الموسيقى والغناء أللغة الثقافية المشتركة للشعوب الغناء في كوردستان

 

 

 

 

 

 

د.توفيق رفيق التونجي

بداية الجزء الثاني

 

لم تتحول الة البيانو في الشرق الى الة رائدة للموسيقى فقد كان العود ولا يزال الملك الوحيد المتوج ويرجع ربما ذلك لعدم وجود اصوات الربع في الآلات الاخرى رغم اني استمعت الى الحان موسيقية شرقية فارسية للموسيقار الايراني “جواد معروفي” وخاصة القطعة الموسيقية المسماة “زالا” التي يبحر معه المرء الى عوالم لا توجد فية حدود وتختفي المسافات.

 

نمنمية اسلامية من القرن السابع عشر يمثل السلطان حسين باي وابنائة في جلسة سمر وموسيقى في بوخارى.

 

كنت ومع صديقي الشاعر نصرت مردان ممن نلتقي بصورة دورية مع الكتاب والشعراء والناشرين ومن مثقفين واخرون في تركيا بداية السبعينات في بيت الاستاذ الاديب المرحوم “احمد صاي” الذي كان يقيم فيه مع ابنه ” فاضل”  ذو العاشرة سنوات من العمر الذي كان شغوفا بالعزف على البيانو وكنا نجلس معا ليعزف لنا وبين الحين والاخر يتوقف من العزف منزعجا قائلا انه اخطا في حين لم نكن نحن قادرين على كشف الخطا ولكنه سرعان ما كان يعيد المقطع الموسيقي مبتهجا فندرك انه افلح في محاولته هذا الفنان المبدع هو اليوم احد اكبر موسيقيي تركيا ويعتبر من القلائل اللذين يعزفون على البيانو عالميا بتلك الجودة المؤثرة.

 

اما ملوك العود الكبار فيرجع تاريخهم الى ايام الدولة الاسلامية الاولى وربما قبلها بكثير ولكن ما جائنا من اسماء كالفارابي واسحق الموصلي وتلميذه زرياب يعودان الى تلك الفترة وقد جاء في اخبار ذلك الزمان اسماء العديد ممن كانوا يجيدون (نساء او رجال) العزف على العود حيث يطربون الندامى او يكدرون الجو بعزفهم فيبكي الحاضرون وقد كان للعراقيين حضور في الماضي وفي الوقت الحاضر كالاستاذ شكر سلمان ومنبير بشير ورزكار خوشناو واخرون التمس العذر منهم لعدم ذكري اسمائهم.

 

 

ميتر الموسيقى العسكرية التقليدية في تركيا والتي تعود الى العهد العثماني

 

الناي بقى محافظا على اللون الديني البحت فقد بقى والدفوف الكبيرة ملازمة للطقوس الدينية للدراويش والمتصوفة في معظم انحاء الدنيا ففي مصر والعراق وتركيا وايران لا تزال العديد من الطرق الصوفية تمارس العبادة على اصوات الدفوف والناي والبزق. قد تكون قراءة الادعية والتواشيح وترديدها حالة من حالات العلاج الروحي للانسان فقد كان ولا يزال يعتبر من اسس التقرب الى الله سبحانه وتعالى في جميع طرق التصوف في الشرق.

اما الرقص فقد جارى الغناء الشعبي كالتوئم على طول مسار الطريق ومنذ البدايات والرقص حالة انسانية بحته وقد نجد بعض الحيونات يقومون بحركات شبيهة بالرقص ولكن الريتم والايقاع اللذان يقوموم الموسيقى وخاصة الدفوف والطبل بضبطها مكونة لوحة حركية متكاملة انسانية والرقص كان ولا يزال حالة جمالية بالإضافة الى كونة حالة اضهار شعور معين مرتبط بالحالة الإنسانية الماساوية والطرب المفرحة وحالة الانسجام وبلوغ اعلى درجات العبادة عند المتصوفة.

لم تودي غياب الاسماء الامعة في عالم الموسيقى الى غياب مماثل لموسيقاهم فهم الحاضرون دوما في كافة الحفلات الموسيقية الاوركسترالية وقد نرى بين الحين والاخر العديد من الموسيقيين الشباب ممن يتاثرون بتلك الموسيقى فيطعمون الموسيقى الحديثة بقطع موسيقية ب المسماة بالكلاسيكية وهم كثيرون في الشرق وفي الغرب فليس من الغريب ان نجد موسيقارا كالمرحوم” فريد الاطرش” او” محمد عبد الوهاب” ياخذ من الموسيقى العالمية ويغني كلمات اغنيتة بالعربية وحتى الاخوين رحباني اخذا الكثير من الموسيقى العالمية مطورين الاداء الموسيقي العربي وخاصة بصوت ملكة الطرب” فيروز”  محققين بذلك قفزة تطورية جميلة في عالم الموسيقى الشرقية.

 

 

ان التطور في عالم تقنيات ايصال الصوت والصورة الى المستمع اينما وجد كان انقلابا في عصر الموسيقى الحديثة فاليوم نستمع الى موسيقى الدنيا بواسطة التلفزيون والاذاعة ووسائل الاتصالات المتعددة على شبكة الانترنت وقد كان لتطور الراديو بصورة خاصة الاثر الاكبر لانتشار الطرب في العالم ولا زلت اتذكر جدي رحمة الله عليه ورضوانة وهو يروي لنا كيف كان الناس يجتمعون في ديوان بيتة ليستمعوا الى الراديو الوحيد في القرية التي وضعت وبعناية في مشكاة وبالقرب منها بطارية كبيرة جدا في حين كان اخرون يمرون من امام الديوان يرمون الحجارة على جهة الراديو راجمين الشيطان وقد سعدت جدا حين زرت المتحف الاوربي الوحيد عن الراديو في مدينتا وشاهدت نماذج من ذلك الراديو الخشبي الكبير فاصبحت اقوم بزيارة المتحف مع كل من يحل ضيفا على داري.

 

الرقص والغناء عند الشعب الغجري اينما كانو وتواجدوا جزء اساسي لنوعية الحياة الاجتماعية الجماعية لهم بالاظافة الى الرقص وقد ظهر فيهم العديد من الموسيقيين الكبار وقد يعتبر الرقص الغجري اساسا لرقصة الفلامنكو الاسبانية في حين نرى في الغناء المرافق للرقصة مقاما شرقيا ترجع ربما الى ايام تواجد زرياب في الاندلس.

 

الفلامينكو غناء ورقص غجري شرقي في اسبانيا

 

الرقص  ليس منحصرا بالنساء وهي حالة بمشاركة جماعية اكثر منها فردية ولكن العادات والتقاليد الشرقية حولتها مع مرور الزمن الى هواية وممارسة يختص بسها النسوة اليوم اما الدبكات الشعبية والرقص الجماعي فمنتشرة في كافة انحاء دول المشرق ولا يعيب المرء ذلك بل تراه يهرول كي ياخذ مكانة بين الرجال و”يدبك” يبقى اختلاف في الحركة والايقاع ففي مصر مثلا يرقص الرجل قائلا “رقصني يا كدع” في عملية اظهار للسعادة والفرح يكون الطبل والمزمار مرافقا لتلك الرقصة  وتكون خاصة باحتفالات الزفاف في حين نرى اب البنت المتزوجة قد ترك الحي والمدينة احيانا وهاجر في العادة والتقليد العراقي الشعبي . بل ان المجتمعات القروية العراقية مع تعدد قومياتها واعراقها وتركيبتها الاثنية والدينية (العرب والكرد والتركمان والكلدو اثوريين والارمن ومن العقائد المسيحية المختلفة والصابئة المندائية والكاكئية والحقة والايزيدية والشبك والكسنزانية والنقشبندية واخرون ….) تميل الى الرقص الجماعي ونادرا ان نجد راقصة منفردة عراقية الا في فرق رقص نسائية جماعية قد تكون غجرية في الاساس”بنات الريف” و”الجوبي” العراقي دبكة رجالية ويرافقها الهوسة العراقية” الطوب احسن لو مكواري” من هوسات ثورة 1920. في حين نجد ان النسوة يدبكون معا كذلك في الريف المسيحي في كردستان والتطور اللاحق ادى الى ظهور دبكات جماعية مختلطة خاصة بين ابناء الشعب الكردي و التوركماني. وقد اعتاد النسوة قديما بالتجمع في دور احد العروسين والغناء والرقص بعيدا عن عيون الرجال.

 

 

الزمار والطبال في لوحة من روائع الفنان الخالد جواد سليم

 

وقد رافقت المسيرات والعروض العسكرية فرق موسيقية عسكرية ومنذ عصور قديمة ولا تزال فرق الموسيقية المسماة “ميتر” التركية تشارك تلك العروض والاحتفالات على عادتها ومنذ ايام الدولة العثمانية في حين نرى الطابع الانكليزي للفرق الموسيقية في العراق والاردن والهند وباكستان ودول اخرى مثلا خاصة تلك المسماة فرقة القرب الاسكتلندية.

 

احد اجمل قاعات العالم حيث تشهد حفلات الفرقة السمفونية الرومانية في وسط العاصمة بوخارست و التمثال في واجهة البناء للشاعر الخالد ميهاي امينسكو.  البناء نسخة من دار الاوبرا في باريس ولا ريب ان بوخارست كانت تسمى ب باريس الصغيرة لما فيها من تشابه معماري مع مدينة باريس الفرنسية.

 

تعتبر الساحات والشوارع المكتظة بالناس اماكن اجراء تمارين موسيقية للهواة . تلتقي خاصة في الصيف بهؤلاء الهواة من الموسيقيين في محطات المترو وقد جرى العادة في العديد من مدارس الموسيقى ان تكون تلك من التمارين التي يجب ان يقوم به الدارسين لنيل شهادة الموسيقار فالقاء المباشر بين الموسيقي والمستمع العادي مهم جدا للموسيقار نفسه وخاصة ابعاد شبح الخجل من مقابلة الجمهور.

 

الموسيقى والمقامات وشكل الاداء ما يسمى ب “بلاد” في تركيا “اوزن هوا” وفي سوريا “القدود الحلبية” وفي الجنوب العراقي ب “العتابة” وضروب اخرى  من الغناء ك الحيران والاوك وقتار وويسي والخوريات واسلوب الغناء الهندى والصيني الجاز والروك اند رول البلاد الغناء الشعبي الغجر وموسيقى الراقص والفلامينكو تمثل طرق غناء ذو رموز ثقافية واضحة. تكاد ان تكون الموسيقى والرقص والغناء سمة ثقافية مميزة للغجر اينما كانوا وقد برع الغجر في اداء الموسيقى وظهر فيهم العديد من مولفي الموسيقى السمفونية ناهيك عن اختصاصهم في الموسيقى الشعبية والتي تسمى في رومانيا ب “مانيله” بينما يقول الاتراك عنها “عريسك”.

قد يعجبك ايضا