الخط المسماري والكتابة الكوردية في المملكة العيلامية 

مؤيد عبد الستار

  منذ اوائل الالف الثامنة قبل الميلاد 8000 ق.م اي قبل عشرة الاف سنة تشكلت اولى المجتمعات الزراعية في بلاد العيلاميين – ايلام – وهي بلاد الكورد الفيليين ويطلق عليهم اللور  ايضا وتسمى بلادهم لورستان، نسبة الى اكبر القبائل الكوردية في البلاد  وهي قبائل اللور الكبرى واللور الصغرى، وقد قسمت بلادهم  في العصر الحديث بين ايران والعراق.

  كانت  بلاد الكورد الايلاميين  تمتد على رقعة جغرافية واسعة  تتشكل من هضاب وجبال وسهول تدعى في ايران حاليا خوزستان و تشمل جزء من السهل الرسوبي الجنوبي في العراق ( بلاد ما بين النهرين)، وقد تاسست عدة قرى – مجمعات سكنية – في بلاد الايلاميين قبل حوالي سبعة الاف عام وظهرت مدينة سوسة  بنظامها السياسي وفنونها واصبحت عاصمة ايلام، وخلال الالف الثالثة قبل الميلاد نشأت مملكة عيلام  ( ايلام )  المكونة من  مدينتي سوسة وانشان، وفي حقبة مبكرة، حوالي  الالف الثامنة قبل الميلاد استطاع ابناء ايلام تدجين الاغنام والماعز في منطقة علي كوش الواقعة حاليا جنوب غرب ايران وفي تلك الحقبة ايضا تم صناعة اواني الطين  وتماثيل بشرية وحيوانية من الطين في منطقة جانج داره – غرب ايران.

تأسست مدينة سوسة عام 4200 قبل الميلاد على قاعدة من الارض الزراعية الخصبة، محاطة بعدة قرى زراعية، شيدت على قاعدة  ارضية كبيرة من الطابوق  واصبحت مركزا لما يسمى حاليا في ايران خوزستان. 

تم العثور على قطع اثرية كثيرة فيها مثل الاواني الملونة والتحف اليدوية التي دفنت في القبور قرب قاعدة المدينة ويظهر تنوع القطع وتعدد مصادر صناعتها
الشخصية وان عدداً كبيراً من الفنانين الصناع كانوا يعيشون فيها.

وفي الالف الرابعة قبل الميلاد  حوالي 3400 ق.م تم صناعة الخزف – السيراميك – والاختام الاسطوانية والتماثيل في مدينتي جوغا ميش  وسوسة، وهي مشابهة لتلك التي عثر عليها في جنوب العراق.

عرف الكورد العيلاميون الكتابة واستخدموها منذ الالف الثالثة قبل الميلاد، اي قبل اكثر من خمسة الاف عام، وذلك في عهد ملكهم بوزور انشو شيناك الملك الاخير في سلالة ملوك اوان، استنادا الى قائمة الملوك التي عثر عليها في سوسة عاصمة ايلام، والملك بوزور انشو شيناك  حكم حوالي عام 2150 قبل الميلاد وهو معاصر للملك اور نامو، اول حاكم في سلالة اور الثالثة في بلاد الرافدين والملك جوديا حاكم مدينة لجش.

 الخط الايلامي الكوردي  Linear Elamiteخط كوردي قديم عرف
في بلاد العيلاميين ويوجد منه تسعة عشر لوحا – رقم طيني – محفوظ حاليا في متحف اللوفر في باريس، كما يوجد اناء فضي  في متحف طهران نقشت عليه ستة رموز خطية ايلامية  وهناك ختم من المرمر على هيئة ثور متوج بثلاثة رموز من الخط الايلامي والتي قد تشير الى اسم شخص ما.

ومن اولى المحاولات لفك رموز الخط الكوردي الايلامي كانت محاولة والتر هنز Walther Hinz الذي حاول ترجمة بعض الالواح واصدر لائحة بالرموز تشتمل على 56  ستة  وخمسين رمزا او علامة كتابية.
  
ظهرت الكتابة الايلامية – العيلامية – القديمة بموازاة ظهور الكتابة المسمارية في وادي الرافدين، فمنذ الالف الثامنة قبل الميلاد استخدمت الرموز للكتابة على الطين لتشير الى الحبوب  او المواشي والدواجن والمواد المصنعة من اجل التسجيل والحساب. 

وفي اوائل الالف الثالثة قبل الميلاد ظهر تحول في التطور الصناعي في بلاد الرافدين والذي يتجلى في تكنولوجيا الخزف الذي اقتبس من ايلام  و ان الهجرات التي حدثت في تلك الانحاء كانت السبب في نقل المبتكرات هنا وهناك.
 

ومهما تكن الاسباب فانه حوالي عام 2900 قبل الميلاد ظهرت كتابة جديدة في ايلام تسمى الكتابة الايلامية الاولية Proto- Elamite   
  وهي تمثل نظام الكتابة البدائي في ايلام. ويتضح من العاديات والاثار  الباقية انها لاتشبه الكتابة المسمارية في وادي الرافدين بل تتألف من خطوط ودوائر،وما تزال النصوص غير مقروءة، اذ لم يستطع الاثاريون فك  شفرتها وفي اللوح المرفق مع المقال نموذج لهذه الكتابة الايلامية ( صورة رقم 1)  وان اتجاه الكتابة من اليمين الى اليسار.

استخدمت الكتابة الايلامية الاولية في منطقة جغرافية واسعة تساوي رقعة ايران الحالية، رقعة تمتد جغرافية تمتد من سوسة  عاصمة ايلام القريبة من بلاد الرافدين الى وادي السند، اي من الهند الى ايلام.

بعد منتصف الالف الثالثة قبل الميلاد، تحولت الكتابة الايلامية الاولية الى الخط الايلامي، وكان اكتشاف نص مزدوج اللغة، احد السطور من الخط الايلامي والاخر من الاكدية القديمة في عاصمة ايلام – سوسة ، عام 1905 م وفر امكانية قراءة الخط الايلامي بشكل جزئي.

ان نظام الكتابة الايلامي نظام مقطعي و صوري (صورة رقم 2)  واقدم نص لها هو الذي  ينسب للملك بوزور انشو شيناك، حوالي عام 2200 قبل الميلاد. 

اما اشهر نموذج للمسمارية الايلامية التي شاعت في العصور المتاخرة – قبل الاسلام – فهو النموذج المنقوش على جبل بيستون – في كرماشان/شرق كوردستان. 

ان اللوح المنقوش على جبل بيستون بامر من الملك دارا الاول، حوالي القرن الخامس قبل الميلاد 500 ق م نقش باللغة الكوردية الايلامية  ( تسمى احيانا الفارسية القديمة او البهلوية )، واللغة الارامية التي كانت شائعة وكانت تستخدم الى جانب اللغة الكوردية كلغة رسمية في المخاطبات  بينما كانت اللغات الاخرى مثل البابلية والسومرية تستخدم في الادب والدين والحلقات العلمية، وهكذا فان اللغة الكوردية الايلامية كانت موجودة جنبا الى جنب مع البابلية منقوشة على جبل بيستون، والصورة رقم 3  نموذج  لجزء من النقش المسماري على جبل بيستون.

وقد تمكنت هيئة الرموز المسمارية التابعة لجامعة كاليفورنيا تحليل حوالي الف وستمائة نص واكثر من عشرة الاف سطر من الكتابات الاولية، فحللت الف وتسعمائة رمز وصورة كتابية، وهو عدد كبير جدا، كما ان بعض النصوص الكتابية الايلامية الاولية البدائية تبدو وكأنها كتابة صورية بينما نجد نصوصا اخرى اكثر تطورا في بنائها وتركيبها مع بقاء منظومة الكتابة دون تطور، وتظهر الكتابة الايلاميةاللاحقة – الخط الايلامي – عدم تشابه مع الكتابة الصورية الايلامية الاولية – البدائية.

ان النص الاطول والاهم يوجد في نصب وجزء منه مدون في لغتين، نقشت على صخرة كبيرة عليها تمثال الالهة نارونته Narunte
يحتوي النصب على نقش اسم الملك بوزور انشو شيناك بالاكدية، كما توجد بعض النصوص منقوشة على اكواز طينية مفخورة، وصحون من الطين والواح طينية، وبعض الالواح منقوش عليها بالايلامية والاكدية المسمارية.

ان اقدم نص ايلامي مسماري كان النص الذي يعرف بوثيقة نارام سن او عهد نارام سن، ويعود للالف الثالثة قبل الميلاد.

 ومن بين ملوك ايلام الذين دونوا مايريدون على الالواح الملك أنتاش نابيرشا 
              Untash Napirsha
الذي ترك زقورة شيدها في جوغا زنبيل، و الملك هتل  اوتوش انشو شيناك Hutelutush Insh Shinak
الذي لجأ الى مدينة انشان الواقعة على حدود سوسة على حافة جبال زاغروس بسبب هجوم الملك البابلي نبوخذ نصر عليه(  1125 – 1104  قبل الميلاد ).
وقد يكون الاكديون استخدموا المسمارية الايلامية في سوسة، علما ان الايلامية المسمارية كانت متميزة ومختلفة عن المسمارية الاكدية ولها رموزها الخاصة في الالف الثانية قبل الميلاد.
وتطورت الايلامية لتصبح الالف باء المبسطة التي استخدمت في الفارسية القديمة.

ويؤرخ ظهور او اكتشاف الكتابة المسمارية في اوروك وايلام بحقبة زمنية متقاربة فتؤرخ المسمارية في اوروك بحوالي عام  3200 قبل الميلاد و الكتابة الايلامية الاولية تؤرخ بحوالي عام  3050 قبل الميلاد ولا شك ان الكتابة الايلامية الاولية هي نمط قديم من اللغة الايلامية التي نستدل عليها من الكتابة  الايلامية الاقدم.

ان الخط الايلامي استخدم لتدوين العقائد وان الواحا عديدة تحمل منه  اسم الملك بوزور انشو شيناك حسب المدونات الاكدية، او كوتك انشو شيناك حسب المدونات التي حللها والتر هنز من الخط الايلامي، والملك كوتك انشو شيناك او بوزور اشنو شيناك حكم حوالي 2150 قبل الميلاد  كما اسلفنا.

ومن الجدير بالذكر ان الواحا مكتوبة بالخط الايلامي عثر عليها في اوزبكي شمال غربي ايران وفي سيالك وفي ماليان وفي مدينة ( تبه يحيى ) تبعد حوالي 75 كم شمال مدينة جيرفت.

كما عثر على الواح مكتوبة بالخط الايلامي المسماري تعود للعصر الاخميني في مدينة برسي بولس التي كان يسميها الجغرافيون العرب اصطخر.

ويذهب الباحث فالات F.Vallat 
الى ان الحضارة  الايلامية كانت خفاقة في انشان وخوزستان ومن ثم انتقلت من الشرق الى سوسة- غرب ايران –  بسبب الضغط الذي كانت تسببه القبائل الفارسية المهاجمة من الشرق على الحضارة الايلامية.

 ويطلق على ابناء ايلام تسمية اللور و الفيلي  نسبة الى احد ملوكهم المدعو بيلي، والتي اشتق منها بهلوان ( بهلي، بهلوي،  فيلي،   فهلوان،  وفهلوي  بالمصرية )  بسبب براعتهم في ركوب الخيل والفروسية  فهم من اوائل الشعوب التي دجنت الخيول واستخدمتها في الركوب وجر العربات والحروب.

هوامش وملاحظات :
يعد الباحث ميرجي اشهر باحث وضع جدولا لتحليل الرموز الكتابية الايلامية، ينظر :P. Meriggi, La scrittura proto- elamica, Rom Accademica nazionale dei Lincei, 1974.

 وقد ظهرت اشكالات في قراءة النصوص بالاستناد الى جداول ميرجي، فتم التغلب عليها بالاستعانة بمؤلف اخر ظهر عام 1989 م للمؤلفين:P. Damerow & R. Englund 
The Proto – Elamite texts from Tepe yahya, 1989
وكذلك كتاب:R. Englund
The State of Decipherment of Proto-Elamite
اما الباحث داميرو  P.Damerow  الذي نشر كتابا بعنوان :
The Origins of Writing as a Problem of Historical Epistemology.1999

فيقدم احصاء لرموز الكتابة الايلامية الاولية ويستنتج ان التطور الكبير في علامات – رموز، صور- الكتابة يظهر الطريقة التي نشأت فيها الكتابة  في الحضارة الايلامية.

وفي الحقيقة ان الرموز ماقبل الكتابة التي وجدت باعداد  كبيرة ومختلفة جدا تطورت اخيرا الى نظام كتابي حصر الرموز الكثيرة  وجعلها عددا محدودا واساسا متفقا عليه  يكون ذخيرة للكتابة.

ينظر ايضا الى ما نشره بازيللو  حول لوح كونار سندال الذي عثر عليه قرب مدينة جيرفت  والذي  كتب بالخط الايلامي ويعده الباحثون اقدم خط للكتابة  : 

قد يعجبك ايضا