شيركو حبيب
ليست صدفة أن تجد نظرية “شوف العصفورة” تسيطر على أساليب بعض المسؤولين والقادة والساسة، هي الحبكة الدرامية الجاهزة والمتكررة مع كل فشل أو فساد يقعون فيه أمام شعوبهم أو جماهيرهم ومريديهم، لشغل ضحاياهم عما فعلوه بحقهم بعد أن باتوا عاجزين عن تقديم حلول حقيقية لأزمات تعمقت بفعل سياساتهم.
تلك النظرية التي قد تتبعها أجهزة أيضا في التغطية على فشلها لتتجنب غضب الجمهور، بأن تفتعل أزمات أو تروج الأكاذيب حول قضايا أو شخصيات تتمتع بسمعة طيبة ونزاهة، وربما تورطت دول في تطبيق تلك النظرية بأن تسلط تصريحات مسؤوليها تجاه دول أو حكومات أخرى بالباطل، وأكثر استخدامات تلك النظرية لدى أنظمة المنطقة تتعلق باتهامات متكررة ببناء علاقات والسعي من اجل التطبيع مع إسرائيل.
في سياق استخدام نظرية “شوف العصفورة”، تحضر اتهامات زائفة وشائعات مغرضة وصلت حد تكرارها على ألسنة دبلوماسيين، تصف كوردستان بالكيان الصهيوني الثاني في المنطقة، متجاهلين تاريخ الكورد وكل القادة الذين أنجبهم هذا العرق النقي الأصيل ليتحملوا المسؤولية الكاملة عن الدفاع عن شرف الأمة الإسلامية أيضا ومقدساتها، وأولها فلسطين وبيت المقدس.
هؤلاء من ينكرون في سبيل إخفاء خيبتهم وراء تصريحات كاذبة، حقيقة أن كل مواجهة وقعت مع عدو لشعوب المنطقة، شهدت تقديم الكورد التضحيات وابتعاث القادة في ظروف صعبة، كما يتجاهلون حقيقة أن إسرائيل كيان يمثل حاصل عملية طرد اليهود من بلدانهم نحو فلسطين ما دفعهم لتأسيس دولة قومية، وتقويض قوة الكورد التي تخدم الأمة بتقسيم إقليمهم بين دول شتى، أو هم لم يراجعوا توقيت سايكس بيكو وتصريح بلفور ومغزى كلا الحدثين وتزامنهما.
هناك يهود تم تهجيرهم بالقوة إلى فلسطين هم مواطنون عراقيون ولدوا و ترعرعوا في العراق، كحال أمثالهم في بلدان أخرى، والكثير من هؤلاء أفادوا كثيرا الكيان الصهيوني الناشيء وبينهم من يحملون حنينا إلى بلدانهم الأصلية، بينما الكورد أهل وطن وأرض وبقاء وتضحية، مؤمنون بالتعدد والتنوع والاختلاف، تحملوا القمع والاضطهاد في بلدان تاهت أنظمتها المتجبرة بين قوميتها اللغوية والدينية، ورغم كل عقود التنكيل لم يكونوا سوى دعاة وحدة وناضلوا وضحوا بالآلاف في مواجهة عصابات داعش التي أرهقت كل الأنظمة وهزت العالم بأفكارها.
إن حالة الاستسهال التي تصيب ساسة فاشلين حينما يسعون إلى مقارنات غير منطقية بين كوردستان وإسرائيل، تعود إلى جهلهم وتجاهلهم أن مكونات مجتمع إسرائيل متعددة تنتمى لأرباب الشتات، بينما الكورد أهل أرض ووطن لم يهجروا قسرا أو يحضروا طواعية إلى إقليمهم، بل هم جزء أصيل من المكون الثقافي والعقائدى والروحي الذي يجمع شعوب الإسلام والمنطقة على السواء، أي كانوا جزءا من مواجهة إسلامية، وعربية أيضا، لمشاريع استيطانية تاريخية استهدفت فلسطين بالأخص على مر العصور.
كوردستان المظلومة أبدا لم تكن مثل إسرائيل،و أربيل واحة التسامح والسلام وقبلة البعثات الدبلوماسية، وأولها العربية، لم تكن يوما تشبه تل أبيب.
إن دموع التماسيح السائلة من أعين هؤلاء الجهلة على فلسطين إنما تعبر عن إتجارهم الفج والمستمر بقضية شعب يقدم الشهداء دون حساب منذ 75 سنة، ولم يرصد التاريخ دخول المزايدين على خط المواجهة جنبا إلى جنب مع الفلسطينيين لأجل تحرير أرضهم وبناء دولتهم صراحة، إنما هي حالة الاسترزاق السياسي التي تحكم سلوكياتهم وقت أزمات الأمة ، دون النظر إلى الموقف الكوردي الواضح والعلني والصريح الداعم للحقوق القانونية والتاريخية الأصيلة للشعب الفلسطيني الشقيق وأولها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهو موقف لا يحتاج معه قادة الكورد إلى وكلاء أو وسطاء للتعبير عنه، ولم يحارب عنهم يوما أحد بالوكالة حينما أنجبوا صلاح الدين الذي تناديه أركان بيت المقدس حتى الآن.