فاضل ميراني
تكملة لمقالين سابقين نُشرا اواخر ٢٠٢٣، و بالتحديد مقال ( الغاية و العناية في السياسة) اضع هذا المقال بأعتباره شهادة و حجة لتوثيق موقف من احداث مزدحمة مرت على البلاد و تمر، و قد تبقى مؤثرة على الانموذج السياسي و الاداري بقوة او اقل قوة، طالما ان صنّاع قرار بعينهم يعتقدون ان الانجاز من جنس مادة الاعلام، اي بتضخيم الكلام و تحويل النشاط الاعتيادي للموظف الى خبر و تحليل و طفرة تقدم.
كنت كتبت عن العقد الدستوري و ما يتنزل منه من قوانين و انظمة و تعلميات و لوائح، والفت الانتباه هنا الى ان سريان سلطة قرارات لمجلس قيادة الثورة، يمثل انتكاسة سياسية و قضائية لا تشفع فيها قاعدة ( القانون يلغى بقانون)، ذلك ان النظام اي نظام لن يقبل منه عذر عجزه عن سن قوانين تزيل ما تحجج به لمعارضة نظام مزال سواء بذلك ازالة داخلية مثل الثورات او الانقلابات، و خارجية مثل الغزو و الاحتلال.
معروف ان النظام العراقي السابق ماكان ليزول واقعا لولا العامل الدولي الامريكي و من كان حليفا له، هذا الامر قد وقع، قبلنا به ام لا، وهذا تاريخ لايقبل الانكار، ونحن حلفاؤنا او هم و نحن حلفاؤهم ( حتى لا يتحسس احد من التسميات) لنا تاريخنا النضالي الطويل و صفحات من التفاهمات و الهُدَن، لكن مسار الامور انتهى لما انتهت اليه بسبب عوامل ذاتية و موضوعية اساسها عقلية الحكم.
كان لابد من هذه السطور في التقديم حتى ابسط للقارئ/ ة، وجود تدليس مارسته انظمة سابقة و يمارسه نفر خليط من السياسي و الحزبي و الاداري في عمله و في ادامة بقاءه بنشاط فردي او عبر كيانه حتى يتمكن من الوصول للموقع الذي يديم فيه عرف عدم مسائلته قانونا واستمراره بالفعل المُجرّم الذي يعيد بواسطته نفسه لموقعه و ليستمر بمسك القرار و التصرف بما هو ليس له.
التدليس يعني: استعمال الخديعة لإيقاع شخص في غلط يدفعه الى التعاقد. وبتكييف قانوني اذا ما اردنا تطبيق ذلك على لاعبين حزبيين و سياسيين معروفين، وبأهمال ممارسات الترهيب و الرشى، فأن دعايات كثيرة صدرت و تصدر و تسويقا ضخما سيق و يساق و كله ممول من المال العام صوّر و يصور لغالبية الناس امورا وهمية دفعتهم و تدفعهم لأستقطاب لم يبنِ مؤوسسة خدمية و ليس دولة.
اعود لتكييف التعريف و فيه يظهر ان المواطن هو الذي تعاقد اي قبل ليكون طرفا شاريا او ساكتا عن سلعة سياسية او حزبية و هي شرعية تمثيله من قبل الطرف الثاني في العقد، وبدل ان تكون السلعة مواطنة كاملة الحقوق، صارت معيبة بالانتماء القومي مرة، و الطائفي مرة، و الحزبي ضمن الطائفي، و الموالاة لقوة اقليمية او دولية.
من المعيب في المنطق السليم تجريد الفعل من حساب الزمن، فالفعل بلا زمن كذبة، و عشرون سنة من الحكم ليست قليلة في معالجة مشكلات حتى تلك التي صنعها اصحاب سلطة العشرين سنة الاخيرة.
مثال على عدم التدليس:
في كورستان خلّف لنا النظام وعبر ادواته السياسية و البشرية و الفكرية خرابا واقعا و حقيقيا، و بتعاقد ابناء شعبنا معنا تمكنا من اصلاح و تنفيذ الوف المنجزات و في وقت قياسي، ما يعني و دون تطرف في الرأي اننا و برغم التأثيرات القاسية داخلياً و عراقيا و اقليميا و دوليا من حصارين و سلطة نفوذ و تكاسر ارادات و شحة موارد و اقتتال داخلي و اتساع اداء حزبي متعدد و تخندقات انتهازية، مع كل ذلك كانت المحصلة مقبولة و لا اقول ممتازة حتى لا يجري اتهامي بالتحيز، وبلغ من ضمن تلك المحصلة المقبولة اننا اخترنا و عملنا لنظام فيدرالي للعراق.
عندما يجري قصف مواقع في اربيل و يقال انها لأجهزة مخابرات اجنبية و عندما يتم القصف بطيران مسير من جهة داخلية، وعندما يتضح من التحقيقات المحايدة ان الاهداف مدنية او انها عسكرية و بعلم الحكومة، و ان الغرض من الضربة هو تنفيذ طموحات دولة ما و تحديا لسلطة القانون مع قيام عنصر التحريض ضد مكون شعبي، الا يحق لي ان اتسائل عن مصدر شراء الطيران المسير و عن غياب الجهد الامني الذي ينفق عليه بسخاء من اموال الشعب، وان كلفة المسيرات و مسييريها تستقطع من خبز كوردي او عربي او تركماني، ثم الا يحق لي ان افهم ان الذي صدر سلعة وعود و منجزات وهمية بالتدليس هو نفسه الذي بات اقوى من السلطة الشرعية التي ساندناها و نسندها و نساندها؟
للحديث بقية….
*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكردستاني.