القسم الأول
اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 2- 4- 2024
هناك العديد من الكُتب والمصادر التي ورد فيها الكثير الكثير من تفاصيل عمليات الترحيل ( التسفير كما هو متداول بين الكورد الفيليين في بغداد حتى اللحظة) وما رافقها من ممارسات مختلفة جائرة وظالمة لم تهتم او تبالي بأبسط شروط حصول الانسان على حقوقه ضمن التعاريف والحقوق الموجودة عند منظمات حقوق الانسان المنبثقة عن الأمم المتحدة.
في هذا الإطار أصدرت دار ئاراس للطباعة والنشر، التي كانت سابقاً في اربيل عاصمة اقليم كوردستان [ حسب علمي فقد توقف نشاطها] في العام 2007 الطبعة الاولى لكتاب بعنوان ( الكتاب الأسود لصدام حسين) المطبوع باللغة الفرنسية عام 2005، والتي كان كريس كوتشيرا يُشرف عليها، وقد ترجمها الاستاذ ( خسرو بوتاني)، وقد طبعت في مطبعة الدار المذكورة فيما سبق ( دار ئاراس).
لقد ورد في القسم الذي كان بعنوان ( ترحيل الكورد الفيليين) منها، ما يلي:
– ” جينس أوه راهيه: صحفي ألماني يعمل في جريدة Suddensche zeitung في ميونيخ وقد أنجز عدداً من التقارير حول الدياسبورا الشيعية العراقية في أوروبا.
مقدمة:
حدث ذلك في ٢١ آذار ۱۹۸۲ مثلما هو الحال بالنسبة لعدد كبير من الشيعة الكورد كانت إيمان فرج قد قضت رأس السنة الكوردية [ يقصد عيد نوروز] مع عائلتها في النجف قرب مرقد الإمام علي. في المساء عند رجوعهم إلى بغداد لم تكن تتصوّر بأنّها تولج دارها لآخر مرّة. كان عُمرها ١٩ عاماً وتتذكر بدقّة تلك الليلة التي غيرّت مجرى حياتها.
( عُدنا مُرهقين وذهبنا إلى السرير مبكراً في حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل طرقوا على الباب. كان أفراد المخابرات وعددهم ستة أو سبعة رجال فأدركنا ما يجري بسرعة لأنّهم سبق وأن رحلّوا العديد من العوائل فجاء دَورَنا، وحينما حاولت والدتي الإعتراض هدّدوها بالقتل. لستم بحاجة إلى حقائب لأنكم سوف تعودون غدا. خاطب أحدهم والدتي واقتادونا كلّنا أبي وأمّي وأخواي الصغيرين وأخواتي الثلاثة حيث إحداها كانت حامل وزوجها).
ثمّة روايات عديدة من هذا النوع في عراق صدام حسين ما جرى لإيمان فرج حدث للعديد من العوائل العراقية في عهد البعث والقليل منهم فقط رأى بيته أو شقّته لأنّ النظام جرّدهم من الجنسية قبل طردهم من البلاد ولم يتمكن المُرحلون وأنسالهم من العودة إلا بعد سقوط النظام في عام ۲۰۰۳. جهاز قمع صدام حسين كان يهدد كلّ العراقيين مهما كان أصلهم السياسي والقومي والديني والاجتماعي في أي لحظة وفي أي مكان. ولكن مع ذلك فالترحيل والتهجير الجماعي كان خاضعاً إلى هدف محدّد: التغيير الديموغرافي وبالأخص الإضطهاد الجماعي لمجموعات معينة من المواطنين يُنظر إليها النظام بعيون مشبوهة. فهذا ما إنطبق على الكورد الفيليين لكونهم- كورد وشيعة- في ذات الوقت، ولذا لم يتساهلوا معهم أبداً.
الهوية ختم على الجبين:
يتذكر كريم عينة زرغوشي [ زركَوشي] جيداً كلمات والدته: ( كريم، ليس لدينا مشكلة واحدة وإنمّا عدّة مشاكل: فنحن كورد ونحن شيعة ولا نملك أوراق الهوية). قال هذا في بغداد عام ١٩٧٥ حينما كان عُمرُ كريم ١٦ سنة: وقد بدأ توّا إنتماءه السياسي رغم معارضة والدته لحمايته. هذه الكلمات تلخّص بوضوح الوضع البائس للكورد الفيليين في العراق حيث تم تهميشهم على عدّة مستويات، فككورد كانوا يشكلّون أقوى أقليّة إثنية في البلد، وبسبب مذهبهم وجدوا أنفسهم أقليّة وسط المجتمع الكوردي أيضا. وكشيعة كانوا ينتمون فعلا إلى أكثرية دِينية، ولكن في الواقع تعاملت الحكومات العراقية المُتعاقبة مع هؤلاء وكأنهم أقلية على الصعيد السياسي والاجتماعي. وفعلاً فالفيليون يشكلّون أقلية أيضاً وسط المجتمع الشيعي لأنهم كورد يتميزون عن الشيعة العرب والفرس على الصعيد القومي والثقافي. وعلاوة على هذا فبالإمكان إضافة مسألة الهوية الوطنية حيث أن على هذا الصعيد أيضاً يشكلّون أقلية، فقد كتبوا على هوياتهم العراقية ( من أصول إيرانية)، العبارة التي جعلتهم، أو على الأقل أوحت بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. وقد ذهب صدام حسين وكذلك البعث إلى النهاية في مَنطَقَهُم وسحبوا من الكورد الفيليين جنسيتهم العراقية قبل إعلانهم ( إيرانيين) وتسفيرهم إلى إيران.
الفيليون: الخصائص التاريخية والاجتماعية:
إكتسب الفيليون ( شهرة عالمية) بعد الكارثتين التي وقعتا على رؤوسهم في بداية سنوات السبعينيات ومن ثم في بداية الثمانينيات. غالباً يتم ربط الفيليين بالكورد تاريخياً، وكذلك فَهُم يعتبرون أنفسهم كورداً عراقيين أولاً رغم إعتزازهم بخصوصيتهم التاريخية والثقافية. بعض الكُتّاب يُقربّون الفيليين من المملكة العيلامية للشرق القديم التي كانت تشكّل المنطقة التي يسكنها الكورد في الوقت الحاضر. تشمل هذه الأراضي بشكل رئيس المحافظات المركزية الواقعة على الحدود العراقية- الإيرانية: لورستان، کرماشان، عیلام، وخوزستان في إيران وديالى وواسط وميسان، وكذلك الجزء الشرقي من بغداد في العراق، وثمة واقع يجب ملاحظته وهو أن القسم الأعظم من الكورد الفيليين يعيشون خارج الولايات الكوردية: خانقين، مندلي، بدرة، بغداد، الكوت، والعمارة. ونجد عندهم بعض الإختلافات الاقليمية في اللهجة خاصة بين الفيليين العراقيين والفيليين الإيرانيين، ولكن من الناحية القومية والتاريخية فهم يشكلّون نفس المجموعة من الشعب حيث يسمونهم ( لور) في الطرف الإيراني و ( فيليون) من الجهة العراقية. يربطون كلمة فيلي غالباً ببيلي أو بايلي وقد جاءت التسمية من اسم ملك عيلامي وسلالته ( في حدود ٢٦۷۰ إلى ۲۲۲۰ قبل الميلاد). وثمة تفسير آخر يقول بأنّ كلمة فيلي نَبعَت من عبارة بهلة، وهذه بدَورها يجوز بأنها قد أتت من بارتيا التي هي إيران ومن الإمبراطورية البارتية. وإعتباراً من القرن الثالث الميلادي أستخدمت عبارة بهلة لتعيين المناطق المأهولة بالفيليين. مَرَّ إنتماء الفيليين إلى المذهب الشيعي بمرحلتين متميزتين فبين عام ٦٣٦ ميلادية وإلى عام ٦٤٢ ميلادية إحتلّت القوات الإسلامية الآتية من سوريا وادي الرافدين وجبال زاكَروس الواقعة في الشمال الشرقي. هذه المناطق الأخيرة كانت تتبع سابقاً للإمبراطورية الساسانية، فإنتشر فيها الإسلام السنّي، ولكن في القرن السادس عشر والسابع عشر أصبحت المنطقة تحت تأثير المملكة الشيعية الصفوية فإضطر الكورد الساكنين فيها على تبني هذا المذهب فإنتموا إلى الفرع ( الإثنا عشري). وأما الكورد الذين بقوا تحت سيطرة العثمانيين فقد إستمروا على مذهبهم السُنّي. أصبح البلد الفيلي منطقة صراع بين العثمانيين والصفويين بين الشيعة والسُنّة ووقعت السلطة في أيادي عديدة على حساب هذا الشعب، فحينما كانت السلطة تحت السيطرة الشيعية كان وضع السنّة مزرياً وبالعكس. في بداية القرن العشرين كانت الولايات العراقية الموصل وبغداد والبصرة تحت سيطرة الإدارة العثمانية في الوقت الذي كانت المناطق التي يسكنها الفيليون والممتدة من الساحل الشرقي لدجلة وإلى الوديان العُليا لجبال زاكَروس موزعة سياسياً بين مختلف القوى، وقد تمّ تثبيت الوضع نهائياً عند تحديد الحدود المفروضة من قبل الدول الأوروبية الكبرى وبالأخص بريطانيا العظمى. وتقسيم البلد لم يتوافق لا مع الضمير السياسي ولا مع الحياة اليومية للفيليين، فالعلاقات العائلية والإقتصادية والثقافية بين طرفي الحدود كانت أقوى بكثير من الحدود المُصطنعة، ناهيك عن أهمية الهيكل العائلي بالنسبة للمجتمع الكوردي. هذه المُميزات الإجتماعية الجغرافية جعلت من إندماج الفيليين في الدولة العراقية الناشئة في عام ۱۹۲۱ صعباً جداً. وفي هذه الدولة خُلِقَ قانون الجنسية لعام ١٩٢٤ الذي تضمنه الدستور صنفين من المواطنين، حيث كنت تجد فيه مواطنو الإمبراطورية العثمانية السابقة سواءا كانوا إيرانيين أو كانوا من دون جنسية لحد ذلك اليوم. هذا ( الأصل) الشكلي الذي لم يكن له أي علاقة بالولادة أصبح مؤشراً عليه فـــــــــي ( شهادة الجنسية) لكل مواطن فأصبح هنالك إذا عراقيون من ( التبعية العثمانية) أو مــــــن ( التبعية الإيرانية). ولكن تمّ الإعتراف فقط بالصنف الأول من المواطنة العراقية ( الأصلية) وبحقوقها النابعة منها. وقع معظم الكورد الفيليين ضمن الصنف الثاني من العراقــــيين ذوو ( التبعية الإيرانية).
حيث لم يكونوا مواطنون عثمانيون ولم يبحثوا عن هذا الأمر يوماً لأنّهم لم يحسّوا فعلياً بحاجتهم إلى جنسية معينة في تلك الفترة، ولم يشعروا ( بالإنتماء وطنياً) إلى إمبراطورية راكمت الشعوب والثقافات المختلفة على بعضها. ينبغي علينا أيضاً معرفة بأن المواطنة العثمانية كانت تعني إلتزامين غير شَعبيَين، هما: دفع الضرائب والخدمة في الجيش. شكّ العديد من العراقيين بالدولة العراقية الجديدة، فالناس الساكنين على الحدود كانوا يفضلّون الإحتفاظ بالجنسية الإيرانية أو العيش من دون أوراق هوية. وقد لعبَ الخوف من الخدمة العسكرية ومن كاهل الضريبة دَوراً مهماً في خيارهم حتّى الذين سجلّوا أسماءهم كعراقيين كانوا يفضلون كتابة مواطنين من ( التبعية الإيرانية) راجين في ذلك التخلّص من الإلتزامات ومن الخدمة العسكرية. ولهذا نرى عرب شيعة قد سجلّوا أنفسهم مواطنون مـــن ( التبعية الإيرانية) بالرغم من ولادتهم على الأرض العراقية. لكن الذين ساروا على هذا المنطق لم يتخيلوا أبداً ما كان ينتظرهم في المستقبل البعيد فعبارة ( التبعية الإيرانية) التصقت لعقود بأجيال من الأطفال والأحفاد وقللّت من فُرص عملهم بشكل خاص في وظائف الدولة أو في الوظائف العسكرية. أما في الميدان الإقتصادي فقد إزدهرت حياة الفيليين بشكل كبير جداً. فإعتباراً من سنوات الخمسينيات من القرن العشرين أصبح الكثيرون منهم رجال أعمال ناجحين في بغداد وفي المدن الأخرى ومارسوا بشكل خاص تجارة الشاي والسكر والفولاذ والخشب وميزتهم التقليدية كانت إتصالاتهم القديمة جداً مع إيران، ولم يكن لهم بديل في ذلك الوقت على الإطلاق ممّا طوّر من علاقاتهم معها. وكانت هنالك أيضاً شريحة إجتماعية فيلية فقيرة جداً فقد كان حمّالو أسواق بغداد من الكورد الفيليين، ولم يكن نادراً أن يخفي الكورد الفيليين هوياتهم خاصة حينما كانوا يعيشون وسط مُحيط عربي، وغيّرت بعض العوائل أسماءها الفارسية إلى الأسماء العربية، وقام القسم منهم بالتكلُّم مع أبنائهم في المنزل بالعربية بدل الكوردية. يُفهَم مِن هذا السلوك بأنّ بعض الكورد الفيليين كان يعيش ضغطاً نفسياً كي يغيّر من أصله أو ربما كان يتحمّل تمييزاً عنصرياً لم يكن بادياً للعيان. ولكن رغم كل ذلك فلم يكن هنالك خطر على حياتهم حتى سنوات الستينيات من القرن العشرين حينما وصل حزب البعث إلى السلطة”.
[1] – ورد في موقع الكتروني رسمي بعنوان ( وثائق وحقائق عراقية) المنشور في 20 يوليو من العام 2020 ما يلي: ” كتاب اسمه صدام الاسود 23 ثلاث وعشرون خبيراً منهم الدكتور صاحب الحكيم يصدرون الكتاب الاسود لصدام حسين باللغة الفرنسية منهم وزير الخارجية الفرنسية السابق برنار كوشنر”.
باريس- ” ا. ف. ب”: وكالة الانباء الفرنسية A F P: أصدر 23 اختصاصياً في القضايا الدولية والعراق، منهم الدكتور صاحب الحكيم كتاباً باللغة الفرنسية بعنوان ( الكتاب الاسود لصدام حسين) LIVRE NOIR DE SADDAM HUSSIN يكشف التاريخ المعاصر لهذا البلد منذ تولي البعث السلطة في 1968. ويُقدّر عدد ضحايا الرئيس العراقي السابق بـــ 2000000 مليونين. ويأتي الكتاب الذي أشرف عليه كريس كوتشيرا الكاتب والصحفي المُلّم بالقضية الكوردية منذ اكثر من 30 سنة، ومؤلف كُتب مرجعية عديدة حول هذا الموضوع في 700 صفحة. ويُعد الوزير الفرنسي الاشتراكي السابق برنار كوشنير الذي عَمِلَ في 1974 في المنطقة الكوردية العراقية مع منظمة ( أطباء بلا حدود) التي ساهم في تأسيسها: أن ” صدام كان أحد اسؤا طغاة تاريخ العالم”. وانه كان ” من الضروري والمُلِّحْ التخلص منه”. ويرى الرئيس الفخري للاتحاد الدولي لحقوق الانسان باتريك بودوان: أن سياسة صدام حسين كانت تقوم على ” جرائم الحرب” و ” جرائم ضد الانسانية” و ” الإبادة” وايضا ” النزوح القسري” للسكان في العراق و ” تعذيب” المُعارضين. وأجمه واضعوا الكتاب خصوصا اندريه بوبار الاستاذ في الحقوق في جامعة مونتريال على ضرورة ” قيام العراقيين بمحاكمة” صدام حسين الذي يعتقله الاميركيون منذ كانون الاول- ديسمبر 2003. ويستعرض الكتاب ” حملة الانفال” ضد الكورد في مطلع 1988 التي أوقعت ما بين 100000 و 180000 مئة ومئة وثمانين ألف قتيل ومفقود حسب كوتشيرا. وكذلك قصف حلبجة بالسلاح الكيميائي ( 5000 قتيل) بالاضافة الى عمليـــــــــــات ” الترحيل” لا سيما العراقيين من أصل ايراني، كما يزعم نظام صدام المجرم عام 1980. ” وكذلك قتل وتعذيب واختفاء آلاف الاشخاص من الشيعة في المقابر الجماعية وقمع افراد هذه الطائفة واعدام المراجع وعُلماء الدِين، مثل عائلة الحكيم الذين اختفوا في مقابر جماعية وضرب الاهوار واغتصاب النساء وتعذيبهن، وقتلهن…”. الدكتور صاحب الحكيم. مقرر حقوق الانسان تموز / 2020″.