شيركو حبيب
ليس هناك من يدعم احتلال بلاده أو يؤيد وجود قوات أجنبية على أرض وطنه، وما حدث للعراق بداية العام 2003 يمثل حالة استثنائية بعد طلب المعارضة العراقية آنذاك دخول قوات أمريكية لإسقاط النظام السابق، الذي عانى العراقيون في حكمه الويلات والمصائب.
جرى ما جرى؛ حتى يومنا هذا؛ تدخلات إقليمية ودولية، دول جوار تسخر أتباعها في الداخل، خلاف سياسي ممتد يوقف كل استحقاق بعد كل انتخابات، وعصابات مسلحة تضرب استقرار البلد بجانب الوباء والفساد، حتى أصبح العراق مسرحا لصراعات دولية و إقليمية، وداخلية مكتومة أو معلنة، والمتضرر الوحيد هو الشعب العراقي.
في ظل هذه الظروف مجتمعة؛ يمكن أن نقرأ مشهد تواجد قوات التحالف وخاصة القوات الأمريكية في العراق، بما كان لها من دور فعال بالاتفاق مع حكومة البلد، في إعادة تأهيل وتدريب الجيش ورجال الأمن، ودعم خطط فعالة لتطوير أداء الأجهزة على المستوى الإداري والأمني وخصوصا في مواجهة هذه المنظمة الإرهابية.
بين فترة وأخرى؛ تتكرر مطالبات بسحب قوات التحالف من العراق، وخاصة بعد الهجمات الأمريكية على أوكار الميلشيات المدعومة من إيران، ورغم وجود اتفاقية بين الحكومتين العراقية والأمريكية ببقاء عدد محدود من قوات التحالف داخل العراق كمستشارين عسكرين، إلا أن مواقف الحكومة وبعض الأطراف السياسية الأخرى غير واضحة من الوجود الأمريكي، هل هي مواقف صداقة أم عداء، ولماذا لا تستطيع الحكومة العراقية اتخاذ قرار واضح حول ذلك في ظل انقسام العراقيين.
إن خروج القوات الأجنبية مطلب جماهيري، لكن هل الوقت الراهن مناسب لذلك، وماذا سيكون مستقبل العراق بعد خروج هذه القوات، وماذا ستكون مواقف الدول الإقليمية التي لها تأثير مباشر على مجريات الحكم في العراق وتدخلها في الشؤون الداخلية، وماذا عن الاقتصاد العراقي حيث الدينار العراقي مرهون بالدولار الأمريكي وتحت رحمة العم سام؟.
من الممكن أن يتسبب سحب قوات التحالف في الوقت الراهن، في تعقيد الخلافات الداخلية و زيادة التدخلات الخارجية، وزيادة الهجمات على أهداف في كوردستان من قبل الشوفينيين و أعداء السلام و الذين لا يروق لهم الاستقرار فيها، وهؤلاء ضد استقرار العراق وحل الخلافات بين المركز والإقليم دستوريا.
إيران تحاول من خلال قصف أربيل دون مبرر الضغط على الأمريكان للانسحاب من العراق، رغم وجود قواعد أمريكية قرب طهران ذاتها يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لكن هوس وحلم السيطرة على العراق بصورة كاملة يوجهان تصرفاتها العسكرية كما يدير وسواس السيطرة حركة تأثيرها الواضح على القرار العراقي.
أمريكا أيضا لها مبررا لبقاء قواتها في العراق، للمحافظة على مصالحها في دول الخليج و الشرق الأوسط، و كذلك حماية إسرائيل، وانسحاب قوات التحالف من العراق يتسبب بالتأكيد في زيادة نشاطات داعش الإرهابي وله عمليات متفرقة لولا مساعدة طيران التحالف للقوات العراقية ما كانت الأخيرة قادرة على التصدي لها وحدها.
إن حكمة القرار السياسي العراقي وحدها ودعم المصلحة الوطنية العليا للعراق، يمكن أن تكون الأساس في اتخاذ القرار بشأن إنهاء وجود ما تبقى من قوات التحالف في العراق، ونظن أن حضور مستشارين أو مساعدين وداعمين لقوات الأمن أو الجيش العراقي، في أي بقعة من العراق، لا يمثل سببا لضربها من قبل طهران أو غيرها، فلم يشهد العراق داعما حقيقيا غير قوات التحالف في مواجهته مع داعش، وطهران أول العارفين بذلك.
ليس من بين مهام قوات التحالف مالا تطلبه الحكومة العراقية ذاتها، ولو خالف نشاطها أي اتفاق مع بغداد لكان القرار الرسمي دون مزايدة بإنهاء وجودها، ولتتحمل حكومة البلد وأجهزته مهامها طالما لا تحتاج إلى أي استشارة أو دعم، شريطة أن يكون هذا التوجه عاما مقترنا باستقلالية تامة للقرار العراقي لا تمسه قوة خارجية، ولا تعطله مصالح داعمين لها أو منتفعين من نفوذها.