استهداف أصفهان: ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟

 

التآخي ـ وكالات

استهدفت ضربة بمسيرات مواقع في أصفهان الإيرانية. وبرغم عدم إعلان إسرائيل رسمياً عن تبنيها الضربة يؤكد خبراء دوليون أنها جاءت لتغلق احتمالات التصعيد مع إيران. فكيف ذلك؟ ولماذا أصفهان بالتحديد؟ وما هي الرسائل الموجهة لإيران؟

وبعد انتظار لم يدم طويلاً، تلقت إيران ضربة في عمق أراضيها. إذ جرى الإبلاغ عن ثلاثة انفجارات قرب قاعدة عسكرية في قهجاورستان الواقعة بين أصفهان ومطارها في وسط البلاد، وفق ما ذكرت وكالة “فارس” الايرانية الرسمية.

وبحسب صحيفة “هاارتس” الإسرائيلية فإن إسرائيل ضربت أهدافاً إيرانية ردّا على هجوم إيراني غير مسبوق بمسيّرات وصواريخ مؤخرا، وأن طائرات من دون طيار ضربت هدفًا عسكريًا بالقرب من أصفهان.

لكن الجيش الإسرائيلي قال لوكالة فرانس برس لدى سؤاله عن الأمر “ليس لدينا تعليق في الوقت الحالي”.

وفي سياق متصل قالت مصادر أمنية وحكومية إسرائيلية لصحيفة “جيروزاليم بوست” إن إسرائيل لن تعلن مسؤوليتها عن الهجوم على إيران لـ “أسباب استراتيجية”.

لكن المثير للجدل هو أن وسائل إعلام أمريكية، من بينها شبكة “إيه بي سي نيوز”، نقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن إسرائيل شنّت الضربة ضد إيران. ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن مصادر قريبة من الملف وعن مسؤول أمريكي أن إسرائيل أبلغت واشنطن مسبقاً بالضربة لكن الولايات المتحدة “لم توافق عليها ولم تشارك في تنفيذها”.

 

 

وذكر تقرير لـ “بلومبرغ” أن المسؤولين الإسرائيليين أبلغوا الولايات المتحدة يوم الخميس 18 نيسان 2024 أنهم يعتزمون شن ضربة في غضون 24 إلى 48 ساعة.

وبحسب وسائل إعلام مختلفة، فقد راجعت إسرائيل خططها لرد انتقامي سريع من إيران بعد مناقشات مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، على وفق ما أفادت هيئة الإذاعة والتلفزيون العامة الإسرائيلية “كان”. ونقلت صحيفة “هاارتس” الإسرائيلية عن التلفزيون الإيراني أن المواقع النووية لم تتضرر في الهجوم المبلغ عنه بعد الإعلان عن تفعيل الدفاعات الجوية، وهو ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضاً.

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فقد هُوجمت 9 أهداف في قاعدة للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري قرب أصفهان، فيما أكدت وكالة “فارس” سماع دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية.

وبشأن السبب وراء استهداف أصفهان يقول الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن “أصفهان هي العمق الاستراتيجي الأول لإيران بعد العاصمة طهران، كما أنها كانت العاصمة التاريخية الأولى للبلاد في أغلب عصور التاريخ الماضية”.

يضيف الخبير المصري في حوار أن “الثقل الاقتصادي والحضاري والسياسي يقع في أصفهان، كما أن بها مفاعل “نطنز” النووي الشهير، لكن الأهم هي القواعد العسكرية المنتشرة في تلك المحافظة، وهو ما يرسل إشارة بأنه إذا تمكنت جهة ما من ضرب أصفهان فهي قادرة على ضرب أي مكان آخر في إيران”.

ويقول خبراء إن الرد الإسرائيلي كان حتمياً لتؤكد إسرائيل أنها لن تسمح لأحد بحشرها في الزاوية، ولتأكيد أنه لا أحد كانت له الكلمة فيما إذا كانت سترد على قصف إيران لها أم لا، “فمن خلال تنفيذ مثل هذا الهجوم المحدود والخفي، أرادت إسرائيل الإشارة إلى إيران بأنها غير مقيدة من دون إثارة المزيد من التصعيد”، بحسب ما أكد الدكتور علي فايز، مدير “مشروع إيران” وكبير مستشاري رئيس مجموعة الأزمات الدولية.

ويرى خبراء أن هجوم أصفهان يشير إلى أن إسرائيل -إن كانت هي من يقف خلفه- قادرة على العمل بحرية نسبية في إيران، إذ بحسب المعلومات المتوافرة فقد أقلعت الطائرات من دون طيار بالفعل من داخل إيران، ما يعطي مؤشراً إما لتواجد اختراق إسرائيلي لإيران أو تواجد جهات داخلية لديها خلافات عميقة للغاية مع نظام الحكم الإيراني.

ونقلت قناة “برس تي في” الإيرانية عن مصدر مطلع أنه لم يقع أي هجوم من الخارج على مدن إيرانية بما فيها أصفهان، وأكد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عدم تعرض البلاد لأي هجوم صاروخي خارجي، ما أثار تساؤلات عديدة بشأن الجهة التي انطلقت منها الهجمة.

 

 

ويشير خبراء إلى أنه وعلى عكس جميع المخاوف الدولية، جاء الرد الإسرائيلي – غير المعلن – ليطمئن الجميع بعدم رغبة تل أبيب في التصعيد وذلك عن طريق ضربة محدودة وتكتيكية للغاية، لكنها في الوقت نفسه أرسلت إشارات ردع مهمة، من دون احتمال الدخول في حرب مفتوحة.

وفي هذا السياق يوضح الدكتور محمد محسن أبو النور إنه حتى الآن لم تُعلن إسرائيل بشكل رسمي أنها تقف خلف العملية، “بالنتيجة لا يمكن أن نشير إلى أن إسرائيل هي التي فعلت ذلك صراحة، لكن كل الترجيحات تقول إن الطرف الوحيد المستفيد من أي عملية كهذه في داخل إيران هو إسرائيل”.

الأمر الثاني بحسب الخبير المصري في الشأن الإيراني هو أنه حتى الآن ووفقاً لما وصل إليه من معلومات وتقارير “يوجد تضارب في الأنباء حول المكان الذي انطلقت منه تلك الطائرات المسيرة، فهناك جانب يقول إنها انطلقت من دولة مجاورة لإيران، يقول البعض إنها أذربيجان والبعض يقول العراق وهناك تقارير أيضاً تقول إن هذه المسيرات انطلقت من قلب إيران ومن أصفهان بالتحديد”.

ويرى أبو النور أنه “في الأحوال كافة، هناك انكشاف أمني إيراني كبير للغاية واختراق استخباراتي ومعلوماتي من جانب إسرائيل لإيران، وهذا بالمناسبة هو حديث الكتاب والسياسيين الإيرانيين المحافظين في الداخل الإيراني”.

ويضيف الخبير المصري في الشأن الإيراني أن “من يتابع الإعلام الإيراني المحافظ والموالي تماماً للدولة فسيرى انتقاداته الحادة للحكومة أكثر من مرة بسبب الاختراقات الأمنية الكبيرة التي كان آخرها تمكُن إسرائيل من ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق مع علمها بتحركات القادة العسكريين بدقة، بخاصة أن الضربة وقعت بعد أن غادر القنصل الإيراني وغادر جميع الدبلوماسيين الإيرانيين المكان، ما يعني أن إسرائيل كان لديها كل المعلومات والإحداثيات المتعلقة بالتحركات الإيرانية”.

الأمر نفسه يراه الدكتور على فايز، الخبير بمجموعة الأزمات الدولية الذي قال إن “إسرائيل عرضت نقاط الضعف لدى إيران في محاولة لإثبات رفضها لأي محاولات إيرانية أحادية الجانب لتغيير قواعد اللعبة”، مضيفاً أنه “قد لا يكون لدى الجانبين التفسير نفسه بشأن موقع الخطوط الحمر الجديدة”.

ويشير فايز إلى أن أحد الرسائل “ربما تكون محاولة إسرائيلية لاختبار أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية قبل القيام بعملية أكبر، ولكن بالنظر إلى الضغوط الأمريكية على إسرائيل، فقد يكون هذا هو مدى الرد الإسرائيلي في الوقت الحالي”.

 

 

وفي داخل إسرائيل استقبل البعض الضربة، التي وجهت للعمق الإيراني، بالاحتفال، إذ كتبت تالي غوتليف، النائبة عن حزب الليكود، على موقع اكس “صباح نرفع فيه رؤوسنا بفخر. إسرائيل دولة قوية”.

لكن على جانب آخر، رأى البعض أن الضربة لا تقارن أبداً بحجم الضربة التي وجهتها ايران لإسرائيل، ومن هؤلاء إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، الذي علق على الضربة الإسرائيلية في حسابه على موقع اكس بكلمة واحدة ” مهزلة!”، في إشارة إلى ضعف الرد الإسرائيلي على طهران.

وبحسب ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فإن هدوءا صبغ الموقف على الجانبين، فيما قللت شبكات التلفزيون وبعض المسؤولين في البلدين من أهمية الضربة، وهو ما أكده مسؤولون إسرائيليون وإيرانيون برغم تحذيرات إيرانية سابقة بأن طهران سترد على أدنى هجوم إسرائيلي على أراضيها.

وقالت دانا فايس، محللة الشؤون الدبلوماسية في القناة 12 الإسرائيلية “يمكن لإسرائيل القيام بمناورات عسكرية محدودة ليست صاخبة ولا تسبب أضرارًا عسكرية كبيرة ولكنها توصل الرسالة التي تريدها إسرائيل.. وهذا ما رأيناهم يفعلون”.

ووصف مسؤولون إسرائيليون الغارة بأنها رد محدود يهدف إلى تجنب تصعيد التوترات. ويقول النقاد في البرامج الإخبارية الصباحية إن الضربة لا يظهر أنها تسببت في أضرار كبيرة للمواقع العسكرية في إيران، بحسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز.

ويقول الدكتور على فايز، الخبير بمجوعة الأزمات الدولية في لندن، إن تقليل طهران من وقع الضربة “يظهر أنه جاء ليسمح لها بإغلاق هذا الفصل من دون مزيد من التصعيد”، وهو ما نقلته “سي إن إن” أيضاً عن مصدر استخباري إقليمي أفاد أن الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيران انتهت.

أما دينا اسفاندياري، المستشار الأول لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، فترى أن “إيران تحاول التقليل من أهمية الهجوم بتصريحاتها المتغيرة منذ وقوع الضربة، وأنها لا تظهر حريصة على تصعيد الصراع الحالي إلى حرب إقليمية”.

وقالت اسفاندياري إن “الهجوم الإسرائيلي على أصفهان كان رمزياً إلى حد كبير، لذلك يظهر أننا تجنبنا في الوقت الحالي أي تصعيد إقليمي كبير”.

قد يعجبك ايضا