كفري والكوردياتي، واللهجة الكوردية الكلهورية في وجدان عُلماء الدِين الكورد، و ” الحب أعمق من التاريخ”
اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 30- 1- 2024
في العام 1971 طُبِعَ كتاب بعنوان ( ابراهيم خان- ثائر من كوردستان) للاستاذ مكرم الطالباني في مطبعة أسعد ببغداد، التي اورد ان ( ثورة ابراهيم خان) هذه العبارة تسمعها من الكهول والشيوخ في منطقة كفري)، واضاف ( كانت ثورة ابراهيم خان حلقة من سلسلة الثورات الوطنية التي اندلعت اولى شراراتها عام 1919 ضد الاحتلال البريطاني في كوردستان وامتد لهيبها الى الجنوب). وورد ايضا:
– ” النواة الأولى لوحدة المشاعر الكوردية في الوحدة القومية
بالرغم من وجود بعض المدراس الاعدادية والمهنية في السليمانية وكركوك، إلا ان الدراسة فيهما كانت باللغة التركية. ففي السليمانية كانت توجد اعدادية عسكرية يُرسل المُتخرجون منها الى اسطمبول لاكمال الدراسة العسكرية في الكلية العسكرية وكلية الاركان إذا اقتضى الامر، غير ان تلك المدارس ما كانت تُحيي التراث القومي او تجمع الثقافة القومية للكورد، بل بالعكس كانت تفرض الثقافة التركية والتراث القومي التركي. الا ان القرى الكوردية تميزت منذ القدم بوجود المساجد فيها وهي اوسع من اكواخ الفلاحين وتُبنى على منابع المياه، ويديرها رجل دين ( مه لا) والمساجد في كوردستان علاوة على انها محل لاداء الطقوس الدينية والعبادة والصلاة، فانها مدرسة اوليّة يُعلّم فيه الملا اولاد القرية مبادىء القـراءة والكتابة والقرآن الكريم وبعض المؤلفات المكتوبة باللغة الفارسية من حكميات الشاعر والحكيم الفارسي الشيخ الشيرازي، ککتابي ( گلستان) و ( بوستان) كما يعلموهم قراءة بعض الكتب الكوردية ومعجماً منظوما عن المفردات الكوردية والعربية يُســـــــــــمى ( احمدی) ([1])، ويتقاضى الملا من القرويين زكاة الفطر لقيامه بالامامة في الصلاة وبالوعظ الديني في شهر الصوم وباجراء المراسيم الدينيـة الاخرى كدفن الموتى. كما يتقاضى اجرا عن عقد النكاح والقضاء في المنازعات الشرعية والمدنية، ويتقاضى من اولياء طلابه، اجور زهيدة عن التدريس وبعض العينيات في مواسم جني المزروعات. وهكذا يكون الملا في القرى الكوردية الامام والواعظ والقاضي والمعلّم وله مكانة محترمة بينهم وبفضله تقّل نسبة الاميّة بين الفلاحين. وكان بعض التلامذة يكرسون انفسهم لدراسة علوم الشريعة الاسلامية واكمال العلوم الاثنى عشر التي ينالون بها الشهادة العلمية والتخويل للافتاء في الامور المتعلقة باحكام العبادة من صلاة وصوم وزكاة وحج والاحوال الشخصية من نكاح وطلاق ونفقة والمعاملات بين الناس كالشراكة والبيع والارث والوصية لذلك نفوذه بين الفلاحين اكبر من الاغا. وكان للمتعلمين درجات في كوردستان فمنهم ( القوتابي) وهو التلميذ الذي يتلقى الدراسة عند الملا او من دونه ومنهم من يتفرغ للتقدم بالدراسة ليكــــون ( فه قي) وهو غير الفقيه المعروف بين رجال الدين الكبار، انما هو التلميذ الذي اجتاز مرحلة التعلم الابتدائي وتفرغ لدراسة النحو والصرف في اللغة العربية لتعينه في الدراسات المقبلة لمؤلفات مشاهير العلماء في العلوم الاسلامية. وللفه قي مرحلتان: الأولى ( سوخته) وهو الذي يُدرس العلوم اللغوية. و ( مُستعد) وهو الذي يدخل في مرحلة دراسة العلوم الاسلامية، واذا اكمل الطالب جميع مراحل الدراسة، وهي اثنتا عشرة مرحلة واجتاز الامتحان لدى العلماء المشهورين ينال شهادة العلم ليكون (مولا) ويُسمى آنذاك ( ملاي دوانزه علم)- ( الملا ذو الاثني عشر علما) ومِن هؤلاء مَن يتبحر في العلوم الاسلامية ويؤلف فيها البحوث التي تكون مادة للتدريس فيَصِل الى درجة ( دانا- أي العالِم) ويكون من المراجع العليا في الفتاوي والقضاء، وله وحده الحق في اختبار ( المُستعدين ومنح الشهادة العِلمية لِمَنْ يجتاز منهم الامتحان”.
وأضاف الطالباني:
– ” يحفظ التلامذة دروسهم عن ظهر قلب فتراهم يتمشون في باحات المساجد يستذكرون دروسهم باسلوب غنائي ويُدخِلون في الفواصل عبارات كوردية من الاشعار الغنائية وكأنهم يؤدون الترنيمات الدينية. وقد أسسّ كبار العلماء مدارس عليا للدراسـات الاسلامية ومنهم الملا علي القزلجي الذي اسسّ مدرسة في قرية ( تورجان- مكريان). والملا عبد الرحمن في بنجوين. والملا قادر في بياره. والشيخ عمر القره داغي وبابا علي تكيه فى السليمانية. والملا محمد الجلي في كويسنجق. والملا ابو بكر فى اربيل. والملا عبد الله پیره باب في شـنو. والشيخ علي الطالباني. والملا عبد الله دشه بي سنه. والملا ناصح المدرس. والملا علي حكمت في كركوك”.
وأضاف الطالباني:
– ” إنّ هؤلاء المثقفين كانوا يَطلّعون في سِني دراسـتهم وتنقلاتهم على احوال مختلف مناطق کوردستان ويتصلون بمختلف فئات وطبقات الشعب الكوردي ويتبادلون الآراء معهم وهم النخبة التي كانت ولا تزال تلعب دورها المجيد فى بلورة المشاعر الوطنية ونشأ من بينهم العديد من الشُعراء الذين ألهبوا الحماسة الوطنية لكوردية في جيلٍ كامل. وكانت دواوين الامراء والمساجد ودُور العِلم تتحوّل ليلا الى نوادي أدبية وسياسية يتبارى فيها التلامذة بالقصائد الكثيرة التي يحفظونها لهذا الشاعر او ذاك وبمختلف اللغات العربية والتركية والفارسية والكوردية”.
واضاف الطالباني:
– ” وكانت القصائد الوطنية المتقدة حماسة للشاعر القومي الثوري ( الحاج قادر كويي) تحتل الصدارة عندهم وتبث فيهم الحماس الوطني والشعور القومي وتُغنى في هذه الدواوين الرواية الغنائية ( مه م وزين) للشاعر الكوردى الشهير ( احمدي خاني) و ( شیرین وفرهاد) للشاعر الشـهير ( خاناي قوبادي) وقصائد الغزل الرقيق والتصوف لاكبر شعراء الكـورد ( مولوي) باللهجة الكوردية الكلهرية ( هه ورامي) والهجائيات اللاذعة للشيخ رضا الطالباني باللهجة السورانية. وفي هذه الدواوين والمساجد والمدارس دونت الاساطير المُعبرة عن الثقافة الشعبية الكوردية وجُمعت دواوين الشعراء لتُطبع فيما بعد فأنقذت ([2]) من الضياع رغم النكبات الشبيهة بنكبة بغداد، وفيها تُرجمت المؤلفات الفارسية والعربية والتركية الى اللغة الكوردية. وهي التي كانت تدعو الى ربط المناطق والامارات الكوردية في وحدة قومية، وتلعبُ دوراً مجيدا في التوجيه الفكري في الانتفاضات والثورات التي اندلعت في مختلف انحاء کوردستان”.
واضاف الطالباني في جزء تحت عنوان فرعي ( اثر حركة المثقفين الاتراك في كفري):
– ” كانت البورجوازية التركية الناشئة تحمل شعاراتها ( حريت، عدالت، مساواة)، عن طريق الموظفين وقادة الجيش من اعضاء ومؤيدي حزب ( الاتحاد والترقي) الى ابعد المناطق. وهي بجانب اتباع سياسة صهر القوميات غير التركية في بوتقة القومية التركية، كانت تكتل القوى النامية لمختلف الشعوب الاسلامية في الامبراطورية العثمانية، ضد اتوقراطية السلاطين العثمانيين، وكانت تقضح الاساليب اللاإنسانية في الحكم القائم”.
اما الصحفي والكاتب والشاعر سالم اسماعيل نوركَه فلَهُ مجموعة شعرية بعنوان ( أبجديات الرومانسية) في العام 2012، من دون دار نشر او اسم مطبعة، التي أورد على غلاف صفحتها الأخيرة ” الحب أعمق من التاريخ”، ومنها:
– ” أحبك أكثر
تعالي أسعفي محبك العنيد
فأنت قمر ليلي الوحيد
أحبك بالصمت أحبك بالهمس
أحبك كل يوم أكثر من أمس
تعالي أنهي عندي عصر الجليد
فعيناك بركان دفء فريد
يا لؤلؤة كل خلجاني
تنهب الأيام من دونك مسراتي وتكثف أحزاني
وأنا المغرم حدودك ووصلك
عجبا من عاشق يعشق فيك الضدين
والفرق بيني وبين السلاطين هو أقراري
بهزيمتي ولا يعنيني نصر المجانين
أتعلمين لم يا سيدتي رغم كل ما فيك من تناقضات أحبك أكثر؟!
فالنتائج تتبع الصفات الغالبة فأنت سبيكة فيها الذهب أكثر
تعالي نداءاتي تسبحك
وكلماتي بخشوع تحبك
تعالي لا تجعليني وكأني لآلهة سجدت
والجنة عندها ما وجدت
فمضطر أنا إن بها كفرت
يا بؤساء
لا يفهم الأقوياء المتغطرسون لغة السماء
حين يسرقون حلم الشعوب ويمنحونهم الشقاء
ويشنقون العدالة والحروف والكلمات
بقداسة موهومة يسحقون المقدسات
يطلبون من الرعية النوم وممارسة أنواع السبات
فرعون يموت ويخلفه فرعون، إنها لغة الـسلالات
بأمر من السـماء أطيعوني وأحبوني
ولا تعارضوا سلطاني فيصيبكم مني البلاء
التصقوا بأفكاري الجوفاء
واجعلوها تجمعنا في الانتماء
إني أحذركم وأخيركم بين طاعتي وبين الشقاء
وارقصوا يا صائمين في عيد ميلادي حتى المساء
أشبعوا طربا ولا تلهيكم وسوسة ( الشيطان)
ولا تفكروا بوجبة العشاء ناموا جياعا ، ناموا أصحاء
ناموا واتركوا الآثام والمعاصي
إلى اللقاء………….. إلى اللقاء
يا بؤساء…………….”.
[1] – معجم منظوم باللغتين الكوردية والعربية كان يحفظه الطلبة في كوردستان وأولَهُ: ( رأس: سه ره. عین: چاوه. بَدَن: قالب. اسم: ناوه).
[2] – يقول الشاعر الكوردى الشهير مولوي انه عثر على دیوان قديم لشاعر كوردى مجهول في احد المساجد الا ان الصفحات الاولى منه قد تُلفت وحاولت اكمال الصفحات الضائعة من نُظمي ولكني خجلت من نفسي عندما قارنت قصائدي بتلك القصائد الرائعة لذاك الشاعر المجهول مع العِلم ان مولوي هو من اعظم شعراء الكورد.