اعداد: عدنان رحمن
اصدار 20- 2- 2024
هنا كتاب بعنوان (( مذكرات غلوب باشا- ( 1897- 1983) )) باللغة الانكليزية ومعنون بـــ:
( THE CHANGING SCENCES OF LIFE ANAUTOBLOGRAPHY-SIR JOHN GLUBB)
وكان ذلك من قبل مؤسسة ( كوارتيت بوكس) في العام 1983، طبعته الاولى المُترجمة كانت ببغداد في العام 1988، كانت من منشورات الفجر للنشر والتوزيع- شارع السعدون، بعدَ أن تُرجِمَ مـــــن قبل ( سليم طه التكريتي) في العام 1986. ورد في جزء من الفصل الثامن الذي كان بعنوان ( العراق وبريطانيا):
– ” لقد وزعت الانتدابات من لَدُن عصبة الامم، وفرضت على البلدان التي تقرر فرضها عليها من دون استشارة تلك البلدان، ولذلك فان هذه الاخطاء الخالية من المناهج، قد وردت في مذكرة اثارت الحنق والاشمئزاز. لا يوجد ادنى شك في ان البلدان التي كانت تعود قبلا الى الامبراطورية العثمانية، كانت في حاجة الى المستشارين والفنيين ([1]) من الغرب. ولكن اذا ما تركت تلك البلدان وشأنها فانها سوف تختار اولئك المستشارين والفنيين من امم مختلفة، وبذلك تتجنب المذلة بان تصبح خاضعة لدولة واحدة مسيطرة. ومع ان الانتداب كان فكرة امريكية، الا ان الولايات المتحدة الامريكية، سرعان ما انسحبت من الميدان على الفور، وتركت الحلفاء الآخرين هم الذين ينظمون الوضع، ولو كان الحلفاء كلهم قادرين على ايجاد فريق المستشارين من الاقطار الاوربية الغربية، وسمحوا للبلدان المنتدب عليها بأن تختار المستشارين الذين تحتاج اليهم لامكن بذلك تجنب التوتر والاشمئزاز. فقد كان في مستطاع كل قطر ان يختار خليطا من المستشارين البريطانيين والفرنسيين والامريكيين والايطاليين او الاسكندنافيين. وبهذه الطريقة يستطيع ذلك القطر ان يتجنب الشك المذل بانه عنصر يخضع لبلد غربي معين. كانت كل الامم الغريبة التي عهد اليها بالانتدابات قد اخذت تعامل الاقطار المنتدب عليها بطرق متباينة فالبعض منها كانت تعامل تلك الاقطار في صفة مستعمرات خالصة، ولذلك كانت تعهد بكل الوظائف الادارية العليا الى موظفيها الخاصين ليس الا ([2]) ولست اعتقد بان بريطانيا كانت قد فعلت مثل هذا الامر في العراق ذلك لان كل الموظفين البريطانيين في العراق كانوا استشاريين حسب. هناك عاملان ،اشتركا بصفة خاصة في حوادث العراق. ([3]) لقد وافق الاتراك اثناء مفاوضات الصلح على التخلي عن البلدان التي كانت تابعة لهم والمأهولة باكثرية عربية غير انهم ادعّوا في الوقت ذاته بان الموصل وكوردستان لا تضم اكثرية عربية، وطبقا لذلك فيجب ان تبقى هذه الاقسام تابعة الى تركيا. لم تكن لدى العراقيين حينذاك آية قوات مسلحة، وكان الاتراك يستطيعون ان يحتلوا الموصل وکوردستان بيسر اذا لم تنهد بريطانيا للدفاع عنهما. ولو تحرك الاتراك فتقدموا الى داخل ولاية الموصل وكوردستان لاستطاعوا بذلك، ان يطبقوا على ولاية بغداد ذاتها. واذ ذاك فان العراق حتى اذا ما استطاع تماما ان يحيا فانه سوف يتحول الى دولة صغيرة اشبه بشرقي الاردن، التي فصلت عن سوريا التي غزاها الفرنسيون. وعلى هذا الاساس فانه لم يعد هناك ادنى شك بانه لو لم تقدم بريطانيا على الدفاع عن العراق في سنــــــي العشرينيات [ القرن العشرين] لما كان له من وجود بالشكل الذي هو عليه اليوم. ([4]) ومع كل ذلك فان التذمر من الانتداب الذي فرض على العراق من دون استشارة سكانه لم يمكن التغلب عليه وعلى هذا الاساس شاع التذمر والاشمئزاز طيلة فترة الحكم المزدوج، التي اعانت العراق على ان يبرز في صفة دولة متحضرة من غمرة فوضى الحكم التركي.
ونقول ان ذلك التذمر قد شاع بفعل الساسة العراقيين. ([5]) في سنة ۱۹۲۸ حين انتهت فترة الانتداب اوصت بريطانيا بقبول العراق في عصبة الأمم، باعتبارها دولة مستقلة وبذلك اصبحت الخدمات التي احالتها بريطانيا إلى العراق بصفة نظرية واسعة جدا. ومع ذلك فان ذكرى السنوات الثمان من الحكم المزدوج، ([6]) استمرت تثير التذمر بين الساسة العراقيين”.
في العام 1964 صدر عن الدار القومية للطباعة والنشر- مصر ضمن سلسلة [ أخترنا لك- 3، التي هي ضمن مختارات الاذاعة والتلفزيون] كتاب بعنوان ( فلسفة الثورة) لرئيس أسبق لجمهورية مصر العربية ( جمال عبد الناصر) ورد في جزء من الجزء الثاني منها:
– ” وجاءت الحرب العالمية الثانية وما سبقها بقليل على شبابنا فألهبته وأشاعت النار في خلجاته، فبدأ اتجاهنا، تجاه جيل بأكمله إلى العنف. وأعترف- ولعّل النائب العام لا يؤاخذني بهذا الاعتراف- أن الاغتيالات السياسية توهجت في خيالي المشتعل في تلك الفترة على أنها العمل الإيجابي الذى لا مفر من الإقدام عليه إذا كان يجب أن ننقذ مستقبل وطننا. وفكرت في اغتيال كثيرين وجدت أنهم العقبات التى تقف بين وطننا وبين مستقبله، ورحت أعدّ جرائمهم، وأضع نفسي موضع الحكم على أعمالهم، وعلى الأضرار التي ألحقتها بهذ الوطن، ثم أشفع ذلك كله بالحكم الذى يجب أن يصدر عليهم. وفكرت في اغتيال الملك السابق وبعض رجال الدِين الذين كانوا يعبثون بمقدساتنا. ولم أكن وحدي في هذا التفكير ولمّا جلست مع غيري انتقل بنا التفكير إلى التدبير. وما أكثر الخُطط التي رسمتها في تلك الأيام وما أكثر الليالي التي سهرتها، أعد العدّة للأعمال الايجابية المنتظرة. كانت حياتنا في تلك الفترة كأنها قصة بوليسية مثيرة. كانت لنا أسرار هائلة، وكانت لنا رموز، وكنّا نتستّر بالظلام، وكنّا نرص المسدسات بجوار القنابل، وكانت طلقات الرصاص هي الأمل الذي نحلم به!. وقُمنا بمحاولات كثيرة على هذا الاتجاه، وما زلت أذكر حتى اليوم انفعالاتنا ومشاعرنا ونحن نندفع في الطريق إلى نهايته. والحقّ أنني لم أكن في أعماقي مستريحا إلى تصور العنف على أنه العمل الإيجابي الذى يتعين علينا أن ننقذ به مستقبل وطننا. كانت في نفسي حيرة، تمتزج فيها عوامل متشابكة: عوامل من الوطنية ومن الدِين ومن الرحمة ومن القسوة ومن الإيمان ومن الشك ومن العِلم ومن الجهل… ورويدا رويدا وجدت فكرة الاغتيالات السياسية التي توهجت في خيالي، تخبو جذوتها وتفقد قيمتها في قلبي كتحقيق للعمل الإيجابي المنتظر. وأذكر ليلة حاسمة في مجرى أفكاري وأحلامي في هذا الاتجاه، كنّا قد أعددنا العدّة للعمل. واخترنا واحدا قلنا إنه يجب أن يزول من الطريق. ودرسنا ظروف حياة هذا الواحد ووضعنا الخطة بالتفاصيل. وكانت الخطة أن نطلق الرصاص عليه وهو عائد إلى بيته في الليل. ورتبنا فرقة الهجوم التي تتولى إطلاق النار، ورتبنا فرقة الحراسة التي نحمي فرقة الهجوم، ورتبنا فرقة تنظيم خطة الإفلات إلى النجاة بعد تنفيذ العملية بنجاح. وجاءت الليلة الموعودة وخرجت بنفسي مع جماعات التنفيذ. وسار كل شيء طبقا لما تصورناه. كان المسرح خاليا كما توقعنا، وكمنت الفرق في أماكنها التي حُددّت لها، وأقبل الواحد الذي كان يجب أن يزول، وانطلق نحوه الرصاص. وانسحبت فرقة التنفيذ، وغطّت انسحابها فرقة الحراسة وبدأت عملية الإفلات إلى النجاة، وأدرت مُحرك سيارتي وانطلقت أغادر المسرح الذي شهد عملنا الإيجابي الذى رتبناه. وفجأة دوت في سمعي أصوات صريخ وعويل ووَلوَلة امرأة ورعب طفل، ثم استغاثة متصلّة محمومة. وكنت غارقا في مجموعة من الانفعالات الثائرة، والسيارة تندفع بي مُسرعة. ثم أدركت شيئاً عجيبا. كانت الأصوات ما زالت تُمزق سَمعي. الصراخ والعويل والوَلوَلة والاستغاثة المحمومة. لقد كنت بعُدت عن المسرح بأكثر ممّا يمكن أن يسري الصوت ومع ذلك بدا ذلك كلّه كأنه يلاحقني ويطاردني. ووصلت إلى بيتي واستلقيت على فراشي، وفي عقلي حمّى و في قلبي وضميري غليان متصّل. وكانت أصوات الصراخ والعويل والوَلوَلة والاستغاثة ما زالت تطرُق سَمعي. ولم أنَم طول الليل، بقيت مستلقيا على فراشي في الظلام، أشعل سيجارة وراء سيجارة، وأسرح مع الخواطر الثائرة، ثم تبددت كل خواطري على الأصوات التي تلاحقني. أكنت على حق؟. وأقول لنفسي في يقين: دوافعي كانت من أجل وطني!. أكانت تلك هي الوسيلة التي لا مفر منها؟. وأقول لنفسي في شك: ماذا كان في استطاعتنا أن نفعل؟. أيمكن حقا أن يتغير مستقبل بلدنا إذا خلصناه من هذا الواحد أو من واحد غيره، أم المسألة أعمق من هذا؟. وأقول لنفسي في حيرة: أكاد أحس أن المسألة أعمق. إننا نحلم بمجد أمة، فما هو الأهم: أيمضي مَن يجب أن يمضي؟. أم يجيء من يجب أن يجيء؟. وأقول لنفسي وإشعاعات من النور تتسرب بين الخواطر المزدحمة. بل المهم أن يجيء مَن يجب أن يجيء. إننا نحلم بمجد أمة ويجب أن يُبنى هذا المجد!. وأقول لنفسي وما زلت أتقلّب في فراشي في الغرفة التي ملأها الدخان وتكاثفت فيها الانفعالات: وإذن؟. وأسمع هاتفا يرنّ عليَّ: وإذن ماذا؟. وأقول لنفسي في يقين هذه المرّة: إذن يجب أن يتغير طريقنا. ليس ذلك هو العمل الإيجابي الذي يجب أن نتجه إليه. المسألة أعمق جذوراً وأكثر خطورة وأبعد أغواراً. وأحسّ براحة نفسية صافية ولكن الصفاء ما يلبث أن تمزقه هو الآخر أصوات الصراخ والعويل والوَلوَلة والاستغاثة، تلك التي ما زالت أصداؤها ترّن في أعماقي. ووجدت نفسي أقول فجأة: ليته لا يموت!. وكان عجيبا أن يطلع عليَّ الفجر، وأنا أتمنى الحياة للواحد الذي تمنيت له الموت في المساء!. وهرعت في لهفة إلى إحدى صحف الصباح.. وأسعدني أن الرجل الذي دبَرْتُ اغتياله قد كُتِبَت له النجاة”.
[1] – نود ان يلاحظ القارىء بان كلمة ( فنيين) هنا انما يقصد بها اصحاب الفن المحلي التطبيقي TECHNOLOGISTS ممّا تعارف عليه الآن لدى كثير من المترجمين بكلمة ( تقنيين).
[2] – في هذا يلمح المؤلف الى معاملة الفرنسيين والايطاليين بصفة خاصة لسكان البلدان التي استولوا عليها او التي عُهد اليهم بالانتداب عليها، والفظائع التي انزلوها بالشعب العربي في ليبيا، وسوريا وتونس والجزائر والمغرب التي ما تزال تئن من اثار الاحتلالين الفرنسي والايطالي.
[3] – يقصد بذلك ثورة العراق الكبرى في سنة ۱۹۲۰ ، والانتفاضات التي اعقبتها بعد فرض الانتداب وتشكيل الحكم الملكي فيه.
[4] – واضح تماما ان الوضع الحرج الذي اصبح العراق فيه عند انتهاء الحرب العالمية الاولى، قد خلق مجالا واسعا امام بريطانيا لتثبيت اقدامها في العراق والتشبث بكل الوسائل لبسط سيطرتها عليه. فلقد تضافرت تحركات الاتراك ومطالباتهم بولاية الموصل التي كانت تشمل ،كردستان مع المؤامرات الانكلو فرنسية التي تمثلت في معاهدة سايكس بيكو وما اعقبها ولهذا فان بريطانيا لم تقدم على العمل لاعادة ضم ولاية الموصل الى العراق الا بعد ان كبلت العراق بالمعاهدة الأولى التي ارغمت اعضاء البرلمان العراقي بالقوة وعند منتصف الليل، على المصادقة عليها ذلك لان هذه المعاهدة، والمعاهدات الاخرى التي اعقبتها هي التي حققت الهدف الاول من الاحتلال البريطاني على العراق والمتمثل في استغلال موقعه الستراتيجي المهم، وموارده النفطية الهائلة. فبعد ان تم التصديق على تلك المعاهدة صدر قرار عصبة الامم بان ولاية الموصل جزء لا يتجزأ من العراق وتم تثبيت ادعاءات بريطانيا وشريكاتها في نفط العراق والمبادرة باستغلاله على الفور.
[5] – على الرغم من كل الفضائل المزعومة لفترة الانتداب البريطاني على العراق فان العراقيين قد تحققوا بصفة عملية بان الاجراءات التي طبقتها بريطانيا، لم يكن يقصد بها تحويل العراق الى دولة عصرية مستقلة، كما كان الانكليز يزعمون ذلك على الدوام، بقدر ما كان يراد بها الحفاظ على المصالح الاستعمارية البريطانية في العراق وفي مقدمتها استغلال موارد العراق وخيراته ونفطه بصفة اساسية، وابقاء العراق طريقا مأمونا للوصل بين بريطانيا ومستعمراتها في الشرق الادنى من امثال الهند وبورما والملايو، وضمان سيطرتها الكاملة ومن دون منافس اطلاقا على الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية الى جانب فلسطين وشرق الاردن.
[6] – المقصود به الحكم الذي قام خلال الفترة الانتدابية، حيث كان الانكليز يحكمون العراق في الخفاء الى جانب الحكم الملكي الذي قام فيه سنة 1921.