التآخي ـ وكالات
بعد مفاوضات شاقة، اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا يطالب بزيادة “واسعة النطاق” للمساعدات الإنسانية إلى غزة، من دون الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، ترفضه الولايات المتحدة، برغم الضغوط الدولية، وامتنعت الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت.
واعتمد مجلس الأمن الدولي، مساء الجمعة 22 كانون الاول 2023، القرار رقم 2720 بشأن غزة وإسرائيل، الذي يدعو إلى “اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ومن دون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية”، بتأييد 13 عضوا وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت، وفق مركز أنباء الأمم المتحدة.
وقدمت مشروع القرار دولة الإمارات العربية المتحدة، العضو العربي بالمجلس. ويطلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين “كبير منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار، ليكون مسؤولا في غزة عن تيسير وتنسيق ورصد جميع شحنات الإغاثة الإنسانية المتجهة إلى غزة والواردة من الدول التي ليست أطرافا في النزاع، والتحقّق من طابعها الإنساني”.
كما طالب المجلس في قراره أطراف النزاع بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وحماية المدنيين والأعيان المدنية، ووصول المساعدات الإنسانية، وحماية العاملين في المجال الإنساني وحرية حركتهم.
كما رفض “التهجير القسري للسكان المدنيين، بمن فيهم الأطفال”. وأكد مجددا التزامات جميع الأطراف “فيما يخص الامتناع عن مهاجمة، أو تدمير أو إزالة أو إتلاف الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة”.
وطالب القرار أطراف النزاع أيضا بإتاحة وتيسير استعمال “جميع الطرق المتاحة المؤدية إلى قطاع غزة والكائنة في جميع أنحائه”، بما في ذلك التنفيذ الكامل والسريع للفتح المعلن عنه لمعبر كرم أبو سالم الحدودي، كما طالب المجلس بتنفيذ القرار 2712 الذي اعتمده في منتصف شهر تشرين الثاني 2023 بالكامل. كما طلب من جميع الأطراف المعنية الاستفادة الكاملة من آليات الإخطار الإنساني، وتفادي التضارب العسكري – الإنساني القائم لحماية جميع المواقع الإنسانية، بما فيها مرافق الأمم المتحدة، والمساعدة في تسهيل حركة قوافل المساعدات.
وعلقت لانا زكي نسيبة، سفيرة الإمارات، التي قدمت النص، “نعلم أنه ليس نصا مثاليا، ونعلم أن وقف إطلاق النار وحده هو الذي سيضع حدا للمعاناة”. من جانبه، عد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن “وقفا لإطلاق النار لأسباب إنسانية هو السبيل الوحيد لتلبية الاحتياجات الماسة للسكان في غزة ووضع حد لكابوسهم المستمر”، موضحا أنه “كان يأمل” في المزيد من المجلس.
وانتقد غوتيريش إسرائيل بشكل مباشر، قائلا إن “المشكلة الحقيقية” أمام إيصال المساعدات إلى غزة هي “الهجوم” الإسرائيلي. وتغير نص القرار عن النسخة الأكثر طموحا التي طرحتها الإمارات الأحد، وذلك بعد مناقشات طويلة تحت طائلة استغلال الولايات المتحدة مجددا حق النقض (الفيتو).
وطالب مجلس الأمن في قراره أطراف النزاع بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي. وأزيلت الإشارة إلى “وقف عاجل ودائم للأعمال العدائية” الواردة في مسودة الأحد، وكذلك الطلب الأقل مباشرة في المسودات التالية من أجل “تعليق عاجل للأعمال العدائية”.
كما قدمت روسيا طلب تعديل لإعادة إدراج الدعوة إلى “تعليق عاجل للأعمال العدائية”، لكن الولايات المتحدة اعترضت عليه فيما وافقت عليه عشر دول وامتنعت أربع عن التصويت. وعد السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا، أن “هذه لحظة مأساوية بالنسبة للمجلس”، منددا بما وصفه بـ”الابتزاز” الأميركي.
فيما انتقد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي بسبب تعامل المجلس مع الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول، وذلك بعد تصويت المجلس على زيادة المساعدات الإنسانية لغزة.
وقال مندوب اسرائيل جلعاد إردان “تركيز الأمم المتحدة فقط على آليات المساعدات لغزة غير ضروري ومنفصل عن الواقع. تسمح إسرائيل بالفعل بتسليم المساعدات بالمستوى المطلوب … كان ينبغي للأمم المتحدة أن تركز على الأزمة الإنسانية للرهائن”.
وسعى أعضاء المجلس إلى تجنب استعمال حق النقض مجددا، في حين صار سكان قطاع غزة مهددين بالمجاعة تحت قصف القوات الإسرائيلية، ردا على الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول. وقد تعرض مجلس الأمن لانتقادات واسعة النطاق بسبب تقاعسه منذ بداية الحرب.
يُذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلامية، يصنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ولم يتمكن مجلس الأمن الدولي من اعتماد مشروع قرار سابق مقدم من دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن التصعيد في غزة وفي إسرائيل بسبب استعمال الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) بشأن المشروع الذي أيده 13 عضوا- من أعضاء المجلس الخمسة عشر- مع امتناع المملكة المتحدة البريطانية عن التصويت.
وطالب مشروع القرار بالوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وكرر مطالبته لجميع الأطراف بأن تمتثل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وخاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين. وطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وبضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وقدمت دولة الإمارات مشروع القرار السابق ودعمته بعد ذلك أكثر من 96 دولة عضوة بالأمم المتحدة، فيما اعربت الإمارات عن خيبة الأمل بشأن نتيجة التصويت، والتفسير الأمريكي لاستخدام الفيتو في سياق الخبر فيما يلي.
وكان مجلس الأمن قد عقد جلسة استجابة للخطاب الذي أرسله الأمين العام للمجلس مستخدما فيه المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة.
ويقول المراقبون، انه نظرا لحجم الخسائر في الأرواح البشرية في غزة وإسرائيل- في غضون مدة وجيزة- أرسل غوتيريش خطابا إلى رئيس مجلس الأمن يفعّل فيه للمرة الأولى المادة التاسعة والتسعين من ميثاق الأمم المتحدة.
وتنص المادة المذكورة على أن “للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين”.
وفي خطابه أمام مجلس الأمن، سلط الأمين العام الضوء على 3 نقاط رئيسة: عدم وجود حماية فعالة للمدنيين: “لا يوجد مكان آمن في غزة” ونفاد الغذاء: “وفق برنامج الأغذية العالمي هناك خطر كبير للجوع الشديد والمجاعة في غزة”، وانهيار النظام الصحي في غزة فيما تتصاعد الاحتياجات.
وشدد أنطونيو غوتيريش على ضرورة أن يفعل المجتمع الدولي كل ما يمكن لإنهاء محنة سكان غزة. وحث مجلس الأمن على عدم ادخار أي جهد للدفع من أجل “الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية وحماية المدنيين والتوصيل العاجل للإغاثة المنقذة للحياة”.
وقال الأمين العام إنه أرسل خطابه إلى مجلس الأمن مستخدما المادة 99 من الميثاق، “لأننا وصلنا إلى نقطة الانكسار. هناك خطر كبير للانهيار التام لنظام الدعم الإنساني في غزة، بما سيُخلف عواقب مدمرة”.
وأضاف الأمين العام أن ذلك الوضع قد يؤدي إلى انهيار تام للنظام العام وزيادة الضغط في اتجاه النزوح الجماعي إلى مصر. وقال إن خطر انهيار النظام الإنساني يرتبط بشكل أساسي بعدم توفير الحماية لموظفي الأمم المتحدة في غزة وطبيعة وكثافة العمليات العسكرية التي تحد بشكل كبير الوصول إلى المحتاجين بشدة للمساعدات.
وأضاف الأمين العام قائلا: إن تهديد سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة في غزة غير مسبوق. أكثر من 130 من زملائي قُتلوا بالفعل، الكثيرون منهم مع أسرهم. هذه أكبر خسارة بشرية- منفردة- في تاريخ منظمتنا.
ويصطحب بعض موظفي الأمم المتحدة في غزة أبناءهم معهم إلى العمل “ليعرفوا أنهم سيعيشون أو يموتون معا”، كما قال غوتيريش الذي تحدث عن رسائل “تفطر القلب” من موظفين يناشدون المساعدة.
وذكر أن وكيله لإدارة السلامة والأمن نصحه بأن جميع الوسائل الممكنة لتخفيف المخاطر الماثلة أمام موظفي المنظمة في داخل غزة، باستثناء الإجلاء، غير ممكنة بسبب طريقة تطور الصراع.
وأكد الأمين العام بشدة التزام الأمم المتحدة القوي بالبقاء والعمل من أجل سكان غزة. وأشاد ببطولة العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية الذين ما زالوا ملتزمين بأداء عملهم برغم المخاطر الهائلة على حياتهم وصحتهم، بحسب تعبيره.