سنجار القضاء المنسي

 

الباحث سردار علي سنجاري

الجزء الاول

مع اجراء الانتخابات لمجالس المحافظات في العراق واهمية هذه الانتخابات على المناطق المتنازع عليها والمناطق التي تقع ضمن المادة ١٤٠ فقد ارتأينا ان نبحث في احدى اهم المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم بعد كركوك وهي قضاء سنجار او شنكال .

تعتبر مدينة سنجار من اهم الأقضية العراقية الكوردية ، حيث موقعها الجغرافي الذي يقع على المثلث العراقي السوري التركي الذي جعلها بان  تكون ذات أهمية جغرافية وممرا تجاريا هاما بين تلك الدول الثلاث . وكذلك التنوع الاجتماعي والعرقي والديني الذي جعل المدينة عبر سنوات فسيفساء جميلة حيث عكست قيم التسامح والاخاء والمحبة وتقبل الآخر بأجمل صوره في الشرق على الإطلاق . من لايعرف سنجار  واهلها فانها خليط متنوع الأديان والقوميات والطوائف . هي مركز الأخوة الايزيديين في العالم تقريبا وعاشوا فيها عبر تاريخ طويل امتدت لمئات السنين ورغم كل ما تعرضوا له من حملات إبادة التي وصل عددها الى ٧٣ حملة كانت اخرها في سنة ٢٠١٤ على يد قوة الكفر والظلام داعش والتي تسببت في إبادة الآلاف من الشباب والنساء وكبار السن . وكذلك سبي وتهجير الكثير منهم ، وفي سنجار المسلمين السنة والشيعة وفيها الكورد والعرب والتركمان ورغم كل هذه الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية لم تشهد المدينة عبر تاريخها اي صراع داخلي بين هذه المكونات مما عكس ثقافة التسامح والسلام بالشكل الحقيقي والعملي.

 

هذه المدينة التي انتمي اليها واجهت العديد من الأزمات الخارجية حيث كانت دوما تقع ضحية الصراعات الداخلية العراقية والإقليمية وتعرض أهلها للعديد من حملات التهجير القسري الداخلي بسبب مواقفها القومية الصادقة وتمسكهم بهويتهم الكوردستانية . وقد انجبت هذه المدينة في العصر الحديث العديد من القادة الكورد الذين تركوا بصمة كبيرة في نضالهم السياسي والحزبي واعتلى البعض منهم مراكز قيادية في الدولة والحزب وكان البعض قادة عسكريون وتخرج منها العديد من الضباط الذين دافعوا بشرف واخلاص عن القضايا الوطنية والقومية واستشهد العديد من هؤلاء القادة بشرف وكرامة . سنجار التي تحملت اعباء السياسات الخاطئة للعديد من الأحزاب والقوى السياسية وكانت كبش الفداء  للصراعات الداخلية بين الإقليم والمركز مما تسبب بإهمالها وعدم المبالاة بها وافتقرت لابسط وسائل البنى التحتية رغم ما تمتلكه المدينة من موارد زراعية وثروات حيوانية كبيرة وليس ببعيد انها تقع على بحيرة من النفط . هذه المدينة الصامتة تمر اليوم بأكثر الفترات الزمنية التاريخية سوءا حيث يعيش غالبية أهلها منذ سنوات في مخيمات النازحين في اقليم كوردستان..

 

 

 

” عانت سنجار عبر تاريخها الحديث الكثير من الأزمات وفقدت الكثير من عوامل التطوير والتقدم الذي شهده العراق في الثمانينات من القرن الماضي ، وذلك لأسباب عديدة أهمها الانتماء القومي الصادق بمكونهم الكوردي  ونضالهم الدؤوب من اجل العدالة والمساواة التي كانوا يشعرون بانها غير متساوية مع باقي مكونات الشعب العراقي وان الحكومات العراقية المتعاقبة تعدهم جزء من الثورات الكوردية المتعاقبة”

 

 

لقد عانت سنجار عبر تاريخها الحديث الكثير من الأزمات وفقدت الكثير من عوامل التطوير والتقدم الذي شهده العراق في الثمانينات من القرن الماضي ، وذلك لأسباب عديدة أهمها الانتماء القومي الصادق بمكونهم الكوردي  ونضالهم الدؤوب من اجل العدالة والمساواة التي كانوا يشعرون بانها غير متساوية مع باقي مكونات الشعب العراقي وان الحكومات العراقية المتتالية تعتبرهم جزء من الثورات الكوردية المتعاقبة وبسبب موقعهم الجغرافي الذي يبعد عن مكان احداث الثورة الكوردية وقضاء تابع لإدارة محافظة تابعة لحكومة المركز وعليه تم معاقبة هذا القضاء وسكانه  بأبشع أنواع الأساليب الإدارية والأمنية وفرض عليهم الكثير من التبعيات التي جعلت من سكانها ان  تضطر الى مغادرتها واللجوء الى الأماكن الأكثر أمانًا وتطورا . فكانت الهجرة الأولى الى محافظة دهوك في بداية السبعينات من القرن الماضي ، حيث استوطنت العديد من العوائل السنجارية في هذه المحافظة وأقضيتها وما يزالون ساكنين فيها .. وكذلك تم تهجير العديد من سكان المدينة بعد انتهاء ثورة أيلول المجيدة التي قادها الزعيم الخالد الملا مصطفى البارزاني سنة ١٩٧٤ الى العديد من المدن والأقضية الجنوبية في العراق عقابًا لمواقف أهالي سنجار مع القضية الكوردية وانتمائهم للحزب الديمقراطي الكردستاني بالتحديد  .. وهذه الأحداث بالتأكيد خلقت الكثير من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في المدينة حيث شعر أهاليها بان لا أمان عليهم فيها وان موقعهم الجغرافي لن يخدمهم في السعي لتحقيق طموحهم القومي وان الأحداث الدولية التي مر بها العراق منذ انتهاء ثورة أيلول حتى الحرب العراقية الإيرانية واجتياح الكويت والحصار الذي فرض على العراق إبان تحرير الكويت حتى سقوط النظام العراقي الصدامي ، كانت جميعها عوامل سلبية عليهم وان التعامل مع تلك الأحداث يحتاج الى العديد من الخطوات التي افتقدتها المدينة فوقعت كارثة اجتياحها من داعش سنة ٢٠١٤

 

في ٤/٨/٢٠١٤ دخل ارهابيو ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق و بلاد الشام  ( داعش ) مدينة سنجار وارتكبو ابشع الجرائم  بحق أهلها من مختلف المكونات وكل جعلو له سببًا لجرائمهم القذرة ولكن كان الايزيديين اكثر المكونات التي ارتكبت بحقهم الجرائم حيث تم إبادة مايزيد عن ٥٠٠٠ الآلاف شخص بين الرجال والنساء والشيوخ وحتى الأطفال . ولم يكتفوا بتلك الجرائم البشعة فقاموا بسبي  النساء والفتيات وتم بيعهم في سوق النخاسة في مدينة الموصل والرقة مما تسبب في أزمة اجتماعية ونفسية كبيرة للعديد من هؤلاء النسوة القديسات ..

واضطر غالبية أهالي سنجار للنزوح الى مناطق اقليم كوردستان الآمنة مما حمل التنظيم الأرهابي داعش في شن هجوم شامل وموسع على كافة محاور الإقليم واستطاعوا ان يفرضوا سيطرتهم على مناطق سهل نينوى وبعض المناطق التي تشملها المادة ١٤٠ من الدستور العراقي وهي مناطق  متنازع عليها بين اقليم كوردستان والمركز ( بغداد ) ولكن قوات البيشمركة تصدت للإرهابين واستطاعت بدماء شهداء ان يسترجعوا كافة المناطق التي سيطر عليها التنظيم الأرهابي وكلف ذلك الإقليم مايقرب من ٣٠٠٠ ثلاثة الف شهيد وحوالي ١٦٠٠٠ ستة عشر الف جريح . وبعد استعادة المدينة من قبل قوات البيشمركة واجهت المدينة العديد من الأزمات الداخلية والإقليمية مما عقد وضع أهلها النازحين وتأخير عودتهم اليها  وهنا لابد لنا ان نقف عند هذه النقطة بوضوح . هناك العديد من الأسباب التي اجتمعت على تاخير عودة النازحين الى ديارهم أهمها :

– ما تسببت به القوى الإجرامية داعش  من تدمير المدينة والنواحي والقرى التابعة لها وقد تم تدمير غالبية البنى التحتية فيها . وهذا بالتأكيد يحتاج الى تعاون دولي وعمل جاد من حكومتي المركز و اقليم كوردستان للتعاون في اعادة إعمار المدينة والبنى التحتية لها ..

– تواجد قوات حزب العمال الكوردستاني التي شاركت في معارك تحرير المدينة ولكن بقائها بعد التحرير عقد الأمور حيث تدخلت بعض الدول الإقليمية في المدينة بحجة محاربة مقاتلي حزب العمال الكوردستاني . وبالرغم من المناشدات المتكررة من قبل حكومة اقليم كردستان بان تعود قوات العمال الكردستاني الى مواقعها وترك المدينة ، الا انها رفضت كل تلك المناشدات وأصرت على البقاء كموقع استراتيجي لتحرك قواتها ضمن المثلث العراقي التركي السوري ، وهذا عقد فكرة العودة لان تلك القوات بدأت تدخل بالشؤون الإدارية واليومية لحياة المواطنين في المنطقة وتحاول جر العديد من الشباب السنجاريين الى صفوفها .

 

 

 

” تواجد مقاتلي حزب العمال الكوردستاني في سنجار عقد الأمور حيث تدخلت بعض الدول الإقليمية في المدينة بحجة محاربة مقاتلي الحزب المذكور . وبالرغم من المناشدات المتكررة من قبل حكومة اقليم كوردستان بان يعود مقاتلي العمال الكوردستاني الى مواقعها وترك المدينة،الا انها رفضت كل تلك المناشدات وأصرت على البقاء كموقع استراتيجي لتحرك قواتها ضمن المثلث العراقي التركي السوري”

 

 

 

– تواجد قوات الحشد الشعبي الذي شارك في تحرير بعض النواحي التابعة لسنجار مع قوات الجيش العراقي والتي تم بالتنسيق آنذاك مع حكومة اقليم كوردستان . ولكن تلك القوات فرضت سيطرتها على المنطقة وأخذت باتباع سياسة العمال الكوردستاني في كسب الشباب السنجاريين للالتحاق في صفوفهم والقتال معهم ضد داعش .

– التدخلات الإقليمية والحرب القائمة في سوريا والتي تعد الحدود الاستراتيجية لمدينة سنجار وتلك الحدود غالبيتها كانت تقع بيد داعش خارج سيطرة الجيش السوري النظامي . وكذلك تواجد قوات سوريا الديمقراطية قسد في المنطقة والتي تحاول من خلال العمال الكوردستاني ان يكون لها موطيء قدم في المنطقة لتشكل مستقبلا ورقة ضغط في التفاوض مع دمشق على المناطق الحدودية والتي ربما يتم تحويل المدينة الى مخطط جغرافي جديد .

قد يعجبك ايضا