الحرب الأمريكية الإيرانية.. من ساحة العراق إلى المواجهة المباشرة

‎شيركو حبيب

‎بعد سقوط نظام شاه إيران في العام 1979، وبداية نظام جديد عقب رجوع الإمام الخميني إلى طهران، بدأت العلاقات الأمريكية الإيرانية بالانهيار والتدهور، حيث كان شاه إيران حليفا استراتيجيا لأمريكا يطلق عليه “حارس الخليج”، وبعده تحولت العلاقات إلى خلافات عميقة.

‎طفت هذه الخلافات على السطح وعبر وسائل الإعلام، واعتبرت إيران أمريكا العدو اللدود لها، فكانت الشعارات التي رفعتها بعد رجوع الخميني إلى طهران تندد بالاستكبار العالمي، وأخذت طهران القدس وتحريرها من إسرائيل و تدمير المحتل شعارا لها، مع التنديد المستمر بدعم واشنطن لتل أبيب، واعتبرت نفسها حامي المستضعفين في العالم.

‎كانت أول مواجهة بين أمريكا وإيران بعد العام 1979 اعتقال مجموعة من دبلوماسيي و موظفي السفارة الأمريكية من قبل طلاب الجامعات واخذهم كرهائن في عهد الرئيس جيمي كارتر، وكان مسؤول العملية أحمدي نجاد الرئيس الأيرانى الأسبق الذي كان آنذاك طالبا.

‎إعلاميا؛ بدأ كلا الجانبين بتوجيه الاتهام إلى الآخر وتوصيفه كسبب لمشاكل العالم، عبر الإدعاءات المتبادلة، وبعد عام 2003 بدأت الخلافات أكثر شدة للسيطرة على العراق والتركيز عليه، فالعراق بالنسبة لإيران من الناحية الجغرافية ممر مهم للوصول إلى سوريا وجنوب لبنان، وكذلك للأمريكان أيضا، ولكن خلف الكواليس كان هناك تفاهم بين الطرفين حول العراق، أدى إلى تنامي نفوذ إيران داخله بعد مماطلة أمريكا وتخلي بعض الدول العربية عن العراق.

‎هكذا أصبحت إيران تتدخل في شؤون العراق وبات لها الدور الأكبر في تشكيل الحكومة وانتخاب رؤساء الوزراء والدولة و البرلمان، ومرارا أثار المسؤولون الإيرانيون مزاعم أن العراق جزء من إيران، وكثرت نشاطات الجماعات المسلحة الموالية لطهران داخل وخارج البلد، وبدأت تهاجم المصالح الغربية وخاصة الأمريكية في المنطقة، وتتدخل في شؤون سوريا واليمن ولبنان، وتتحالف مع أعداء أمريكا التقليدين، روسيا والصين، وتهاجم القوات الأمريكية في سوريا والعراق.

‎أصبح العراق ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية والتدخلات الخارجية من حدوده الشمالية والشرقية بحجج واهية، وأصبحت أراضيه، وخاصة كوردستان، هدفا لهذه الدول، وخلال القصف الجوي والصاروخي والطائرات المسيرة ألحقت أضرارا بكوردستان، فدمرت الممتلكات وأزهقت أرواح الأبرياء.

‎ورغم وجود قوات وقواعد أمريكية في دول أقرب إلى إيران، وكذلك الوجود الإسرائيلي في دول لا تبعد عن مدى النظر الإيراني، إلا أن العراق أصبح ساحة حقيقية لتصفية الحسابات والسيطرة على خيراته، وصار وشعبه الضحية الأولى لهذه الخلافات والصراعات المفتعلة، وأصبحت البنية التحتية للبلد منهارة، والخدمات في كثير من المناطق ليست على المستوى المطلوب، وأصبح الاقتصاد العراقي مرهونا بالعلاقات الأمريكية الإيرانية.

‎وأصبح العراقيون ضحية هذه التنافسات السياسية والعسكرية بين الغرب والشرق، رغم أنهم كانوا ضحايا نظام امتد حكمه لعقود من الزمن نالوا خلاله أبشع سوءات الديكتاتورية.

‎اليوم؛ تبدو الدولتان ظاهريا عدوين لدودين لبعضهما، ويلاحظ أنه خلال فترة المظاهرات التي اندلعت في إيران لم يقدم الأمريكان أي مساعدة للمتظاهرين ، بل كان كل الدعم إعلاميا.

‎إيران تلعب بذكاء وخاصة بعد الحرب على غزة، وظاهريا لم تتدخل خوفا من شن أمريكا والدول المتحالفة معها هجوما عليها أو على الميليشيات التابعة لها، فهدف إيران الرئيسي إرغام القوات العسكرية الأمريكية على الخروج من العراق، واللعبة الذكية لإيران هنا في استدعاء أتباعها بالعراق، فإيران لا تستطيع فعل شيء مباشر ضد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق، وهي ليست على أراضي إيران ذاتها بالتأكيد.

‎إن خروج القوات الأمريكية مطلب جماهيري، ولكن الحسابات الصحيحة تقول ليس في الوقت الراهن، فلايزال داعش نشطا وفاعلا، والتدخلات الخارجية بشؤون العراق مستمرة، والمطلوب من جميع الفصائل العراقية أن يكون انتماؤهم للعراق خالصا ويعملوا من اجل المصلحة العراقية أولا دون الاهتمام بمصالح هذه الدولة أو تلك، ومطلب أساسي أن تكون العلاقات العراقية مع هذه الدول على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

‎إن انسحاب القوات الأمريكية والتحالف في الوقت الراهن سيعود بالعراق إلى نقطة الصفر وسيكون العراق أفغانستان ثانية، وإذا كانت إيران تحارب أمريكا فعليها محاربتها في عمق دارها، وكذلك أمريكا، عليها محاربة إيران في عمق دارها إن أرادت، وليس في العراق كي لا يظل العراقيون يدفعون الثمن بين الأرواح و الأموال، بينما العالم المستضعف أو المتواطيء صامتا أمام هذه المشاهد الفوضوية المنظمة سلفا من قبل أعداء متصارعين على أرض غيرهم.

قد يعجبك ايضا