ج1
متابعات التآخي
يمتد تاريخ الكورد في سوريا الحالية إلى ما قبل التاريخ حيث الكورد هناك كانوا جزئاً من السوباريون والذين كانوا يعرفون بالهورو Huru أو الخوريون، والعالم هورست كلينكل يقول إن الهوريين بدؤوا بالظهور في سورية منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد واستطاعوا تسلم القيادة السياسية في عدد من الحواضر السورية.
وبحسب بعض المصادر أيضا فإن مواطن الهوريين كانت تمتد غربا لغاية جبال أمانوس على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. إستمر الحوريون حتى القرن السابع عشر قبل الميلاد والذين انفصلوا عن الشرق ليستقطبوا أقوام آريه كوردية أخرى ليشكلوا مملكة ميتاني، والذين برزوا بشكل كبير في القرن السادس عشر قبل الميلاد.
تحول الحكم من الكورد الخوريون في كوردستان سوريا الى حكم الآشوريون عام 732 ق.م. ولكن هذا لم يستمر طويلاً حيث عاد الكورد الميديون كقوة كبرى في شرقي كوردستان خلال القرن السابع قبل الميلاد فقد تمكنوا من القضاء نهائيا على الآشوريين عام 612 ق. م ثم تقاسموا مع حلفائهم البابليين بلادهم التي كان الآشوريين يسيطرون عليها. فنال البابليون كلا من جنوب البلاد ما بين النهرين وسورية وفلسطين حيث تشكلت الامبراطورية البابلية الثانية. أما الميديون فقد استردوا شمال ما بين النهرين وباقي كوردستان بكاملها بما فيها مناطق الهوريين والميتانيين اضافة الى بلاد فارس وكباد
وكية مناطق الحثيين في أواسط الاناضول حيث تشكلت امبراطورية ميديا الكبرى. ومع مرور الزمن تم في هذه الامبراطورية اختلاط كافة الفئات الكوردية فيما بينها بشكل عام بما فيها الهوريون والميتانيون .
على أن خط الحدود التي رسماها بين امبراطوريتهما منذ ذلك الزمن يؤكد ما كانت عليه مواطن الهوريين والميتانيين أي شمال سورية الحالية والجزيرة العليا مناطق أساسية من كوردستان. إذ كان خط الحدود بين الامبراطوريتين بعد انحرافه غربا واختراقه نهر دجلة الى الشمال من مدينة – أكاد – كان يتجه شمالا في قوس كبير الى الغرب من آشور والموصل تاركا إياهما ضمن كوردستان ثم يتنحى غربا باتجاه شمال سورية الحالية ليجتاز نهر الخابور ويمر من جنوب جبل عبد العزيز ويجتاز نهر الفرات ويمر بجنوب جبل الكورد ليصل الى الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
كما أن الآثار التي اكتشفت حديثا في محافظة الجزيرة الحسكة من المملكة الهورية الميتانية القديمة لها دلالاتها البينة على أن هذه المحافظة بأرضها وسكانها هي كوردية:
ذكر منذ أقدم العصور المدن الكوردستانية في سوريا، فقد جاء في كتاب ايبلا = عبلا ص 31 أن بعثة أثرية بريطانية برئاسة ماكسويل مالاوان حققت في تل شاغر بازار الواقع جنوب القامشلي حيث عثر فيه على أثريات هامة يتراوح تاريخها بين عصور ما قبل التاريخ والألف الثاني قبل الميلاد.
تل براك: شمال الحسكة حققت نتائج باهرة حيث أزاحت الستار عن معبد يرقى تاريخه الى مطلع الألف الثالث قبل الميلاد وأكتشف إثر ذلك مدينة ميتانية والقصر الملكي فيها وكذلك الكثير من رقم ملوكها. ثم قامت بعثة أثرية المانية برئاسة انطوان مورتتان بين عامي (1955-1956) بمواصلة التحريات في موقع تل الفخيرية شمال سورية في أعالي نهر الخابور حيث سبق لهذه البعثة أن اكتشفت آثار مدينة يعود تاريخها الى العهد الهوري الميتاني في الألف الثاني قبل الميلاد. وحديثا اكتشف فيها آثار أخرى تؤكد افتراض المنقبين السابق بأن عاصمة الميتانيين المعروفة باسم واشوكاني تقع في ثنايا هذا التل.
تل موزان: قرب بلدة عامودة الذي اكتشف فيها جورجيو بوتشيلاتي قصر الملك توبكيش الهوري – وسبق الحديث عنه – ومن الآثار الهورية الرائعة هو ضريح النبي هورو الذي لايزال قائما منذ ذلك الزمن القديم سليما حتى اليوم في جبل الكورد شمال غربي حلب. ولا شك في أن ما كان عليه هذا النبي من مكانة مقدسة بين الهوريين قد جعل اسمه يتمثل اسم الهوريين نفسهم. وهكذا نرى في ذلك كله ما يثبت بشكل قاطع استيطان الكورد في شمال سورية منذ أقدم العصور، وينفي نفيا قاطعا ادعاء الدكتور ذكار سهيل من أن الكورد لم يستقروا في الجزيرة قط!
حدثت الهجرات العربية إلى كوردستان مع الهجمات السامية المتمثلة بالآراميين الساميين والآشوريين هذا قبل الإسلام، أما بعد دخول البلاد الإسلام وبالتحديد في عهد الخليفة المنصور (754-775م) الذي كلف يزيد بن أسيد بالتوجه الى حران الواقعة بين تل أبيض جنوبا وأورفا شمالا لتحريرها من البيزنطيين وبعد أن نجح في مهمته فانه نظمها وأقام فيها. وفي هذه الفترة كانت هذه المنطقة من كوردستان هدفا لنزوح بعض القبائل العربية إليها والاستقرار فيها كالقبائل اليمنية وبني قيس والنزارية. فكان ذلك المرة الثانية بعد الآراميين لتغلغل العناصر العربية الى هذه المناطق الكوردية والتي أصبحت فيما بعد على طرفي الحدود بين تركيا وسورية. ومنذ القرن العاشر الميلادي وبعد اضمحلال الدولة العباسية و ضعف البيزنطيين في الغرب وكذلك انقسام الدولة السلجوقية التركية الى دويلات أتابكية والصراع بينها وبروز بعض الامارات الكوردية تمثل دورها على مسرح التاريخ فان الشرق الاسلامي كان قد أصبح هدفا سهلا للصليبيين من الغرب ثم لقمة سائغة للمغول من الشرق ولما كان للكورد الدور الرئيسي في الحروب الصليبية والانتصار فيها فمن المعروف إن الدعم الكوردي للزعيم صلاح الدين الأيوبي كان يأتيه من جميع أنحاء كوردستان وتصله عبر تجمعه في الموصل والجزيرة بوتان و ديابكر . وهذا ما يؤكد ثانية على كوردية الجزيرة في سورية الحالية.
أما بعد الحروب المذهبية بين الإيرانيين والعثمانيين على أرض كوردستان ثم احتلال العثمانيين للبلاد العربية منذ عام 1516م والذين تقاسموا كوردستان مع الإيرانيين. فكان هناك كوردستان الإيرانية وكوردستان العثمانية التي من ضمنها كوردستان سورية التي عرفها العثمانيين باسم ولاية حلب العثمانية. كما ان تلك الامارات الكوردية السابقة الذكر قد أصبحت منذ عام 1747م تحت حكم الدولتين المباشر.
إن ما عاناه الكورد من الفرس بين العهد المكدوني وأخيرا من العثمانيين ما لبث أن أصبح حافزا قويا أثار المشاعر ضد كل ما هو مجحف بحقهم كأمة لها كيانها خاصة لما كانت عليه العصور الحديثة آنذاك من خصائص الروح القومية بين الشعوب. فكان أن حدث انعطافهم التاريخي نحو المصلحة القومية الكوردية. الامر الذي أدى مجددا الى بروز إمارات كوردية حديثة وثارت ضد العثمانيين المحتلين الذين نجحوا في القضاء عليها تباعا. وقد اخترنا من هذه الامارات في كوردستان ما كانت مناطق كل منها تشمل أجزاء من شمال سورية الحالية أبان احتلال العثمانيين للبلاد العربية وعدم وجود أية حدود سابقة وعلى الرغم من فشل هذه الثورات فإن الباب العالي كان يبقي على علاقته بتلك القاعدة الاجتماعية الكوردية التي كان بوسعه الاعتماد عليها في حروبه، وكم من مرة نال البعض من زعماء هذه الثورات العفو السلطاني العثماني.
ان أولى هذه الثورات كانت في امارة جانبولات=جنبلاط 1607م وكان مركزها كلس التي كانت تشمل جبال الكورد الى الغرب منها وكذلك منطقة حلب الى الجنوب الشرقي منها أيضا وبعد ان قتل العثمانيون أميرها الأمير حسين الذي كان يتولى شؤون الامارة من حلب لأنه لم يلتحق ورجاله بالسلطان العثماني في إحدى حروبه فما كان من أخاه الأمير علي إلا ان أعلن الثورة من حلب ولكن العثمانيين قضوا عليها.
كما أن إمارة بدرخان باشا خلال الاعوام (1812-1848 م) كان مركزها جزيرة بن عمر = بوتان الواقعة في تركيا الحالية قرب الحدود السورية في أقصى الشمال الشرقي منها.