محكمة اتحادية ام محكمة اطارية

د . حسن كاكي

النجاحات التي حققها الاقليم من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية اثارت كراهية البعض من السياسيين الفاشلين الذين لم يقدموا شيئاً لمواطنيهم سوى البؤس والشقاء وسرقة المال العام، لذا بدأت تخطط لوضع العصي في حركة تقدم الاقليم وابتدأت منذ عام 2014 في حكومة السيد نوري المالكي حين قطعت موازنة ورواتب موظفي اقليم كوردستان، وبدأت منذ ذلك الحين محاولات تجريد الاقليم من صلاحيته في ادارة شؤونه وفق الدستور العراقي الذي صوت عليه غالبية الشعب العراقي .

فقد جاءت قرارات المحكمة (الاطارية) عفوا الاتحادية يوم الاربعاء الماضي بتوطين رواتب موظفي الاقليم في المصارف العراقية، وإلزام مجلس وزراء الإقليم بتسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية، كذلك تقسيم الاقليم الى اربعة مناطق انتخابية بدلاً من دائرة واحدة، وتعديل المادة الاولى من قانون انتخابات برلمان كوردستان الذي قلص بموجبه عدد المقاعد الانتخابية من 111 الى 100 مقعد بعد الغاء كوتا المكونات في الاقليم، واحلال المفوضية العليا للانتخابات بدلاً من الهيئة العليا لانتخابات اقليم كوردستان . كلها قرارات خارجة عن صلاحية المحكمة الاتحادية ومخالفة للدستور العراقي، وضربة في الصميم الى النظام الديمقراطي والفيدرالي في العراق . وهي أمور ليست بالغريبة ومتوقعة من رئيس واعضاء المحكمة، وهي وتحمل تواقيع وبصمات من خارج المحكمة من داخل وخارج العراق، وهي معروفة للقاصي والداني، وكأن المحكمة الاتحادية لا تعرف ان نظام الحكم في العراق هو نظام اتحادي فيدرالي وفق الدستور، ووفق المواد 111، 112، 124، والتي تعني صلاحيات استقلال الاقليم في ادارة شؤونها بنفسها وتبني خياراته، وهناك صلاحيات مشتركة بين الاقليم والحكومة الاتحادية وفق المواد 126 و141، فعلى المحكمة الاتحادية ان تفسر المواد القانونية دون ان تعدل او تشرع وفق مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في دستور العراق.

أن المحكمة الاتحادية في هذه القرارات قد مارست دوراً تشريعياً وليس دور الفصل في المنازعات، فهي حكمت بتوطين الرواتب ثم حددت محل التوطين كما حددت اجراءات تقديم المعلومات ومسؤوليات الجهات الاقليمية وفرضت رقابة عليها، وكل هذا ممارسة لدور تشريعي وليس لدور قضائي. وبهذه القرارات قامت المحكمة بنزع اختصاصات وسلطات الاقليم بل ذهبت الى جعل الاقليم جهة ادارية عادية تخضع لرقابة المؤسسات التنفيذية الاتحادية بطريقة تهدم النظام الفدرالي بالكامل. كما سلبت كل صلاحيات الاقليم ومنحتها للحكومة الاتحادية بخلاف نص الدستور الذي يعطي الاختصاصات كلها للأقاليم، باستثناء ما نصت عليه المادة 110 من الدستور المتعلقة بالاختصاصات الحصرية للحكومة الفيدرالية.

ان دوافع هذه القرارات معروفة والجهات التي تدفع المحكمة الاتحادية معروفة، فكلما تتفق حكومة اقليم كوردستان مع الاطار التنسيقي لتشكيل الحكومة حول جملة امور منها تنفيذ المادة 140 من الدستور، ودفع مستحقات الاقليم من الموازنة، ورواتب موظفي الاقليم وغيرها من امور وتتنصل عن الايفاء بوعودها تدفع الكرة باتجاه ملعب المحكمة الاتحادية التابعة لها الى اتخاذ قرارات مرقعة بغطاء قانوني هش وغير دستوري، وهي محاولة لكسر ارادة الاقليم والنيل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني المدافع الحقيقي عن الطموحات القومية والوطنية لشعب كوردستان والذي قارع الدكتاتورية والانظمة الاستبدادية لعقود طويلة، ولم ولن يرضخ الى اية تهديدات واجندات داخلية وخارجية.

ما دفع هذه الحكومة لإصدار هكذا قرارات مسيسة هو الخلاف الكوردي الكوردي .. فالكورد كانوا كتلة واحدة (التحالف الكوردستاني) متراصة وبيضة القبان في تشكيل كل الحكومات العراقية السابقة على عهد الرئيس جلال الطالباني رحمه الله، لكن من خلفه من بعده من المراهقين السياسيين ومن معهم من احزاب كارتونية ومن خلال تقاربهم مع حكومة الاطار التنسيقي والنظام الايراني، اخذت تساندهم حتى في القرارات المصيرية ضد الاقليم وشعب كوردستان في محاولة لإضعاف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، متناسين بانهم جميعاً في سفينة واحدة والتاريخ لن ينسى ولن يرحم اولئك الذين يفضلون مصالحهم الشخصية والذاتية عن مصالحهم القومية والوطنية .

اخيراً نحن بانتظار دور رئيس الجمهورية حامي الدستور بتجاوزات المحكمة الاتحادية على الدستور والنظام الفيدرالي، واصدار قرارات سياسية مليئة بالحقد والكراهية ضد إقليم كوردستان، والكيان السياسي للإقليم، وشعب كوردستان، وضد الديمقراطية وحقوق الأقليات والتدخل بشؤون مؤسسات الإقليم”. فهل سيستخدم صلاحياته لإيقاف هكذا قرارات جائرة بعيدة عن روح الدستور العراقي، ام يبقى صامتا لا حول له ولا قوة (حديدة عن الشيطان) كما يقول المثل العراقي .

قد يعجبك ايضا