ألمانيا تنتفض ضد اليمين المتطرف دفاعا عن “الإنسانية”

 

التآخي ـ وكالات

 خرج مئات الآلاف في مدن كبيرة وصغيرة بألمانيا للتظاهر ضد اليمين المتطرف. وقال الرئيس الالماني فرانك – فالتر شتاينماير، إن المتظاهرين “يدافعون عن الجمهورية والدستور والإنسانية”. ورأي وزير الزراعة أنها رسالة للحكومة أيضا.

وبرغم برودة الطقس، تجمع المتظاهرون ضد اليمين المتطرف وحزب البديل الشعبوي أمام مبنى البرلمان الألماني “رايشستاغ” في برلين يوم الأحد (21/1/2024).

وتظاهر أكثر من 1,4 مليون شخص منذ يوم الجمعة في عشرات المدن الألمانية ضد حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي وعقيدته الراديكالية، على وفق ما أفادت اثنتان من المنظمات التي دعت الى هذه التعبئة.

وقالت منظمة “فرايداي فور فيوتشر” وتحالف “كومباكت” دفاعا عن المواطنة في بيان “يوم الأحد وحده، حصلت تحركات احتجاجية في أربعين مدينة، في إشارة واضحة ضد البديل من أجل المانيا والانحرافات اليمينية في المجتمع الألماني”.

وكان تحالف من منظمات متنوعة دعا سكان العاصمة برلين إلى التجمع أمام البرلمان الألماني بداية من الساعة الرابعة بعد الظهر.

وتوجه الرئيس الألماني فرانك – فالتر شتاينماير بالشكر للمتظاهرين ضد التطرف اليميني ودفاعا عن الديمقراطية. وقال شتاينماير في رسالة مصورة بالفيديو “هؤلاء الأشخاص يمنحوننا جميعا الشجاعة. إنهم يدافعون عن جمهوريتنا وقانوننا الأساسي في مواجهة الأعداء. إنهم يدافعون عن إنسانيتنا”.

وأضاف أن أشخاصا مختلفين تماما شاركوا في المسيرات في الشوارع، واستدرك: ولكنهم جميعا لديهم شيء مشترك، إنهم يقفون الآن في مواجهة معاداة البشر والتطرف اليميني. إنهم يرغبون في العيش سويا بحرية وسلام في المستقبل أيضا.

 

 

وأردف، إنه من الضروري حاليا تشكيل تحالف يضم جميع الديمقراطيات والديمقراطيين، واوضح “بغض النظر عما إذا كانوا يعيشون في الريف أو المدينة، أو إذا ما كانوا شبابا أو كبارا، أو إذا ما كان لديهم تاريخ هجرة أم لا”. وشدد الرئيس الألماني بالقول “مستقبل ديمقراطيتنا لا يتعلق بمدى ارتفاع صوت مناهضيها، ولكنه يرتبط بقوة من يدافعون عن الديمقراطية. فلنظهر أننا أقوى سويا”.

وبدوره أشاد وزير الزراعة الألماني جيم أوزديمير بالاحتجاجات واسعة النطاق على مستوى ألمانيا ضد التطرف اليميني. وقال أوزديمير في تصريحات لإذاعة ألمانيا، إن الناس يقولون من قلب المجتمع “يكفي ذلك الآن”. واضاف أوزديمير إنه أدرك أن المظاهرات موجهة أيضا للائتلاف الحاكم، وأوضح قائلا “يجب أن نقوم بعملنا. لا يتعلق الأمر فحسب بتعبئة الوسط الديمقراطي، ولكن الأمر يتعلق أيضا بأن يتوقف الائتلاف الحاكم، وكذلك المعارضة الديمقراطية المتمثلة في التحالف المسيحي، عن التشاحن ودفع الناس بذلك إلى أحضان حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المعارض”. وأضاف أن التشاحن في داخل الائتلاف الحاكم والانشغال بالذات يقوض الثقة في أن الحكومة تحل المشكلات، بحسب وصفه.

وأشادت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك التي تنتمي لحزب الخضر بتزايد الاحتجاج في مواجهة اليمين في ألمانيا، لاسيما في المدن الصغيرة ومتوسطة الحجم، وقالت بيربوك في مؤتمر لحزب الخضر بولاية براندنبورغ  “هذا بالأحرى هو القوة في بلدنا”، وأشارت إلى أنه عندما تعلق الأمر بإذا ما كان الشخص إنسانا أو كارها للبشر، قام الناس بمسيرات في الشوارع ، من دون أي مناشدات كبيرة وللمرة الأولى.

وجرى الإعلان عن تظاهرات في نحو أربعين مدينة كبيرة، مثل برلين وميونيخ وبون وكولونيا، فضلا عن مدن أصغر. وقد شارك أكثر من 100 ألف شخص في تظاهرات نظمّت في عشرات المدن الألمانية، حتّى ان القناة العامة “ايه ار دي” أفادت بمشاركة 250 ألف شخص في الاحتجاجات في عموم البلد.

وفي ميونيخ ذكرت الشرطة الألمانية، أن منظمي مظاهرة ضد التطرف اليميني في مدينة ميونيخ قاموا بوقفها بسبب الاكتظاظ الشديد. وجاء ذلك في تصريحات متحدث باسم الشرطة الألمانية في المدينة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).

وأوضح المتحدث أنه لم يعد مضمونا تأمين وسلامة المشاركين الذين يقدر عددهم في المظاهرة بنحو 80 ألف شخص، فيما قدر منظمو التظاهرة عدد المتظاهرين بـ 250 الفا.

وفي بريمن بلغ عدد المتظاهرين 40 ألفا، فيما بلغ عددهم 70 ألفا في مدينة كولونيا. كما بلغ عدد المتظاهرين في بون بنحو 25 ألفا، بحسب ما نقل موقع قناة  WDR غربي ألمانيا.

وكانت ألمانيا شهدت مؤخرا مظاهرات مناهضة لليمين في كل أنحاء البلاد، وكثيرا ما كان يزيد عدد المشاركين في هذه المظاهرات عن المتوقع. كما تظاهر السبت 20 كانون الثاني عشرات آلاف الأشخاص في عديد المدن الألمانية للإعراب عن الاحتجاج على التطرف اليميني.

 وتأتي هذه الاحتجاجات بعد أن كشفت منصة “كوريكتيف” الإعلامية أن عدة مسؤولين كبار في حزب البديل التقوا في مدينة بوتسدام شرقي ألمانيا في الخامس والعشرين من تشرين الثاني الماضي مع شخصيات يمينية متطرفة من بينهم النمساوي مارتن سيلنر، الذي تزعم على مدار مدة طويلة حركة الهوية الاشتراكية الأوروبية المتطرفة التي تعارض بشدة هجرة المسلمين إلى أوروبا. وكان سيلنر قد كشف أنه تحدث في اجتماع بوتسدام عن “إعادة التهجير”.

يذكر أن اليمينيين المتطرفين يقصدون باستعمال مثل هذه العبارة ضرورة مغادرة عدد كبير من الأشخاص ذوي الأصول الأجنبية لألمانيا حتى بالإكراه. وأثار التقرير غضبا في ألمانيا وشهدت عدة مدن احتجاجات جماهيرية ضد حزب البديل. وكان المستشار الالماني اولاف شولتس ووزيرة خارجيته أنالينا بيربوك، قد شاركا في مظاهرة في مدينة بوتسدام احتجاجا على اليمين المتطرف.

وعاد موضوع خطر اليمين المتشدد في ألمانيا إلى الواجهة بعد الكشف عن عقد لقاء سري بين قادة من حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي مع متطرفين يمينيين في مدينة بوتسدام شرقي البلاد. لقاء حضرته شخصيات يمينية متطرفة من بينها النمساوي مارتن سيلنر، الذي تزعم على مدار مدة طويلة حركة الهوية الاشتراكية الأوروبية المتطرفة، التي تعارض بشدة هجرة المسلمين إلى أوروبا.

ويظهر أن الاجتماع دعا إلى إعادة المهاجرين إلى بلادهم. وقيل أيضا إن المشاركين ناقشوا استراتيجيات وتوجهات الحزب وربما آفاق اتخاذه لمواقف أكثر تطرفاً. وأثيرت كذلك مخاوف من أن يتبنى هذا التنظيم الحزبي الممثل في البرلمان الألماني وجهات نظر أكثر تشددا، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب سياسية خطيرة. تلك القضية أثارت سيلا من ردود الفعل السياسية والإعلامية في ألمانيا وأوروبا، ومن بينها دعوات لحل “حزب البديل”.

 

 

 

وتميزت تعليقات الصحافة الألمانية بالتنوع في وجهات النظر، من حيث أفضل السبل لمواجهة المد اليميني المتشدد. ففيما يحذر البعض من الاستنتاجات المتسرعة بشأن الدعوات إلى حظر حزب “البديل” وما قد يكون لذلك من عواقب غير محسوبة، انتقد البعض الآخر الطبيعة الغامضة لاجتماع بوتسدام وانعدام الشفافية عند “حزب البديل” والمخاطر التي قد يشكلها ذلك على مستقبل البلاد. وهكذا حشد المجتمع المدني الألماني كما الأحزاب السياسية جهدا غير مألوف للتنديد بما بات يسمى بـ “اجتماع بوتسدام السري”.

وبهذا الصدد، كتب موقع “ميركور دي.إي” البافاري  “هناك قطاعات واسعة من المجتمع الألماني بدأت تستيقظ الآن، وتنزل إلى الشوارع ضد حزب “البديل من أجل ألمانيا” وتدين عنصريته وأوهام التطهير الوطني. يجب تشجيع الأحزاب التقليدية، ليس على الحظر، الذي من شأنه تحويل “حزب البديل” من مرتكب جريمة إلى شهيد، بل عليها كشف قناع هذا الحزب، الذي أثبت أنه ينتهك الدستور جزئياً”.

وبهذا الشأن أعرب المستشار الألماني أولاف شولتس عن امتنانه للمتظاهرين “ضد العنصرية وخطاب الكراهية ومن أجل ديمقراطيتنا الحرة”. وكتب في منشور على موقع “اكس” للتواصل الاجتماعي “هذا أمر مشجع ويظهر أننا الديمقراطيين، عددنا كبير- أكبر كثيرا من أولئك الذين يريدون الانقسام”.

وبعد أن أقر البرلمان الألماني قانون تجنيس الأجانب الجديد في ألمانيا يوم الجمعة 19 كانون الثاني 2024، عاد شولتس مجددا إلى موقع “إكس” مرحبا بالقرار وأهمية تجنيس الأجانب الذين يعيشون في ألمانيا منذ سنوات ويقومون على خدمتها، وتحدث هذه المرة في رسالة فيديو، مذكرا بأنه “من كولن إلى درسدن ومن توبينغن إلى كيل يخرج مئات الآلاف في ألمانيا إلى الشوارع من أجل إظهار تأييدهم علنا للديمقراطية ورفض التطرف اليميني. وأنا أيضا كنت معهم في مسيرة في محل سكني في بوتسدام”. وأضاف شولتس “أقولها بكل صراحة وحزم: المتطرفون اليمينيّون يهاجمون ديمقراطيتنا. إنهم يريدون هدم ترابطنا، ففي مؤتمر سري تشاور هؤلاء المتطرفون عن الكيفية التي يمكنهم بها طرد ملايين الناس من بلدنا…”.

قد يعجبك ايضا