التآخي ـ وكالات
بعد ان أنهى فريق الدفاع القانوني الإسرائيلي مرافعاته، أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وانتهت بذلك جلسات الاستماع التي بدأت يوم الخميس 11 كانون الثاني 2023 يجري الآن تقويم المواقف بانتظار تطورات المحكمة اللاحقة.
وأبدت إسرائيل اعتراضها الشديد على ما جاء في الدعوى المقدمة ضدها من قبل جنوب أفريقيا، التي تتهمها فيها بارتكاب ممارسات “إبادة جماعية”. ووصف الدفاع الإسرائيلي ما جاء من اتهامات في عريضة الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بأنه “صورة مشوهة للغاية واقعياً ومنطقياً”.
جاء ذلك بعد جلسة الاستماع أمام المحكمة، تقدمت فيها إسرائيل دفاعها عن نفسها في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضدها.
وقال دفاع إسرائيل أمام المحكمة الدولية إنّ حرب غزة جاءت في إطار حقها الشرعي في الدفاع عن شعبها، متهمة حماس بأنها هي التي تمارس “الإبادة الجماعية”.
وقال تال بيكر، رئيس فريق الدفاع عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاي، إنّ “جنوب أفريقيا قدمت للمحكمة، للأسف، حقائق وروايات قانونية مشوهة إلى حدٍ كبيرٍ”.
وعرض بيكر مقاطع فيديو قال إنها تجسد “الفظائع” التي ارتكبتها حماس في أثناء هجومها الذي شنته على بلدات إسرائيلية في السابع من تشرين الأول الماضي.
وزعم أنّ عناصر من حركة حماس “عذبوا أطفالاً أمام ذويهم وآباءً أمام أطفالهم وأحرقوا أشخاصاً واغتصبوا آخرين”، مشدداً على أن الرد الإسرائيلي يأتي في إطار الدفاع عن النفس ولا يستهدف المدنيين، بحسب تعبيره، وقال أنّ “إسرائيل منخرطة في حرب دفاعية ضد حماس وليس ضد الشعب الفلسطيني”.
وأشار أيضاً إلى أن قضية جنوب أفريقيا “تعتمد على توظيف مختلق ومجرد من السياق ومتلاعب به لواقع الأعمال العدائية الحالية”، منتقداً استعمالها مصطلح “الإبادة الجماعية” كسلاح ضد إسرائيل.
ويقول حازم الضمور، مدير عام معهد ستراتيجيكس للدراسات والابحاث الاستراتيجية، “فيما يتعلق بدفاع إسرائيل عن نفسها في محكمة العدل الدولية، فقد تأسس ذلك الدفاع على مطالبة المحكمة بإسقاط القضية، ووصف حربها على غزة بالدفاع عن النفس ضد حماس والمنظمات الأخرى التي وصفتها بـ”الارهابية”، فضلا عن طعن إسرائيل بالأسباب الشكلية للدعوى وعدم توفر شروطها، وهو دفاع وصف بالركاكة والضعف من قبل خبراء قانونيين، في مقابل مرافعة جنوب افريقيا المتماسكة والمتينة التي جرى التحضير لها جيداً بالوثائق والصور والفيديو والشهادات والقوانين، والمبنية على حجج قوية بحسب نفس الخبراء”، على حد وصفه.
من جانبه، طالب محامي جنوب أفريقيا في هذه القضية، تمبيكا نجكوكايتوبي، بوقفٍ فوريٍ للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه نحو 2.3 مليون فلسطيني، وهو الطلب الذي قد يستغرق تحقيقه أسابيع طويلة في حين يتوقع أن تستغرق القضية سنواتٍ حتى يُبَتّ فيها، وسط شكوكٍ حيال إمكانية التزام إسرائيل بما يصدر عن المحكمة من أوامر.
كما تضمنت عريضة الدعوى أنّ ما يحدث في غزة الآن يرقى إلى درجة “الإبادة الجماعية” وأنه جزء من “القمع” الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين على مدار عقود طويلة.
وقال نجكوكايتوبي “في ضوء حجم الدمار في غزة واستهداف المنازل والمدنيين، أصبحت الحرب حرباً ضد الأطفال. كل ذلك يلقي الضوء على نية الإبادة الجماعية ووضعها حيز التنفيذ، وهو ما يشير بوضوح إلى أن المستهدف من هذه الحرب هو تدمير الحياة الفلسطينية”.
لكنّ دفاع إسرائيل رأى أنّ الطلب المقدم من جنوب أفريقيا يُعد “محاولة لمنع إسرائيل من ممارسة حقها في الدفاع عن نفسها ضد ما تتعرض له من اعتداء”.
ورجح الضمور أن الدعوى القضائية في حد ذاتها لن تكون في صالح إسرائيل على أي حال، قائلا “في تقديري أنّ الحدث في حد ذاته ليس في صالح اسرائيل من النواحي السياسية والقانونية والصورة العامة التي حاولت إسرائيل أن تبنيها خلال ٧٠ عاما، وبغض النظر عن قرار المحكمة فإن سمعة إسرائيل تتعرض للضرر، كما أنها لن تستطيع تجاهل القرار اذا كان ضدها، وسوف تضطر الى اجراء تغييرات في سياساتها وعملياتها في غزة”.
يرى محللون أن السلطات الاسرائيلية تشتم رائحة الخطر في دعوى “الإبادة الجماعية” المرفوعة ضدها أمام محكمة العدل الدولية.
وأكد مدير مركز ستراتيجيكس للدراسات والابحاث الاستراتيجية أنه فضلا عن أن الحدث يشكل “سابقة” لقيام دول أخرى بتقديم دعاوي مماثلة، سواء لمحكمة العدل الدولية أو لمحكمة الجنايات الدولية، بخاصة اذا جاء قرار المحكمة في سياق ادانة اسرائيل، حيث من المتوقع اصدار المحكمة تدابير احترازية ضد اسرائيل، حتى لو لم تتم ادانة اسرائيل بشكل واضح، وذلك خلال ثمانية أسابيع كحد أقصى، بحسب قوله.
وفيما يتعلق بالموقف الامريكي، فبرغم عدم إصدار البيت الأبيض أي تعليق على الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل، إلا أنّ المتحدث باسم مجلس الأمن الوطني جون كيربي وصف ما جاء في دعوى جنوب أفريقيا بأنه “لا أساس له من الصحة”.
وعادة ما تقاطع إسرائيل المحاكمات الدولية وتحقيقات الأمم المتحدة، واصفة تلك الإجراءات بأنها غير عادلة ومنحازة، لذلك يُعد تقدم إسرائيل للدفاع عن نفسها خطوة نادرة من قبل المسؤولين الإسرائيليين، الذين يخشون من أن يؤدي أي قرار من المحكمة الدولية بوقف فوري لإطلاق النار إلى الإضرار بموقف إسرائيل الحالي على المستوى الدولي.
يُذكر أنه في حالة إصدار محكمة العدل الدولية قراراً بوقف فوري لإطلاق النار في غزة وخالفت إسرائيل هذا القرار، فإنها قد تتعرض لعقوبات دولية.
وقال الضمور “اعتادت اسرائيل على وصف هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها، بما في ذلك المحاكم الدولية، بالتحيّز لصالح أعداء اسرائيل، كما أنها عملت على مقاطعة محكمة العدل الدولية في مداولاتها بشأن جدار الفصل العنصري في عام 2004 بذريعة عدم الاعتراف بسلطة تلك المحكمة، لكن الأمر اختلف هذه المرة بعد الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، وهذا بحد ذاته تحول لافت في الموقف الاسرائيلي، وربما يعود ذلك الى حجم التحولات الدولية المناوئة لإسرائيل بعد الحرب على غزة، وعدم قدرة اسرائيل على تجاهل تلك التحولات كما كانت تفعل سابقا”.
وبشأن ردود فعال سياسيين عالميين حول تلك المحكمة يقول زعيم حزب “فرنسا الأبية” جون لوك ميلانشون المشارك في الحكومة، ان جلسات الاستماع التي جرت في محكمة العدل الدولية تمثل لحظة تاريخية ومصالحة مع الإنسانية، في وقت تصمت فيه الحكومات القوية التي طالما فرضت العقوبات على الدول.
ويضيف: إذا حكمت محكمة العدل الدولية لصالح دعوى جنوب أفريقيا، فسيؤدي ذلك إلى تغيير واضح في الوضع السياسي، بخاصة بالنسبة لأولئك الذين يشاركون بطريقة أو بأخرى في مساعدة إسرائيل في عمليتها العسكرية في قطاع غزة، وكوني أحد ممثلي الحكومة الفرنسية، فلا أشعر بالفخر الشديد بموقف فرنسا اليوم، لأنها كانت من بين الدول الموقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية.
السياسية الأيرلندية والعضو في البرلمان الأوروبي كيلر دالي، تقول: أعتقد أن دعوى جنوب أفريقيا كانت مثيرة للإعجاب بشكل لا يصدق، بخاصة أن تاريخها السياسي متجذر في النضال ضد الفصل العنصري، كما أن التصريحات الإسرائيلية التي أشارت إلى قتل الفلسطينيين يصب في صالح الملف، لأنها تثبت ارتكابها لأعمال الإبادة الجماعية.
وتضيف: بالنتيجة، إذا احتفظت المحكمة بحيادها واستقلاليتها عند اتخاذ قرارها النهائي، سيتعين عليها الوقوف إلى جانب جنوب أفريقيا، برغم أنني لا أعتقد أن ذلك يوقف إسرائيل عن استكمال عمليتها العسكرية، لاسيما في ظل دعم الولايات المتحدة المستمر لها.
وتستدرك: لكنني، أؤمن بأن قرار المحكمة سيشكل ضغوطا هائلة على الدول الأوروبية، ويؤدي إلى مزيد من العزلة للولايات المتحدة، وهذا بدوره يضغط على حكومة نتنياهو، اذ تعيش إسرائيل أسوأ حالاتها الآن، والمشروع الصهيوني يشهد آخر أيامه بسبب فقدانه لدعم فئات واسعة من اليهود، ناهيك عن أغلبية شعوب العالم، على حد وصف السياسية الأيرلندية.
يشار الى ان دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل هي دعوى قضائيّة قدّمتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، هولندا في 29 كانون الأول 2023. تقع المرافعة المُدعَمة بالوثائق في 84 صفحة باللغة الإنجليزية، وتُقدِّم دلائل إدانة لإسرائيل بالسعي للإبادة الجماعيّة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. كما تُطالب الدعوى المحكمة مبدئِيًا بتقديم تدابير الحماية المؤقتة للفلسطينيين.