هفال زاخويي
أي عقل سياسي في المنطقة برمتها- وبخاصة في الدول التي تتقاسم أراضي كُردستان- إن لم يقر بخطورة القضية الكُردية في حال ابقائها دون حل سلمي ديمقراطي سيكون عقلاً قاصراً عن الإستيعاب المتكامل لثوابت وقواعد ومباديء السياسة، فهذه القضية ليست قضية أحزاب وقيادات بقدر ما هي قضية أمة مغبونة تاريخياً تعدادها بعشرات الملايين، أمة لها كل مقوماتها وخصوصيتها اللغوية والجغرافية والتراثية، أمة لها قضية، وقضيتها لا تتعدى الحقوق المشروعة لأية أمة أخرى على وجه الأرض والتي تكمن في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، وليس في الإعتقاد بأن هناك عقلاً سليماً وفكراً واعياً يرفضان هذا المنطق، كما ليست هناك رؤية صائبة وموضوعية ترفض هذه الحقوق… فأين تكمن المعضلة فيما يتعلق بقضية الكُرد سيما في العراق…؟!الكُرد من بُناة وركائز الدولة العراقية الحديثة التي تأسست سنة 1921، فقد اختاروا -طواعية- الاندماج بالدولة العراقية الحديثة عندما احيلت قضية ولاية الموصل الى عصبة الأمم بعد فشل البريطانيين والاتراك في الوصول الى اي اتفاق بشأن ذلك، وفعلاً شكلت عصبة الأمم لجنة لغرض اعداد تقرير حول رغبة السكان في لواء الموصل في البقاء مع العراق او ان يكونوا جزءاً من تركيا، وفي الفترة من كانون الثاني الى اذار 1925 زار اعضاء تلك اللجنة المناطق المتنازع عليها وقد اوصى تقرير اللجنة في النهاية بأنه إن تم أخذ العامل العرقي بنظر الاعتبار عند حل مشكلة الموصل فعندها يجب تشكيل دولة كردية مستقلة *… لكن رغم ذلك اختار الكُرد الاندماج بالدولة العراقية الحديثة التأسيس، بناءً على الوعود التي تلقوها من البريطانيين والعراقيين – والتي وردت في المعاهدة البريطانية العراقية 1922 – تلك الوعود التي أكدت على إقامة حكم ذاتي للكُرد داخل العراق، وفي تموز 1926 صوتت عصبة الأمم لصالح توصيات اللجنة بالحاق ولاية الموصل بالعراق بشرط احترام الحقوق اللغوية والادارية للكُرد وسائر الأقليات، وللأسف تم التنصل من الوعود التي وردت في الاعلان البريطاني العراقي لسنة 1922 اثناء كتابة الدستور إذ لم يُشِر الدستور بأي شكل من الأشكال الى الحقوق الكُردية، إذ ورد حسب ذلك الإعلان: الاقرار البريطاني العراقي بحق الكُرد الذين يعيشون ضمن حدود العراق في تشكيل حكومة كُردية ضمن تلك الحدود والأمل في توصل الكُرد فيما بينهم الى اتفاق حول شكل الحكومة تلك، وتوجيه ممثلين مسؤولين الى بغداد للبحث في علاقاتهم الاقتصادية والسياسية مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية والحكومة العراقية .
تفاصيل تاريخية
من خلال هذه التفاصيل التاريخية المملة ينبغي القول أن القضية الكُردية هي قضية مزمنة داخل حدود الدولة العراقية، وهذا ما تؤكده اغلب الوثائق التاريخية وكذلك يؤكد الباحثون الموضوعيون في هذا الشأن، ولذلك يمكن القول: بأن اغلب من يقحمون أنفسهم في الشأن الكُردي من محللين سياسيين وباحثين وخبراء في هذه الأيام معلوماتهم مبتسرة وهزيلة وغير مدعومة بالوثائق والأدلة، وهذا بالطبع ما يؤثر وينعكس سلباً على الخطاب السياسي للكثير من الساسة العراقيين والذين يظنون بأن معلومات هؤلاء المحللين هي الحقيقة المطلقة…!
إن القضية الكُردية في العراق الحديث – كما أشرنا آنفاً- عمرها يتجاوز مائة سنة، وخلال هذه الفترة الزمنية برمتها لم يهدأ العراق وذلك نظراً للتعامل الأحادي الرؤية من قبل الأنظمة العراقية التي حكمت العراق سواء في العهد الملكي التابع للمعسكر البريطاني أو في العهد الجمهوري الذي تناغم مع المعسكر الشرقي حسب الوصف الكلاسيكي، وفي العهد الحالي أيضا والذي يعد فيه العراق مترنحاً في العلاقة بين الولايات المتحدة وبين القوى الإقليمية، فرغم السيادة العراقية لكن البلد ما زال يفتقر للقرار السياسي الوطني الخالص، وهذا الشيء بحد ذاته يؤثر بشكل مباشر للحيلولة دون الوصول الى حل وطني عراقي خالص و شامل للقضية الكُردية والتي تعد من أكثر القضايا تعقيداً وخطورةً على مستقبل العراق في حال بقائها دون حل جذري ضمن مبادي ومفاهيم الديمقراطية والفيدرالية والشراكة والتوازن تبعاً للدستور العراقي الدائم الذي تم اقراره بعد الاستفتاء الشعبي عليه سنة 2005.إنَّ الشعور بالمسؤولية الوطنية والتاريخية الجسيمة والتي من شأنها تجنيب العراق من تعقيدات المراحل المستقبلية يفرض على الساسة والزعماء العراقيين البحث عن الآليات والحلول الكفيلة في هذا الخصوص.
وهذه الحلول بكل تأكيد كامنة في مواد الدستور العراقي الذي يعد الوثيقة الأهم والمرجع الأساس والرئيسي للخروج من هذا المأزق الذي يعاني منه العراق، وسوف يظل يعاني منه إن بقي دون حلول جذرية، إذ لا يمكن ترحيل هذه القضية من خلال حلول ترقيعية واتفاقيات سياسية مرحلية هشة، فهذه قضية كل العراقيين وإن بقيت دون حل فالجميع خاسر والشعب العراقي بكل مكوناته