مسار “قطار ” الذكاء الاصطناعي وأفاق المستقبل

 

 

د. توفيق رفيق التونچي

تساءلت وانأ أقرء عن الذكاء الصناعي الذي سيغير وجه التاريخ جذريا. ويعتبر اهم اختراع وصل اليه البشرية في القرن الواحد والعشرون.

أترى ماذا سيجلب لنا المستقبل؟

القطار ، لغة هو قافلة من البعير التي تسير على خط مستقيم وحادي تقودها.  اما الريل و البابور والماكينة المقطورة البخارية والديزل والكهربائي والمغناطيسية  و النووية فهي تبقى امور تطورية لفكرة ذلك القطار السيار.لا علاقة بالقطار بالموضوع  ولا بالتطور الذي حصل خلال السنوات الأخيرة  والتي كانت كلها في عالم الخيال الفني الاصطناعي.

 

كنت احضر اطروحة الدكتوراه في كلية السييرنتك الاقتصادي في بوخارست قبل اكثر من أربعون عاما وكان مركز الحاسوب الملحق بالجامعة وسط العاصمة بوخارست بنايته اكبر من مستشفى يبرد القاعة ويتم تكيفها بالمبردات الضخمة ويمنع بالطبع الدخول الى البناية.  كل امكانية واستيعاب ذلك الحاسوب للمعلومات احمله  اليوم في تلفون خلوي ذكي في جيبي لا بل تلفوني اكبر سعة بمئات المرات من ذلك الحاسوب. كان يتطلب مني ان اقوم بتثقيب البطاقات ديجتال (واحد و صفر)  أي ثناي كما هي عليها الموروث الفلسفي والأدبي الشرقي في ثنائية الأشياء والحوادث اي نعم ولا , نهار وليل، اسود وابيض، خير و شر …. وكي اكتب كلمة واحدة ومن ثم ادخلها في اجهزة تقرئها وتزود بتلك المعلومات الحاسوب الضخم. اعتقد كان هناك كذلك في وزارة التخطيط العراقية الحمراء في العاصمة بغداد الواقعة على طرف جسر الجمهورية في صوب الكرخ في بناء جميل من إبداعات المعماري الايطالي جيو بونتي والذي شرع ببنائها في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم في عام ١٩٦٢ وقام بتنفيذها مقاولون عراقيون. اقول كان فيها حاسوب مماثل منذ الستينات.

 

قارئي الكريم، السين المستقبلية حاضرة اليوم و التغير شامل للبشرية و للحياة  والموت في الكون والفضاء وحتى بعد الممات. نرى انه  سيكون هناك وظائف جديدة واعمال اخرى ويختفي مهن و اعمال ويتحول الإنتاج الى وظيفة يقوم بها الروبوتات ينجزون تلك الأعمال بالعمل خلال ٢٤ ساعة يوميا وكل ايام السنة دون رواتب وإجازات مرضية وعلاوات وامور ادارية اخرى تلك الاعمال سيتم انجازها اتوماتيكيا أي أليا و تلقائيا عن طريق الروبوت دونا أي  تدخل لأيادي بشرية.  لانه لا توجد اجابة عن التساؤل عن ما هو الحقيقي وما هو الوهم وما هو الحدود بينهما؟. يمكنك عمل ما تشاء بالذكاء الصناعي تكتب الكتب الأدبية والعلمية ورسائل الدكتوراه والبحوث العلمية ويمكنك تأليف الأغاني و الموسيقى والافلام السينمائية وربما تجد نفسك ضمن احد من طاقم رواد فضاء دون ان تغادر غرفتك التي تجلس فيها وامور خارج  نطاق الخيال الإنساني.

 

وسوف تغزو عالم الصناعة والروبوتات وجميع مفاصل الحياة. حتى الصناعات العسكرية وسياسة الدول من انظمة سياسية واجتماعية وبيئية وعسكرية ومعلوماتية.  وسوف يشمل التصنيع العسكري واسلحة الدمار كذلك.كل حقوق المؤلف والاختراع سيزول وكذلك اسرار الانتاج أسرار براعة الإنتاج المعرفي وما يسمى ب(نو هاو) أي كيف ينتج او يصنع أي منتج (الوصفة)  والذي يعتبر اليوم من الأسرار التي يحتفظ بها الدول والشركات كي لا يتم تقليد منتجوهم ذو العلامة التجارية. وتصورقارئي الكريم، ان مجرد خزن جميع المقامات الشرقية ومن ثم طلب الجهاز ان يقوم بتأليف قطعة موسيقية جديدة او حتى اختراع مقام جديد غير معروف، كل ذلك ممكن في عالم الذكاء الصناعي.  كل التطورات القادمة يحتاج اعادة سن قوانين تلائم الجديد في عالم الكومبيوتر.

 

الصور والأفلام وحتى الأصوات المسجلة لا يمكن اعتبارها في المستقبل دليلا جنائيا مثلا. لكن المشكلة تبقى في حالة قيام اجهزة الذكاء الصناعي اتخاذ القرار في المستقبل بعد ان يقوم البشر بالاعتماد كاملا على هذه التقنية في اتخاذ القرار. اما الخير والشر فيبقيان نسبيا لهذا الجهاز في قراراته. يبقى ان نعلم ان الوعي البشري مهم في اتخاذ القرار بمسؤولية وارادة كاملة اما الجهاز فيفقد هذه الخاصية وعلى الأقل تقدير في الوقت الحاضر. لان التقدم التكنولوجي لم يؤثر على سلوك الإنسان ايجابيا وبقى الشر والجريمة حاكما على سلوكه حتى في استخدام التقنية الحديثة. حيث نرى زيادة ملحوظة في استخدام التقنية في عمليات السرقة والسطو والجريمة على العموم. كل ذلك  يؤدي الى ان يعيش الانسان في خيال غير واقعي.

 

كان عالم الافلام السينمائية الخيالية سباقة في عرض الخيال العلمي للمشاهد خلال السنوات الأخيرة وتحضير فكر الناس لعالم الذكاء الصناعي. الحقيقة انه عالم جديد ومتغير. كل جديد يحمل معه الخير والشر. انه سوف يسهل حياتنا من ناحية ومن ناحية اخرى يزيد من اتكالنا واعتمادنا على الاجهزة في حياتنا وابتعادنا من نظرية المعرفة والقراءة والتميز والتعلم. اما استخدامها للخير والشر سيعتمد على سلوك البشر. رغم ان التطور بصورة عامة لم يؤثر جذريا على السلوك البشري بصورة عامة. الخير والشر سلوك بشري خالد. الشرير سيستخدم كل تطور علمي لفعل الشر والعكس صحيح. هل يمكننا أن نضيف حياة إلى الزمن ما دمنا لا نستطيع اعادته .هناك اسرار كثيرة في انتاج البضائع مثلا ومجرد معرفة تلك الاسرار  يمكن استنساخ صنع تلك البضاعة. لكن الذكاء الصناعي قد يستطيع فك تلك الرموز والاسرار.

 

الشيخوخة اخر العمر، على الاقل في عصرنا وما ياتي به المستقبل لا يزال في علم الغيب. هذا الربع الاخير والناضج من العمر يفترض ان يكون وقتا للتأمل والراحة النفسية واسداء النصح لهذا وذاك.  في واقع الامر لا هذا ولا ذاك يحصل فالوقت يمر سريعا جدا والسنوات الاخيرة من حياة البشرية لا تحمل الكثير من الذكريات لاننا نبدا بالنسيان وفقدان الذاكرة . هناك نظرية علمية مفادها ان المدخلات الاولية لاي نظام يعين المخرجات. اي ما ادخل من علوم ومعارف داخل الاجهزة وخزن في ذاكرتها ستعين نوع المعلومات التي تخرج من النظام. يقول المثل (تخرج بالجمجة ما قد وضع في الاناء) أي الإناء ينضح بما فيه.  هذا طبعا يشمل البشر اينما كانوا وفي كل الازمنة. فكيف واي افكار ادخل في عقولنا خلال  حياتنا هي عينها التي تخرج لاحقا وتنعكس في اقوالنا واعمالنا. وسلوكنا. الا انه هناك نوع من البشر لهم قابلية تحليل تلك المعلومات والخروج بنتائج مختلفة. هذا يميز الأذكياء من البشر عن غيرهم  فهم يتأنون في اتخاذ القرار ويدلون بدلوهم بعد تفكير عميق. يقال بان المخ لا يستطيع تحليل نفسه. العالم الجديد وما يسمى بالذكاء الاصطناعي يغير هذا المفهوم تماما وهنا تكمن خطورة هذه الأنظمة الذكية خاصة اذا استخدمها “غبي”  ودون وازع أخلاقي او قيم انسانية.  اجهزة تتحدث معها وتجيبك بكافة المعلومات الصحيحة تغنيك عن سنوات الدراسة الطويلة والمجهدة والمكلفة. سيختفي ما يسمى الخصوصية ومجرد معرفة ابعاد وقياسات الوجه سيكون الكومبيوتر بامكانه عمل اي شيء في الخيال وستجد نفسك في احدى الأفلام تحارب في الحرب العالمية الاولى واستخدامات اخرى خطيرة وغير أخلاقية كذلك. عالم جديد لا زلنا في بداياتها وكل شيء فيها مباح وعلى الأقل في الوقت الحاضر ودون قيود وقوانين.

 

نحن لا نعرف اليوم عن عالم الغد الكثير وخاصة ما هو عمر البشر في المستقبل، الف عام وهذا في علم الغيب على الأقل اليوم. لكن كل البحوث حول ايقاف عملية الشيخوخة مستمرة وربما تقول سيتوصل العلماء الى ايقافها في حدود بلوغ البشر الى عمر الأربعين للبشر.

 

المشكلة في المستقبل تخص مسالة خطورة الاعتماد الكلي على الذكاء الصناعي والاتكال بالكامل على قراراته رغم ان اتخاذ القرار الأخير يبقى بيد البشر. لكن يبقى دوما الخوف من ان يتخذ الذكاء الاصطناعي بنفسه او بمساعدة احد المجرمين من الإرهابيين في المستقبل القرار ويمحوا الوجود البشري على الثرى ويختفي الحياة وجميع مظاهرها من الثرى وتبقى الرمال والأحجار، لا سامح الله.

 

الذكاء الصناعي اول الغيث في الاعتماد على الآلة والمستقبل من ناحية التطور التقني خارج الخيال البشري لكن المشكلة تبقى في البشر لأن التطور التقتي سيكون اسرع من تطور الفكري والسلوكي للبشر، فهم سيتحمل عقول البشر كل تلك التغيرات الجذرية ، سؤال في علم الغيب سيجيب عليه المستقبل باذنه تعالى.

 

 

قد يعجبك ايضا