اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 12- 3- 2024
في كتاب بعنوان ( شهداء قلعة دمدم) للاستاذ مصطفى صالح كريم وترجمة محمد البدري و مراجعة د. فؤاد حمه خورشيد الصادر عن دار الثقافة والنشر الكوردية ببغداد وزارة الثقافة العراقية والمطبوع في دار الصباح للطباعة والنشر- بغداد بطبعته الاولى عام 2004. ورد في عنوان فرعي ( قلعة دمدم بين الامانة والتجني) ([1]) لــ ( الاستاذ محمد الملا عبد الكريم) ما يلي:
– ” نشر السيد فؤاد حمه خورشید مقالا في مجلة الثقافة ( العدد الحادي عشر، تشرين الثانى ( ۱۹۷٦) بعنوان ( قلعة دمدم بين مصطفى صالح كريم و عرب شاميلوف). استهله بالاشارة الى حادث وقع في القاهرة قبل سنوات ملخصه ان احدهم نشر قصة في احدى المجلات الادبية المنسوبة الى كاتب نمساوي، ثم اخذ آراء مجموعة من النقاد بشأنها فاجتمعوا على اطرائها والاشادة بها، فما كان من الكاتب إلا أن أعلن الحقيقة التي كان يحتفظ بها، مَدينا بذلك المنهج الذي يسير عليه العديد من النُقاد في المجتمعات غير ذات الخلق الحضاري، حيث يطلقون احكامهم لا على اساس الحقائق وانما إستناداً الى مقاييس لا تمت الى الحقيقة بصلة. وقد استهدف كاتب المقال من اشارته الى هذه الفضيحة غير الادبية اتهام النقاد الكورد الذين كتبوا عن شاميلوف بأنهم يلهثون وراء الاسماء ولا تهمهم الامانة العلمية.
واذا كان هذا استهلال السيد خورشيد، فماذا يتضمن مقاله؟. جوهر الموضوع لدى السيد خورشيد ان يعقد مقارنة بين قصة مصطفى صالح كريم ( شهداء قلعة دمدم صفحة ٢٦) و ( رواية شاميلوف دمدم صفحة ٣٣٦) ويأخذ عينات من تشابه الاحداث والصور والشخوص والمواقف فيهما، مبرراً بذلك على ان الأخير سرق مادة قصته من الأول، حيث يقول: ( فتوصلت بعد القراءة الدقيقة لهذه القصة ومقارنة بعض ما ورد فيها من الصور بما جاء في رواية الاستاذ شاميلوف الى قناعة أولية تقول، بان عمل الاستاذ شاميلوف لم يكن في الواقع عملاً بكرا، بل سبقه الى ذلك قاص كوردي آخر)، وذلك رغم اعترافه، أي الكاتب، بوجود تباين واضح فيما بينهما من حيث المضمون وفيما تضمانه من الصور واللوحات والشخوص والمواقف. فضلا عن هذا ولغاية في نفسه، ضمن الكاتب مقاله هجوما لاذعاً على الكتّاب الكورد الذين تحدثوا عن قصة شاميلوف التي صدرت قبل عام منقولة الى اللهجة السورانية من قبل الاستاذ شكور مصطفى، وانحى عليهم باللائمة لانهم لم يذكروا شيئاً من قصة مصطفى صالح كريم، وهي قصة في ٢٦ صفـحة ضمن مجموعة قصصية صدرت في عام ١٩٦١، وتنكروا لمساهماته الجادة في ادب ثوري كوردي ملتزم، واشرك في هجومه هذا الاستاذ شكور مصطفى وكاتب مقدمة القصة في اللهجة السورانية، الشاعر هيمن ثم كتب صفحتين ضمنهما انواع الاشادة بمصطفى صالح كريم وقصته والاثر الذي احدثته عند صدورها واشادة الكتّاب الكورد بها انئذٍ.. الخ، دون ان يكون احدهم قد انتقص من منزلته شيئاً فيما كتبوا. ومن حق فؤاد حمه خورشيد ان يكتب ما يشاء عن قصة مصطفی صالح كريم وروعتها الفنية وجمالية صورها، وعن دَور الكاتب ذاته في الحركة الفكرية الكوردية.. الخ، وان كان ذلك في هذا المقام غير ذي موضوع، لا احد ينكر حقه في ذلك، ولسنا نحن ايضاً نبخس الاخ مصطفى صالح كريم اشياءه. اما عقد هذه المقارنة غير الواردة ابدأ بين الكاتبين واطراء المديح لمصطفى على حساب اتهام شاميلوف بالسرقة الادبية وما اسماه بـ ( عقدة الخواجة) لدى النقاد الكورد، فأمر لا نخال يرضى به مصطفى صالح کریم نفسه ولا يدّل على توفر الحد الأدنى من الموضوعية والامانة وعفة القلم واللسان. فالموضوع الذي تدور حوله قصة دمدم سواء عند مصطفى صالح كريم أو عند شاميلوف أو عند غيرهما ممّن سبقهما ولم يطلع على شيء بشأنها الاستاذ حمه خورشيد، ليس موضوعا خيالياً حتى يكون الاتهام بالسرقة والانتحال امرا يكون واردا فيه. ان حدث تاریخي معروف سجلته كتب الاعداء قبل ذاكرة الشعب الكوردي نفسه. وفي كتاب ( تاريخ عالم آراى عباسي) لمؤلفه اسكندر بيك الذى كان الكاتب الخاص فى بلاط الشـاه عباس الصفوي سرد دقيق وامين لجزئياته وقد ترجم القسم المتعلق بدمدم من هذا الكتاب الاستاذ الشاعر هيمن الموكرياني ونشره في مقدمة الجزء الاول من كتاب ( تحفة مظفرية) للمستشرق الالماني اوسكار مان، الذي يتضمن ضمن ما يتضمن من مواد فولكلورية كوردية نصا مسموعاً من شفاه الرواة لقصة دمدم. كما ان هذه القصة قد تحولّت بسبب من روعة احداثه البطولية ودراميتها الى مادة اغتنى بها الادب الفولكلوري الكوردي، ونشر نصاً آخر لها في السنوات الأخيرة السيد عزيز ابراهيم في مهاباد، وهناك ايضا نص آخر نشره المرحوم محمد توفيق ووردي، فضلا عن النصوص العديدة الاخرى التي ما تزال تجري على ألسنة القرويين في انحاء مختلفة من كوردستان. فإذا كان حمه خورشيد يعترف بنفسه، وتلك هي الحقيقة، بأن موضوع القصة لدى الكاتبين مادة تأريخية، واعود فأقول بل وانها تحولت الى تراث فولكلوري كذلك، فمن الطبيعي بل من الضروري ان تكون هناك نقاط تشابه كثيرة في عمل كل من مصطفى صالح كريم وشاميلوف، وكذلك النص الذي اورده اوسكار مان والنصوص الفولكلورية والمدونات الاخرى، رغم أنه يعترف بالتباين الواضح بينهما في الشكل والمضمون والصور واللوحات والشخوص والمواقف، كما اقتبسنا ذلك منه من قبل. ولذلك فان الكاتب لم يفعل أكثر من ان اتعب نفسه دونما جدوى وبحث وراء اكتشاف أمر اكتشف من قبل حينما عقد مقارنات بالارقام ومع الاشارة الى الصفحات يحاول من خلالها العثور على نقاط تتشابه في بعض الاحداث الواردة في القصتين، ليدل من خلال ذلك على ان شاميلوف سارق من.. مصطفى صالح كريم، وانه لولم يكتب مصطفى قصته لما اتيح لشاميلوف ان يكتب روايته فتاريخية القصة تدل بالبداهة على وجود قدر اكبر التشابه مما اسعف الحظ فؤادا مع باعه الطويل في اللغة الكوردية، في ان يجدها في النَصَين.
ولكن الكاتب يحتار في ايجاد طريق يدعى ان شاميلوف سلكه في مسيرة السطو على ما في قلعة مصطفى.. ويجهد فكره ويتعب عقله للعثور على هذا الطريق.. لايجاد هذا الخيط الذي يتعلق به، فلا يجد لذلك طريقاً الا ان يزعم أن الوسط الثقافي الكوردي السوفياتي اطلّع على هذه القصة من خلال الدكتور معروف خزندار الذي سربها الى هذا الوسط كما تسرب اسرار علمية خطيرة!. واذا كان الكاتب يشنع على النقاد الكورد بمثل تلك القسوة لانهم لم يشيروا الى كتاب مصطفى صالح كريم، فقد كان اولى به ان يتهم نفسه قبل غيره، حيث نشر مقالا آخر قبل حين وباللغة العربيـة ايضاً، وعن قلعة دمدم ايضاً، ردد فيه اتهامات البعض للمجمع العلمي الكوردي شملت مع الاسف الجوانب الايجابية من عمله، ولم يكتب فيه حرفا واحدا عن قصة مصطفى صالح كريم ويبدو انه لم يكن يدري انئذٍ شيئاً عن هذه القصة. قد يجهل الاستاذ فؤاد حمه خورشيد ان شاميلوف لا يعرف اللهجة السورانية، بل ويجهل ايضاً الحروف العربية التي نستعملها نحن كورد العراق. ومن المحتمل كثيراً ان لا يكون قـد سمع بقصة مصطفى صالح كريم رغم انه بنتاجاته القصصية التي لم يطلع عليها الاستاذ فؤاد، يثبت لكل من تنطلى عليه شحطات الاقلام انه في غنى عن أن يمد يده الى جراب مصطفى صالح كريم او غيره يسرق منها ما ليس له. وقد يكون من المفيد ان نصحح لكاتب المقال ما زعمه من ان قصة دمدم لمصطفى صالح كريم ( اول بادرة استمدت مادتها من التراث والاحداث التاريخية وصبتها في قالب فني حديث). ذلك لانه لم يكن يعلم شيئا عن اعمال پیره میرد الادبية مثلا المستمدة من التراث من قبيل ( فرسان مريوان الاثنا عشر) و ( محمود آغا الشيوكلي). واخيرا، نرى من المفيد ان نذكر ان شاميلوف قد حرّر من احداث قصة دمدم كثيرا وغيّر العديد من وقائعها، وحاول ان يضفي عليها سيماء عصرية، بل وادعى فيها اشياء غير صحيحة، حيث انه يريد ان يكتب كقصصي وليس كمؤرخ. فقد اورد اسم السليمانية والسليمانية لم تكن قد بنيت آنذاك. وذكر اسم طهران كعاصمة لايران، في حين ان اصفهان كانت العاصمة آنئذٍ. كما ذكر ان الكورد كانوا يحاربون بالرماح والسيوف في حين انهم كانوا يستخدمون البنادق والمدافع. ولمعرفة المزيد من هذا القبيل يُحسن بالسيد فؤاد حمه خورشيد ان يقرأ مقدمة الشاعر هيمن لكتاب ( تحفة مظفرية)”.
وللاستاذ ناهي العامري رواية بعنوان ( نذير الدرويش) الذي كانت طبعته الاولى عام 2019 في دار امل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع، سورية- دمشق، ورد في جزء منها في عنوان فرعي ( خارج المشفى):
– ” لم يشع خبر أزمة طالب النفسية، ورقوده في مشفى ابن رشد، عبر وسائل الاعلام أول الأمر، عدا الصحيفة التي كان يعمل فيها، بيد أن الخبر ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي ومع أنه كان محدودا، لكن مصادفة غير محسوبة رمته تحت نظر قصي وهو منشغل بعادة التسلي بموقع الفيسبوك على شاشة هاتفه النقال، حين كان مسترخيا فوق أريكة مركونة في إحدى زوايا صالة انتظار داخل مطار بغداد الدولي، متوجها إلى اسطنبول للمشاركة في مؤتمر اقتصادي لرجال الأعمال نقر بسبابته على موضع المتابعة، متلهفا لسبر غور تفاصيل الحادث، ومعرفة ما جرى فبرق أمامه تحت عنوان سلامات للصحفي طالب نادم مظلوم نبأ موجز عن تعرضه لانهيار نفسي فجائي نُقل على إثره لمشفى الأمراض النفسية، فامتعض لهذا الخبر المقتضب وتمنى لو أن الوقت ملكه ليسعفه بفرصة زيارته وهو يرقد في المشفى، ليفي ولو بمقدار ضئيل لذلك الدَين الذي يستشعره متعلقا بعنقه كلما تذكره منذ افترقا يوم تخرجهما من الثانوية. عاد بذاكرته إلى الوراء، تمثلت أمامه سيرة من الذكريات المطرزة بالمودة والألفة، تذكر فضائله التي لولاها لما كان بهذا المركز الرفيع، فطالب ليس ذلك المجتهد العصامي من زمرة زملائه الطلبة حسب، بل الكريم الذي لم يكن يبخل عليه بعلم أو معرفة، ويدرك تماما أنه كان عضيده الأول في عبوره نحو عتبة الدراسة الجامعية، ونيله مقعدا في كلية الإدارة والاقتصاد، مثلما كان يحلم ويتمنى وان باعدتهما الأيام وفرقتهما الحياة، هذا لا يمنع من إيفاء دَين ثقيل تركه طالب بذمته، وليس هناك أفضل من زيارته وهو يرقد عليلا في المشفى، لمح ساعته فوجد أن وقت الانتظار قارب على الانتهاء فأبرم عهدا مع نفسه بأن زيارته لطالب لها الأولوية بعد عودته مباشرة. ظل شارد الذهن بعيدا عما حوله عند إقلاع الطائرة وتحليقها في أعالي الجو في حيرة من أمره يبحث عن تفسير لكبوة طالب التي أردته قعيدا، من دون جدوى فهو الذي جايله وسايره في حقبة دراستهما الثانوية، وعرف عنه سعة البصيرة وتوقد الذكاء وقدرته الفائقة على إدراك المعارف والعلوم التي تمنحها دروسهما التقليدية، وتذكر كيف كان طالب يقضي دقائق الفواصل بين الدروس أو عند ذهابهما وإيابهما من المدرسة، يشرح له المواضيع ويبسطها بصبر وأناة فكيف من امتلك ناصية المعرفة ورجاحة العقل وسمو الأخلاق ان يفقد رشده على حين غرة، إنه لأمر محير هكذا حدّث نفسه. بعد هبوط الطائرة في مطار اسطنبول توجه قصي بصحبة زملائه رجال الأعمال إلى فندق شهير بنجوميته للمكوث فيه خلال انعقاد مؤتمرهم الاقتصادي، وطوال ليلتين متواليتين ولأول مرة عكف على التحري عن سيرة حياة طالب المهنية وحيدا في شقته وعند البحث في ( غوغل) هاله عدد تحقيقات طالب ومقالاته الصحفية التي احتلت أماكن بارزة في الصحف الشهيرة، غالبيتها تطالب بحقوق المعوزين وتذود عن إنسانيتهم المنتهكة، إلا أن ذلك لم يثر استغرابه، فهو صديق عاش حياة الكفاف وجبل على التفاني من أجل الآخرين كما عهده، بيدَ أن ما أثار ريبته ثمة تقارير غطت عددا من التظاهرات ولمراحل متفاوتة بعناوين رئيسة: الأساليب القسرية لإنهاء تظاهرات شباط بلغت ذروتها عند اغتيال هادي المهدي في الأول من آب مظاهرات تعم جميع المحافظات لإلغاء تقاعد وامتيازات البرلمانيين، المتظاهرون ينددون بجريمة سبايكر ويطالبون بمحاسبة المسؤولين عن سقوط الموصل، بإسم الدِين باكَونة الحرامية.. هتاف المتظاهرين الأعلى في ساحة التحرير بعبور جسر الجمهورية أصبح الطريق سالكا أمام المعتصمين لاقتحام المنطقة الخضراء….. وغيرها. ما أن وجد نفسه غارقا في سيل التقارير التي لا تروق له عمد إلى غلق حاسوبه، واتكأ بظهره على كرسيه بوضع الاسترخاء، طاويا ساقه اليمنى على أختها اليسرى، ورفع حنكه بباطني كفيه، وراح بعينين ثاقبتين يتأمل تلك الأحداث العاصفة التي وردت في تقارير طالب الصحفية التي كادت أن تحدث هزة عنيفة وتطيح بكثير من الرؤوس المتنفذة، بينهم أبوه الذي تذكر حديثه عنها أمامه وهو يتذمر بمرارة من الشغب الذي عمّ البلاد، وتحذيره له من مخالطة الأفراد في الأماكن العامة خشية عليه، ما يزال طريا في أذنيه. بعد عودته، وحال هبوطه سُلّم طائرة الوصول أرجأ قصي زيارة طالب، بعد أن تردد كثيرا في حسم أمرها”.
[1] – جريدة الفكر الجديد، العدد 221 في 25- 12- 1976.