التآخي – وكالات
يستعدُ معظم الأزواج الاندونيسيين في منتصف العمر للتقاعد من أعمالهم إذا كانوا قادرين على تحمل تكاليف معيشتهم، لكنّ موسموليادي (55 عاماً) وزوجته نورميس (50 عاماً) لا يتقبلان هذه الفكرة، لقد قطعا مسافة آلاف الكيلومترات للوصول إلى العاصمة الجديدة في إندونيسيا، التي ما تزال في طور البناء وسط مناطق الأورانغوتان، بحثاً عن وظيفة.
يقول موسموليادي لبي بي سي الإندونيسية: “إنّه من الأسهل العثور على وظيفة هنا بينما لا تزال أعمال البنية التحتية في طورها”.
واتخذ الزوجان منزلهم الآن في موقعٍ تحت الإنشاء في نوسانتارا، – المسمى الذي أطلق على العاصمة الجديدة بمعنى الأرخبيل حسب اللغة المحلية -، حيث تقوم نورميس بخلط الأسمنت بينما يقوم مسموليادي برص البلاط، يأمل موسموليادي في الحصول على وظيفة ثابتة وأن يصبح مقاولا في أحد مشاريع المدينة الضخمة.
و منذ إعلان رئيس البلاد جوكو ويدودو، المعروف باسم جوكوي، عن العاصمة الجديدة نوسانتارا قبل عامين، ازدهرت أعمال البناء، حيث تتوقع الحكومة أن يعيش نحو مليوني شخص هنا بحلول عام ٢٠٢٩.
لكن على بعد عشرات الكيلومترات، يشعر باندي (51 عاماً) وزوجته سيامسيا بالقلق من احتمال إخلائهما من مناطق مشمولة بالمدينة الجديدة. الزوجان من مجتمع السكان الأصليين البالغ عدده 20 ألف نسمة، وليس لديهم ملكية قانونية لأرضهم، حيث عاشت العائلة لأجيال.
واستيقظ باندي ذات صباح ليرى أن أرضه شملتها إشعارات الإخلاء حيث تعتقد الحكومة أنها قد تكون معرضة لخطر الفيضانات، لكن في شباط ٢٠٢٤، تمكن باندي من الحصول على قرار يوقف إجراء إخلائهم من المحكمة.
وقال “لقد فعلت ذلك من أجل مستقبل أطفالي وأحفادي، لو لم أقم بذلك، فإن أطفالي وأحفادي سيُهملون من قبل الحكومة.. هذه هي الطريقة التي نحارب بها الظلم”.
وبالرغم من أنَّ وقف قرار الإخلاء قد يكون مؤقتاً، لأن أناساً مشابهين لباندي وسيامسيا قد تم ترحيلهم بالفعل بعد تعويضهم عن أراضيهم بسعر مخفض، إلا أن قصتهما تُظهر كيف أن مشاريع الرئيس ويدودو غالباً ما تكون سلاحا ذا حدين، فهي موضع خلاف ولكنها يمكن أن تخلق فرصاً أيضاً.
وفقا لصندوق النقد الدولي، كانت إندونيسيا عاشر أكبر اقتصاد في العالم على أساس تعادل القوة الشرائية، عندما تولى ويدودو منصبه لأول مرة في عام 2014.
وبعد عقد من الزمن، صعدت إندونيسيا إلى المركز السابع، خلف الصين والولايات المتحدة والهند واليابان وألمانيا وروسيا، وبحلول عام 2027، من المتوقع أن تتفوق الدولة التي تضم أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم على روسيا اقتصادياً، بحسب بعض الاقتصاديين.
وأجرت الدولة الواقعة في جنوب شرقي آسيا انتخابات رئاسية في 14 شباط، حيث اظهرت أرقام غير رسمية مبكرة، أن وزير الدفاع برابوو سوبيانتو في طريقه للفوز في جولة واحدة.
وقد وعد سوبيانتو بمواصلة السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس الحالي، كما أن نجل ويدودو، جبران راكابومينغ راكا، هو نائبه في الانتخابات.
يقول جوسوا بارديدي، وهو اقتصادي مهم يعمل في أحد أكبر البنوك إندونيسية، بنك بيرماتا: “برامج ويدودو جيدة على الورق ويمكن أن تجعل إندونيسيا أقرب إلى توقعات صندوق النقد الدولي”، ويضيف: “لكن البلاد لديها طموح أكبر، وهو أن تصبح من بين الدول الخمس ذات الدخل المرتفع بحلول عام 2045، أي في الذكرى المئوية لاستقلالها”.
ولتحقيق ذلك، يجب أن ينمو الاقتصاد الإندونيسي بنسبة 6 إلى 7 في المئة سنوياً، بحسب ما صرح وزير المالية الإندونيسي سري مولياني، في حين يبلغ النمو حاليا 5 في المئة.
وتشتهر إندونيسيا بجزيرة بالي لقضاء العطلات، ومع ذلك أيضاً فهي موطن لأكبر احتياطيات النيكل في العالم، وهو عنصر رئيس في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
وعندما أعلن الرئيس ويدودو لأول مرة عن حظر تصدير النيكل الخام في عام 2019، رفع الاتحاد الأوروبي دعوى قضائية ضد إندونيسيا في منظمة التجارة العالمية، حيث قال الرئيس حينها إنه يريد تطوير معالجة المادة الخامة في إندونيسيا.
وتقول ورقة بحثية صادرة عن معهد تنمية التمويل الاقتصادي -هيئة بحثية مستقلة -، إن سياسته المتعلقة بالنيكل خلقت فرص عمل ونمت الاقتصاد.
لكن إندونيسيا لا تزال تعتمد بشكل كبير على الاستثمار الصيني لبناء مصاهر النيكل، مما يثير علامات استفهام حول المستقبل، خاصة وأن النمو الاقتصادي في الصين من المتوقع أن ينخفض من 5.2 في المئة إلى 4.6 في المئة هذا العام.
كما تعرض الرئيس ويدودو لانتقادات بسبب انفتاحه على الاستثمارات الصينية، مع تجاهل نزاعات نشبت بين البلدين في قضايا الحدود وانتقادات أخرى طالته بسبب القضايا الصحية واستهلاك الرقعة الخضراء وتأثيرها على البيئة بسبب سياسته الصناعية.
يقول ملكي نهار، منسق شبكة الدفاع عن التعدين (جاتام)، وهي منظمة غير حكومية: “أن مردود النيكل أفقد الحكومة عقلها”.
ويعد الترابط بين مناطق إندونيسيا أمراً أساسياً لتنميتها حيث إنها تتكون من 17000 جزيرة منتشرة عبر ثلاثة أقاليم، بما يشمل العاصمة جاكرتا التي يزداد معدل غرقها في الماء سنويا.
ومما كان صادماً في قرارات الرئيس ويدودو، توقيعه قانوناً لنقل العاصمة في عام 2022، في الوقت الذي كان فيه العالم يحارب لكي يتعافى من تبعات جائحة كورونا.
وأبدت بعض الدول، بما في ذلك الصين، اهتماما بالاستثمار في المدينة الجديدة، ولكن لم يكن هناك شيء “ملموس” حتى الآن، وهذا ما يؤكده نيلول الهدى من مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية (سيليوس)، وهو مركز أبحاث مستقل: “لغاية اللحظة لم يجر استقطاب مستثمرين كبار للعمل في العاصمة الجديدة”.
وقد جرب الرئيس أساليب مختلفة، بما في ذلك إصدار قانون عمل مؤيد للمستثمرين، الذي تقول مؤسسات المجتمع المدني إنه ينتهك حقوق العمال.
وسيتخلى الرئيس عن سلطاته بحلول تشرين اول المقبل بحسب نتيجة الانتخابات، ووفقا للتقارير، يرى أن بناء العاصمة نوسانتارا سيكون بصمته الدائمة في البلاد.
لكن فيرمان نور، الباحث السياسي في الوكالة الوطنية لأبحاث الابتكار الوطنية التابعة للحكومة، يعتقد أن هذه الفكرة تحوطها الشوائب، “في العديد من الجوانب، تعد نوسانتارا انعكاسا لكيفية تلاشي القيم الديمقراطية في التنمية والممارسات السياسية على مدى السنوات العشر الماضية”.
وفي الوقت نفسه، حاول الرئيس المتوقع، سوبيانتو، كسب تعاطف الناس من خلال السياسات الشعبوية ووعوده بتقديم الحليب المجاني والغداء للأمهات والأطفال.
ويحذر الخبراء من أن هذه المشاريع يمكن أن تثقل كاهل الميزانية، التي تعاني بالفعل من ضغوط بسبب المشاريع العملاقة للرئيس المنتهية ولايته.
يقول الهدى: “إن وجبات الغداء المجانية والسياسات الأخرى ستستنزف ميزانية الدولة، مما يؤدي بالضرورة إلى تعاظم في الدين الوطني”.
ويوضح “إذا استمرت سياسات الحكومة المقبلة بهذا التهور، فأعتقد أن الدين قد يتضاعف بحلول عام 2029، برغم حلم أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم”. وتعد إندونيسيا دولة أرخبيلية وهي تقع في جنوب شرق آسيا البحري، وتعني باليونانية «الجزر الهندية». و تضم 17508 جزيرة. ويبلغ عدد سكانها نحو 275 مليون شخص، وهو ما يجعلها رابع أكبر دولة من حيث عدد السكان، كما أنها أكبر بلد ذو غالبية سكانية مسلمة، وثالث أكبر ديمقراطية في العالم، وأكبر بلد أسترونيزي في العالم، أي الدول التي تضم السكان الاصليين الذين يتحدثون اللغات المالاوية (الماليزية-الإندونيسية) والفلبينية واللغات الباسيانية ولغة إيلوكانو والجاوية والملغاشية واللغات البولينيزية والفيجية ولغات فورموسان التايوانية والتيتومية، فضلا عن نحو عشرة آلاف لغةٍ أخرى. . وتعد جاوة التي يعيش عليها أكثر من نصف سكان البلاد أكبر جزيرة مأهولة بالسكان في العالم.