. فهما لا يكتفيان بالتحليل الرياضي التقليدي، وإنما كانا يبثان أفكارا ملهمة في مفاهيم كرة القدم

كان من المفيد أن استحث ذاكرتي لاستعادة تلك المقالات وأنا أكتب عن صحافة رياضية عربية تتردى بطريقة الحث الفيزيائية متأثرة بتردي التحليلات السطحية على القنوات الرياضية العربية

صحيح أن هذا التردي جامع ولا يقتصر على الخطاب الإعلامي الرياضي، لكنه يكاد يكون الأردأ، لسوء حظ كرة القدم والصحافة معا

هناك فراغ رياضي عميق كان يمرره هذا “الإعلامي الكبير” وهو ينزع الجلالة عن العمق التعبيري للغة ويهين كرة القدم عندما يعدها مجرد شجار حدث في مقهى شعبي!

ومع أن مثله لا ينجو من السخرية العارضة من قبل الجمهور في تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنني أعرض عليه “وهو عرض في كل الأحوال ليس علاجا للصحافة الرياضية العربية” ما كان يكتبه مدرب الأرجنتين الأسبق سيزار لويس مينوتي الذي حمل للمرة الأولى كأس العالم لمنتخب بلاده في مونديال 1978.

 

كان مينوتي شاعرا بمهنة مدرب كرة قدم وهو يكتب تحليلاته العميقة. ويمكن لنا أن نعد مدرب ليفربول يورغن كلوب محللا رياضيا حاذقا لمجرد أن نستمع إلى كلامه عند الفوز والهزيمة

لأنني أبدو متحمسا، فلدي مثال متميز وأنا أقدم لاعبة التنس الأميركية فينوس ويليامز بوصفها صحافية تكتب عن تجربتها الرياضية، علني أساعد على حث الصحافيين الرياضيين العرب لمغادرة مقاهي الكلام المكرر

وأيضا من المفيد استعادة ما يقوله مدرب مانشستر سيتي جوزيب غوارديولا بوصفه صحافيا رياضيا بوظيفة ناقد تشكيلي! لمجرد أن يدرك الصحافي الرياضي منا أن هذا المدرب قام بإضفاء طابع كرة القدم على كل شيء تعلّمه، من خلال تطبيق الأفكار في مجاله

لقد قضى غوارديولا وقتا مع المخرج وودي ألان ولاعب الشطرنج الروسي غاري كاسباروف. وهذا سبب منطقي يجعله يقضي ست ساعات عمل في مكتبه يوميا، بينما يدرب فريقه بالملعب ساعتين لا أكثر!

ولأنني أبدو متحمسا، فلدي مثال متميز آخر وأنا أقدم لاعبة التنس الأميركية فينوس ويليامز بوصفها صحافية تكتب عن تجربتها الرياضية، علني أساعد في هذه الأمثلة على حث الصحافيين الرياضيين العرب، لمغادرة مقاهي الكلام المكرر

قدمت لنا ويليامز، التي فازت بسبعة ألقاب كبرى وأربع ميداليات ذهبية أولمبية، نفسها هذا الأسبوع كصحافية في مقال ممتع بصحيفة نيويورك تايمز، بطريقة كيف تتأمل عالمها في التنس

تدافع في هذا المقال عن فكرة أن اللاعب بحاجة إلى المعالج النفسي من دون تردد مثل حاجته الدائمة للمعالج الطبي

وقيمة المقال ليست بالنصيحة التي تعرضها على زملائها الرياضيين، بل بالقدرة على صناعة الأفكار والدفاع عن جوهرها عند الكتابة في الشأن الرياضي. علينا ألا ننسى، هي عادة تمسك بمضرب التنس وتدافع بشكل ناجح، وليس بالقلم!

 

قد يعجبك ايضا