اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 19- 3- 2024
يحتفل الشعب الكوردي في كل أرجاء كوردستان منذ زمن بعيد به لارتباطه في الفكر الجمعي بقيام ثورة كاوه الحداد، فضلاً عن ارتباطه بقدوم فصل الربيع المرتبط بالمناخ الطيب وبداية اعمال الزراعة لذلك تقام الاحتفالات، فكلمة نوروز: نه و: نو بمعنى الجديد، وباضافة روز اليها تصبح اليوم الجديد، وهو يوم الخلاص من برد الشتاء القارص وذكرى التحرر من الظلم والاستعباد. جدير ذكره، أنّ هناك شعوب أخرى كثيرة تحتفل بعيد النوروز وبتسميات مختلفة، وتتحدث عنها كلٍ منها على طريقته من حيث التوقيت والغرض منه وطريقة الاحتفال به، حتى عدد الأيام التي يحتفلون فيها.
وقد ورد عن طريقة تنظيم التقويم المختص بنورروز وضبط حساباته الزمنية اعتمادا على وقائع حدثت في تاريخ حياة الشعب الكوردي منذ عصور قديمة، التي يمكن اجمالها بما يأتي ([1]):
– “
1- يرجع تدوين واعتماد هذا التاريخ الى ميلاد ( زراده شت) حيث عاش على الارجح 650 قبل الميلاد.
2- تعود الى حادثة سقوط ( نينوى) عاصمة الآشوريين بأيدي الميديين أجداد الكورد في العام 612 قبل الميلاد.
3- يعود الى تأسيس دولة ميديا شرق كوردستان تقريباً 700 قبل الميلاد.
علماً ان الباحثين والخبراء بهذا الشأن يحتسبون سنة التقويم الكوردي كما يأتي:
1- أما باضافة 612 ق- م، الى السنة الميلادية للحصول على السنة الكوردية المادية وعلى الوجه الاتي: 612 + 1983 = 2595.
2- أو بإضافة 700 ق- م الى السنة الميلادية وكما يلي: 700 + 1983 = 2683 السنة الكوردية المادية.
ولقد كان منظموا التقاويم الكوردية يتبعون منذ بداية الخمسينيات حتى اوائل السبعينيات في القرن العشرين النظام الاول، ولكنهم بعد ذلك بدوأ يتبعون النظام الثاني. جدير ذكره، إنّ المعلومات التاريخية حول تسمية أيام الاسبوع تشير الى أنها بدأت منذ عهد البابليين والعصر الروماني، حيث كانت بدافع ديني. فقد سمّوا كل يوم من ايام الاسبوع بإسم إله من الآلهة التي كانوا يعتقدون بها. نود التنويه الى أنّ ترتيب أيام الاسبوع في التقويم الكوردي هو نفس ترتيب ايام الاسبوع في التقاويم العربية، حيث يبدأ الاسبوع بيوم السبت ويُسمى (شه مه) وينتهي الجمعة ويسمى باللغة الكوردية ( هه يني). فضلاً عن إنّ عدد الشهور في السنة الكوردية هي اثني عشر شهراً. أما بالنسبة الى اسماء الأشهر عند الكورد، فلها أسماء مُتعددة حسب المناطق المختلفة. لذلك كان من المعقول جداً اختيار الكورد لاسم نوروز للشهر الاول من السنة الكوردية، التي تبدأ في اليوم الحادي والعشرين منه.
وان اكثرية اسماء الشهور في التقويم الكوردي هي اسماء مركبة، صيغت على بعض الأسس اللغوية. وعندنا أسماء لاسابيع أشهر فصل الشتاء في التقويم الكوردي، التي تأتي تسميتها وفقاً لتغير الانواء الجوية. أما بالنسبة الى اختلاف الفصول بين مناطق كوردستان. فمثلاً في مناطق سهول گه رميان يُمكن التمييز بين فصلي الشتاء والصيف، لان بينهما فترتان زمنيتان قصيرتان تدوم كل منهما بين اسبوعين إلى اربعة اسابيع، وهما فصلا الربيع والخريف. أما مناطق كويستان، فكان شتاؤها طويلاً وبارداً تهطل فيه امطار وتسقط في معظم ارجائها ثلوج كثيفة. ولا بدّ لنا هنا ان نذكر الفترة التي تسبق قدوم اشهر الربيع ومنها شهر آذار وعيد نوروز وتسميتها عند الكورد، حيث ان هذه الفترة البالغة اسبوع تسمى ( خدر وئه لياس )، الذي يُصادف بين 11 حتى 17 من فترة ( ره شه مي) والموافق للفترة ما بين الثاني مِن آذار حتى الثامن منه. ويقول الناس عنـــــــــه: ( خدر سال ماپتر)، ويعني ( في اسبوع خضر لا ينتهي البرد) بل تبقى من الشتاء مدة تزيد عن نصفها. ولكن رغم هذه الاقوال والآراء حول هذا الاسبوع، ففي حلوله تهب نسمات الريح الخفيفة، التي تُسمى ( باي واده) أي ( نسيم الميعاد)، ويُقصد بميعاد مقدَم الربيع، وحلول عيد النوروز، حيث يبقى من بداية ( خضر) حتى الاعتدال الربيعي ثمانية عشرة يوماً. و ( ئه لياس): الياس، يقع هذا الاسبوع بين الثامن عشرة حتى الرابع والعشرون من شهر ( ره شه مي) الموافق للفترة ما بين التاسع حتى الخامس عشرة من اذار، والقول السائر بين الناس ( ئه لياس سه رما ده بي خه لاس)، اي ( في الياس ينتهي البرد). ويقال: ( خدر وئه لياس ساليان كرد خه لاس)، أي ( ان خضر والياس قد انهيا السنة أي الشتاء). تجدر الإشارة الى أنّ اسبوع الياس ينتهي في الرابع والعشرون من شهر ( ره شه مي) الموافق لـلخامس عشرة من شهر اذار، وفي هذا الوقت تقترب دورة السنة من الانتهاء، حيث يحِّل بعد ايام الاعتدال الربيعي، ويوم نوروز في اليوم الحادي والعشرين من اذار هو الدورة السنوية الكوردية الجديدة”.
من كتاب لــ ( أڤيستا خان) بعنوان ( عيد نوروز العالمي) نورد البعض ممّا ورد فيه عن وجود هذا العيد في العهد الاسلامي حتى العهد العباسي، فضلا عن مظاهر الاحتفال بهذا العيد، صدر في العام 2011 عن مكتب دلير ببغداد.
– ” عيد نوروز في العهد الاسلامي: لما هاجر الرسول ( ص) الى يثرب استقبله اهلها بفرح عظيم وبالغناء ونقر الدفوف. وكان اهل يثرب اغلبهم يهود وهم اهل طرب يحبون الغناء وقد استخدموا الاحباش للضرب على الدفوف والغناء ايام العيد. وقد كانوا يلعبون في المسجد ولم ينههم الرسول عن ذلك لانها كانت في ايام العيد وكان ينشطهم بقوله: ( يا بني ارفدة). نسبة الى جدهم الاكبر ارفدة. وقد كانت لعائشة جاريتان تطربانها بانشاد العرب. وكان لاهل الحيرة ايضا مزاج في الغناء لاختلاطهم بالفرس ولوجود النصرانية والمؤثرات السيريانية بينهم. قال الصحابي سلمان الفارسي عن نوروز: ( لقد جعل الله من نوروز ابتداءاً للعالم، لقد كنا في عهد الفرس نقول: ان الله اخرج الزينة لعباده من الياقوت في النوروز ومن الزمرد في المهرگان وفضلهما على غيرهم من الايام بفضل الياقوت والزمرد على سائر الجواهر.
عيد نوروز في عهد الخلفاء الراشدين: كان عمر بن الخطاب يستلم هدايا النوروز من كورد وفرس الكوفة. اما الامام علي ( ع) فقد استمر الاحتفال بعيد نوروز في عهده. روى ابن النديم في كتابه ( الفهرست) وكذلك البخاري في كتابه ( الانساب) و ( التاريخ الكبير): بأن الثابت بن النعمان بن مرزبان والد الامام ابو حنيفة النعمان وهو من أصـل كوردي قدّم حلوى الفالوده الى الامام علي ( ع). فساله: ما المناسبة؟. فقال له الثابت بن النعمان: اليوم نوروز. فقال الامام علي ( ع): اصنعوا كل يوم نيروزا ان قدرتم.
عيد نوروز والامام جعفر الصادق ( ع): قال معلی بن خنيس: دخلت على الصادق بن جعفر بن محمد ( ع) في يوم نوروز فقال لي: أتعرف هذا اليوم؟. قلت: هذا يوم تعظمه العجم ووتهادى فيه. فقال ابو عبد الله الصادق ( ع): انه يوم النيروز وهو اليوم الذي اخذ الله فيه مواثيق العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به احدا وان يؤمنوا برسله وحججه وان يؤمنوا بالائمة عليهم السلام وهو اول يوم طلعت فيه الشمس وهبت الريح وخلقت فيه الارض وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على جبل الگودي وهو اليوم الذي احيا الله فيه الذين خرجوا من ديارهم، فقال لهم موتوا ثم احياهم وهو اليوم الذي نزل فيه جبرائيل على الرسول (ص). وهو اليوم الذي حمل فيه النبي ( ص) امير المؤمنين عليا ( ع) حتى رمى اصنام قريش فهشمها كما فعل ابراهيم من قبل وهو اليوم الذي أمر النبي ( ص) أن يبايعوا عليا ( ع) بأمرة المؤمنين، وكذلك للبيعة الثانية وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان وهو اليوم الذي يظفر فيه قائمنا بالدجال فيصلبه في الكوفة وما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لانه من ايامنا و ايام شيعتنا. حفظته العجم وضيعتموه انتم. وقد علم الامام الصادق ( ع) المعلى بعض من افعال النيروز حيث قال له: إذا كان اليوم نيروزا فاغتسل والبس انظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وكُن صائما ذلك اليوم. فإذا صليت الصبح والظهر والعصر فَصَلِّ بعد ذلك ٤ ركعات. الخ.
عيد نوروز في العهد الأموي: توقف الاحتفال بعيد نوروز في العهد الأموي وان اول من اعاد هدايا عيدي نوروز والمهرگان هو الحجاج بن يوسف الثقيفي الوالي على العراق والمشرق وقد بلغت قيمة الهدايا التي حملت في يوم النيروز الى معاوية في الشام الى ١٠ مليون درهم على غرار الملوك الايرانيين وفيما بعد ابطلها الخليفة الأموي الثامن عمر بن عبد العزيز بن مروان، كذلك الخليفة الأموي العاشر هشام بن عبد الملك الذي أمر عامله في العراق ( خالد القسري) بتغيير النظام الفارسي القديم الذي يقضي بجباية الخراج في النوروز.
عيد نوروز في العهد العباسي: أعيدت جمع الضرائب والهدايا مرّة اخرى في العهد العباسي في يوم نوروز وكان المتوكل على الله عاشر خليفة عباسي يقيم احتفالا بالعيد ويستعرض التمثيليات التـي تخص اسطورة الملك جمشيد وفريدون واعتبر يوم نوروز عطلة رسمية في العهد العباسي حتى عهد الخليفة السادس عشر المعتضد بالله. وفي سنة ۲۸۲ هـ حيث ابطل ما يفعل في عيد النيروز من ايقاد النيران وصب الماء على الناس وازال سُنّتهم وبقي محظورا رسميا حتى عهد الخليفة السابع والعشرون المقتدى بامر الله، حيث جعل النيروز اول يوم من الحمل، وقد كان قبل ذلك عند حلول منتصف الحوت، واعتمد التقويم الميدي واعاد مراسيم نوروز وكان الخلفاء العباسيون يتلقون هدايا يوم نوروز وتغنى لهم بعض الشعراء العرب بمناسبة العيد وهؤلاء الشعراء هم: البحتري والشريف الرضي والمتنبي وابو تمام و ابن المعتز وابن الرومي”.
ومن أجل تسليط الضوء على احتفالات الكورد الفيليين بعيد نوروز نورد البعض ممّا ذكرته الدكتورة المرحومة نظيرة الفيلي:
– ” يُعد يوم 21 -3 ( عيد نوروز) من كل عام عيد قومي كوردي، يسميه الكورد الفيلية ( سال ته يول)، الذي يحتفل به كل عام الكورد الفيلية جماعياً وعائلياً في كل مكان. ويُعبر عيد نوروز عن فرحة الكورد وغيرهم من القوميات ألآخرى بأول يوم من السنة الجديدة وبقدوم الربيع ودفئ ونور الشمس، علما أن نوروز هو عيد عريق في القدم ويرتبط بالطبيعة والزرادشتية. كان الكورد الفيلية يحتفلون به بتبادل الزيارات العائلية وتحضير ( الصينية)، التي تحتوي على ما لذ وطاب من الأكلات الشهية والفاكهة والحلويات وألكرزات، والكثير من الشموع وغير ذلك، التي يجتمع حولها جميع أفراد العائلة ليلة عيد نوروز ليقضوا سوية أوقاتاً سعيدة وفرحة ويسهروا حتى انطفاء آخر شمعة. وفيه كان الكثير من عوائل الكوردية الفيلية في بغداد كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً يذهبون إلى منطقة سلمان باك مع قِدر كبير من ( الدولمة) والكثير من الكرزات والفاكهة والشربت ليقضوا سوية يوماً مليئاً بالفرحة واللعب خاصة الأطفال والشبيبة. كانت منطقة الاحتفال تموج بآلاف المشتركين على اختلاف اعمارهم ومهنهم من دون تمييز، يمارسون فيها فعاليات عدّة، فمنهم من يجلس على الشاطئ وادوات الشاي أمامه، ومنهم من يتجول بين الخضر والازهار ليتسنم الهواء الطلق ويستمتع بالأغاني والمربعات، التي يرددها المطربون خلال تجوالهم بينما تمضي في البساتين جماعات اخرى من العوائل لتنعم في مجالسها طوال ساعات النهار تحف بها اشجار النخيل والتوت والتين والرمان والبرتقال والليمون، اما الذين كانوا يتجولون، فيصاحب كل جماعة منهم مطرب يطربها ويقودها متنقلاً من موقع الى موقع ومن بستان الى بستان مترنماً بأغانيه على نقرات الدنبك في وجدٍ وهيام. وكان للمقامات والأغاني والمربعات دور كبير في احتفالات ذلك المهرجان، حيث يتناوب مطربوها في الغناء حيث يأخذ التعب من بعضهم مأخذه. وحينما كان المطرب يغني لجماعته مربعاً يردد الباقون عقبه مطلعه، وإن ألمع من صدح بالاغاني والمقامات في تلك الاحتفالات مطرب العراق الاول الاستاذ محمد القبانچي، وابرز من غنـّى المربعات الفنان محمد الحداد.
ومن الاغاني التي كانت ترددها الجماهير المحتفلة بذلك المهرجان:
ميحانة ميحانة، گلي ياحلو منين الله جابك، يبن الحمولة عليَّ شبدلك، هلا يا نور عيني ويا هليه.
مع أطلالة عيد نوروز كانت النساء الكورديات الفيليات يبدأن بإشعال الحطب في التنور المشترك لكافة العوائل التي تعيش في كل البيت من تلك البيوت القديمة ويتناوبن في خبز ما يسمى باللغة الكوردية ( په پگ)، وهي أقراص صغيرة من الخبز أشبه بالعِيش اللبناني، ويضعن في إحدها حجر كريم ازرق لرد الحسد والاصابة بالعين ( كوزك). وتقوم الأم بتوزيع هذه الاقراص بعد خبزها على كافة افراد العائلة بما فيهم الوالدين. والشخص الذي يكون الـ( په پگ) من نصيبه يُعد مصدر الرزق والخير والبركة للعائلة في ذلك العام. ويقوم رب العائلة بتقبيله ووضعه على جبينه ويهديه هدية، وكانت على الاغلب قطعة قماش جديدة أو محبس ذهبي إذا كان الشخص إحدى بنات أو نساء العائلة. ويتم التحضير لعيد نوروز الذي كان يدعونه ( سال نو)، أو ( دورة السنة) قبل نحو عشرة أيام من حلوله، حيث كانت الأم تقوم بتحضير الجرات الصغيرة على عدد أفراد عائلتها وتضع قليلاً من القمح في قطعة قماش من الململ الابيض وتربطها حول فتحة فم الجرّة الصغيرة لكي يخضر وينمو حينما يطل العيد. وقبل ساعات من تحويل العام كانت النساء الكورد يقمن بتهيئة صينية ويضعن عليها الحب والسمسم ( الذي كان قد تم نقعه ثم تنشيفه ثم قليه في قليل من الدهن) والكشمش والملبس والجبن و الجوز و اللوز والخس، فضلاً عن الحنة والشمع والياس، ويطلقون عليهــــــــا ( جوه السله) ويحنين أيديهن وشعورهن ويرتدين ملابس العيد الجديدة. وفي اليوم الثالث عشر من الشهر الاول من السنة الكوردية، أي اليوم الثاني من شهر نيسان كانت النسوة يبدأن بخبز خبز العروگ. وتتوجه العوائل رجالاً ونساءً الى شواطىء نهر دجلة ليرموا الجرات التي أصفر خضارها آنذاك لكي تجرفها مياه النهر وتذهب بعيداً، حاملة معها كافة سلبيات العام الماضي. وايضاً ضمن الطقوس، يتم وضع ألواح خشبية صغيرة على سطح الماء تزينها شموع مضيئة تعبر عن الامل بالخير في العام الجديد. وفي فصل الربيع ايضاً كان يتوافد على أهالي بغداد الضيوف من الاقرباء والاصدقاء القاطنين في المناطق الجبلية لكوردستان، وبالطبع يقيمون في بيوت أقاربهم في بغداد والمدن الأخرى في وسط وجنوب العراق. فعندما يهل ضيف ما، وفي حالة كون العائلة ميسورة الحال، كانت ( أم الزوج، وتسمى باللهجة الكوردية الفيلية [ خه سيوره]) تهرول الى غرف كناتها النائمات لايقاظهن بسرعة، ومن تبطىء بالاستيقاظ ولا تنهض على الفور، وبالطبع ليس من كسل إنما من الارهاق الذي تشعر به نتيجة لأعمال اليوم السابق، تجرها العمة من شعرها بالقوة، حتى يمكن أن تضربها لكي تنهض. وليس أمام مثل هذه الكنـّات من مفر إلا الاستيقاظ والهرولة للقيام بالأعمال اليومية الشاقة. فهذه تشعل موقد النار لتحضير الفطور والأخرى تحضر عجين الخبز، والثالثة تُساعد العمة في تحضير الرز للطبخ، الذي كان عملاً ليس بالسهل بتاتاً، فقد كن يبدأن بطحن الرز في الرحى اليدوية، لكي تنفصل حبوب الرز عن قشورها، ثم يضعن الحاصل على الطبگ ( تيه يچه)، ويبدأن بتحريكه بسرعة الى الاعلى والأسفل لكي تنفصل القشور عن حبوب الرز تماماً. ثم يغسلن الرز ليطبخ على نار المواقد المتأججة من الحطب المُشتعل فيها. وتُقدّم للضيوف عند الظهيرة مع تشريب اللحم أو القاورمة. كان الرجال يجلسون في المكان الخاص بهم وهـــو ( لاي مردان) والنساء في ( لاي ژنان). وكانت بعض العوائل الكوردية الفيلية تقضي فترة عيد نوروز في النجف الاشرف، خصوصاً عندما كان قد توفي أحد أفرادها في تلك السنة حيث يتوجهون الى النجف الأشرف قبل فترة لتقل عن عشرة أيام من العيد حيث يقضون أيام العيد في زيارة مرقد الامام علي بن أبي طالب ( ع) وزيارة أهل القبور في وادي السلام”.
وهناك طقوس كانت تمارس في عيد يسمى ( السينزبدار) ببغداد بعد عيد النوروز كالآتي ([2]):
– ” ان المحتفلين بهذا اليوم يعدون ثلاثة عشر يوماً من يوم النوروز الذي يصادف 21 من شهر آذار كل عام، حيث جرت العادة بأن يحتفلوا في ذلك اليوم الثالث عشر لأنهم يتشأمون من العدد 13، لهذا يخرج الناس الى الضواحي والبساتين والشواطئ تخلصاً من تشاؤمهم مما قد يحدث في بيوتهم. ويطلق على اليوم الثالث عشر اســــم ( سينزبدار) وهي كلمة محرّفة عن الكوردية، وتعنـــــي ( ثلاثة عشر في الخارج)، كما ويسميه البعض الآخر ( چمبر سولي) أو ( چمبر سوري). وموعده مطلع الربيع حيث تتفتح الازهار وتلبس الاشجار حلتها الخضراء وتفوح منها روائح طيبة، وتكون البساتين والشواطيء الواقعة في الكاظمية عامرة منذ ساعاته الاولى والنفوس فرحة مسرورة، وينشط الطرب فيها حتى يبلغ ذروته، وحينئذ ترى مواكب طربهم بالآلة الايقاعية المعروفة بالدنبك لضبط مقاطع اغانيهم وتنسيق حركات السير في مواكبهم”.
[1] – الاستاذ كريم مصطفى شاره زا: الترجمة العربية لموضوع بعنوان ( تاريخ التقويم والمفكرة الكوردية) للكاتب ( نافع كاكه) باللغة الكوردية، الذي نُشِرَ مع ترجمته باللغة العربية في مجلة كاروان بقسمين في الاعداد: 43 و 44.
[2] – حمودي إبراهيم الوردي.