متابعة ـ التآخي
هناك أشياء قليلة تكون مهدئة في يوم صيفي حار مثل المشي في حديقة نباتية جميلة، ولكنها ليست مجرد واحات من الهدوء، وبما أن الانهيار المناخي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، فقد يكون لها دور حاسم في تخفيف الحرارة في الشوارع المحيطة بها.
وجدت مراجعة شاملة للأبحاث بشأن تأثيرات المساحات الخضر المخففة للحرارة في أثناء موجات الحر أن الحدائق النباتية هي الأكثر فعالية؛ إنها نتيجة يأمل فريق المركز العالمي لأبحاث الهواء النظيف (GCCAR) أن يستفيد منها صناع السياسات الذين يخططون للمدن من أجل عالم ملائم.
إنهم يقومون بإنشاء شبكة Reclaim Network Plus، وهي شبكة عالمية من المخططين والأكاديميين ومسؤولي المدن والجمعيات الخيرية والشركات الذين ينظرون في الأدلة حول فوائد المساحات الخضر والزرق في التخطيط الحضري.
ووجد هذا البحث تحديدا أن مواقع مثل حديقة تشيلسي الفيزيائية والحدائق النباتية الملكية في كيو في لندن، أو حدائق الخليج في سنغافورة، خفضت درجات حرارة الهواء ابان موجات الحر في شوارع المدينة المحيطة بها بمعدل 5 درجات مئوية.
المتنزهات الحضرية والأراضي الرطبة لها تأثير مماثل، وحتى الجدران الخضر وأشجار الشوارع والملاعب تخفف درجات الحرارة بشكل كبير.
ويقول البروفيسور براشانت كومار، المؤلف الرئيس للدراسة: “لقد عرفنا منذ بعض الوقت أن المساحات الخضر والمياه يمكن أن تبرد المدن”، مضيفا “ومع ذلك، فإن هذه الدراسة توفر لنا الصورة الأكثر شمولاً حتى الآن، والأكثر من ذلك، يمكننا شرح السبب، من الأشجار التي توفر الظل، إلى الماء المتبخر الذي يبرد الهواء”.
وأردف “الفكرة الكاملة للشبكة هي تعزيز تنفيذ البنية التحتية الزرقاء والخضراء في البيئات الحضرية”، لكن المشكلة التي واجهوها هي الافتقار إلى البحث المنهجي بشأن أنواع المساحات الخضر الحضرية المختلفة، وتأثيرها على البيئات المحيطة بها.
وأوضح “لذلك كانت فكرة هذه الورقة هي توضيح العلم فعليًا من حيث ما هو موجود من حيث المساحات الخضر والزرق في المدن، وما هي المعلومات المتاحة، وأين هي المناطق التي يتواجد فيها نقص في البحث، وبعد ذلك، إذا كان هناك، هل تخطيط المدن هو نوع قاعدة الأدلة التي يمكنهم استغلالها لتخطيط المساحات الخضر الجديدة بشكل أفضل.
والحدائق النباتية، هي حدائق يجري توثيق النباتات فيها بحسب تصنيف المملكة النباتية، بزراعتها في أرض واسعة تضم أعدادًا هائلة من النباتات الطبيعية والغريبة، وكذلك النباتات الشائعة، مع تواجد معلومات كاملة بجانب كل نبات تكون بمنزلة هوية موثّقة يتم فيها التعريف بالنبات وكتابة الاسم العلمي والفصيلة والشعبة النباتية التي ينتمي لها. وتكون مرجعًا للهواة والدارسين لعلوم النبات. ويكون وجودها ضروريًا في الجامعات ليتسنى للطلاب التعرف على النباتات عن قرب وأخذ المعلومات الكاملة عنها.
وهي ليست مجرد حدائق بالمعنى المتداول لهذا اللفظ بل هي مؤسسات علمية نباتية تمثل فيها الحديقة جزءًا يسيرًا بجانب البيوت النباتية والمعشبة والمكتبة ومعامل البحوث وأيضا تؤدى الحديقة النباتية من قديم الأزل دورا رئيسا نحو علم تقسيم النباتات حيث أنها تعد مؤسسات علمية نباتية تعكس مدى التقدم الزراعي في أي دولة حيث تضم العائلات النباتية المتنوعة التي تنمو بالمنطقة المناخية المتواجدة فيها الحديقة وجلب الأنواع الجديدة وأقلمتها.
ادت العوامل المحلية دورًا مهمًا، لكن بشكل عام، وجدت المراجعة أنه كلما زاد حجم الحديقة، زاد تأثير التبريد، في الأقل إلى حد ما، ووجدت أيضًا أن المدن يمكنها إطلاق المزيد من الفوائد عن طريق ربط المساحات الخضر معًا في “ممرات خضراء”.
ويقول كومار “سيساعد مخططي هذا المدن في جميع أنحاء العالم على مواجهة تحديات الاحتباس الحراري عن طريق تنفيذ بعض التدابير التي وصفناها فقط، يمكن للمدن أن تصبح أكثر مرونة، ويمكن لسكانها أن يصبحوا أكثر صحة وسعادة أيضًا”.
وتقول البروفيسورة ماريا دي فاتيما أندرادي، المؤلفة المشاركة للتقرير، من قسم علوم الغلاف الجوي بجامعة ساو باولو بالبرازيل “تؤكد ورقتنا البحثية عدد الطرق المتاحة للحفاظ على البرودة، ولكنها تكشف أيضًا عن مقدار العمل المتبقي للقيام به. تحتاج المؤسسات في جميع أنحاء العالم إلى الاستثمار في الأبحاث الصحيحة؛ لأن ما هو واضح جدًا من دراستنا هو أنه لا يتواجد حل واحد يناسب الجميع، يعتمد الأمر على ما يناسب مجتمعك”.
ومن المعروف أن جميع جامعات العالم حاليًا تتبعها حدائق نباتية خاصة بكل منها، ومسجل بالفهارس النباتية حاليا نحو 800 حديقة نباتية وفي مصر مثلا، تتواجد أربعة حدائق نباتية مسجلة ومن المفترض أنها تابعة لمعهد بحوث البساتين كمعهد علمي متخصص به قسم بحوث الحدائق النباتية وهو القسم المنوط به الإشراف وتطوير هذه الحدائق وذلك تبعا للقرار الجمهوري رقم 112 لسنة 1986 الذي ينص على تبعية هذه الحدائق لقسم بحوث الحدائق النباتية.
ويعتقد بعض المؤرخين أن تأسيس أولى الحدائق النباتية في العالم جرى بحدود عام 2300 قبل الميلاد، يرجع إلى الحضارة السومرية في منطقة وادي الرافدين التي كانت تدرب الناس على الأعمال الزراعية. كما وجد كامبل تومسون نحو 600 رقماً مكتوباً باللغة المسمارية دُوِّن فيها أكثر من 250 اسماً لنباتات طبية وزراعية كان يستعملها السومريون والبابليون والآشوريون في مجالات متعددة الأغراض كالغذاء والكساء والدواء والعلاقات الاجتماعية. تقام الحدائق النباتية أيضا لدعم مشروعات البحث العلمي في مجال التنوع الحيوي للنبات الطبيعي والزراعي والتصنيفي والتشريحي والخلوي والكيمياوي والتكاثري الرعوي والطبي والصيدلاني وللتهجين الطبيعي والصناعي.