الرئيس مسعود البارزاني ونظرته لمستقبل العراق في مقابلة مع صحفي عربي عام 1992 .. ” فالتواصل حادث بين الأمّة العربية والكوردية فنحن إخوة”
اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 19- 12- 2023
في العام 1993 صدرت الطبعة الاولى من كتاب بعنوان ( سجناء بلا قضبان- محنة الأكراد في العراق) للاستاذ ياسر فرحات، الذي طُبِعَ بدار نوبار للطباعة، وكان ناشرها مكتبة مدبولي- مصر، ذكر فيها مسائل أختصّت بالشأن الكوردستاني في العراق خصوصاً المظالم التي تعرضوا لها، وكان من أهمها لقاءه برئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود البارزاني في حينه، وهي الفترة التي كان حكم العراق بيد النظام السابق حتى سقوط ذلك النظام عام 2003. ولأهميته نذكر النص الكامل للقاء الذي أجريَ من قِبَل الكاتب مع الرئيس مسعود البارزاني:
– “مسعود البارزاني وحوار الجبال!!
( وتصورت أن طريق اللقاء سيكون سهلا كأي لقاء آخر.. لم أتخيل أنه سيكلفني الكثير من الوقت والجهد والمعاناة والإرهاق..،)
توقعت أن ألقاه في مكتبه أو منزله أو أي مكان آخر خلال رحلتي لإيران.. وخاب توقعي وقابلته في البيداء القاحلة.. حيث الجبال والسفوح الخالية من الحياة عند مركز من مراكز الثوار الكورد على المثلث الحدودي الإيراني العراقي التركي.. لنبدأ أطول حوار يمكن أن يجريه صحافي، وليكون أول حوار يُدلي به الزعيم الكوردي في بداية أزمة الخليج لصحفي عربي مُسلم. الحوار الساخن امتّد مسافة تربو على ١٦٠٠ كيلو مترا من طهران في جو من الصقيع والعواصف الرملية. لم يكن دافئا فيه سوى حرارة اللقاء الذي بدأ على قمة جـــــــبل ( دلانبرا). ولولا مقاومة الموجات الهوائية التي كادت تُسقطني من فوق الجبل لاستَمّر الحوار. لكن اضطررنا للدخول لمنفذٍ من المنافذ العسكرية للحزب الديمقراطي الكوردستاني لاستكمال حواري مع مسعود البارزاني رئيس الحزب الذي يمثّل أقوى جبهة عراقية كوردية مُعارضة لنظام صدام العدواني. وفيما يلي النصّ الكامل للحديث الذي انفردت به خلال رحلتي إلى إيران وعلى بعد ٣ كيلو مترات من العراق.
* شاهدتُ معك مجموعة كبيرة من الثوار في هذه المنطقة العسكرية حبذا لو أعطيتنا فكرة عن عملكم داخل العراق. ما هو الدَور الذي تقومون به من خلال كوادر الحزب ومن خلال العمليات العسكرية؟.
– ما نقوم به غير جديد. فهو يعود الى عام ١٩٦١ ولا يزال الآن ويتلّخص في النضال ضد الأنظمة الديكتاتورية والفاشية التي تنكرت لكل الحقوق القومية والإنسانية للشعب الكوردي. وأسلوب النضال يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن وقت لآخر فهناك الكفاح المسلح والكفاح السياسي أيضا داخل المدن والمعسكرات القاسية التي أقامها صدام منذ عام ١٩٧٥. وهناك النضال الإعلامي. فالكوادر الموجودة في القواعد العسكرية تقوم بنضال عسكري وبعمليات عسكرية. أما الكوادر السياسية فهم يُناضلون داخل المعسكرات والمُدن بشكل سريّ. التواصل العربي
* لقد شاهدت صورة محزنة جدا وواقعا مريرا في معسكر ( الزيوه) الذي يضم آلافا من اللاجئين العراقيين الكورد. فما هو الوضع الحقيقي لهؤلاء؟. وكيف يعيشون وما هي الإمدادات التي تصلهم وماذا عن الرعاية الطبية؟.
– يوجد حاليا في إيران حوالي ٩٠ ألف عائلة كوردية عراقية لاجئة ينتشر أفرادها في عدد من المناطق منها محافظة أذربيجان وغيرها من المُدن الإيرانية. منهم مَن استقر وضعه إلى حدٍّ ما ومنهم مَن جاء بعد الهجوم الكيماوي الكبير على حلبجة وهؤلاء يعيشون في مخيمات اللاجئين وتقدم الحكومة الايرانية مساعدات قدر الإمكان إليهم. ومع ذلك فهم يعانون من مُشكلات كثيرة، وقد حاولنا أن نلفت انتباه المنظمات الدولية والمنظمات الخيرية لتقديم الدعم الإنساني لهؤلاء اللاجئين. ولكن للأسف لم يكن هناك تجاوب يُذكر.
* هل تستقبل مفارزكم جميع الفارين من النظام العراقي؟.
– الحقيقة أن هناك أعدادا ضخمة من الفارين، ولكن لا أقطع أنه ليس في نيتنا استقبالهم. لأنه ليس بإمكاننا أن نستوعب هذا العدد الكبير حتى لا نخلق أزمة معيشية بيننا وبينهم. أو حتى لا يُصابوا برد فعل غير متوقع.
* الزعيم مصطفى البارزاني كانت له علاقات طيبة مع العرب وأنت تمثّل الآن الحزب الذي يمثل الغالبية لشعب كوردستان. فهل أنت حريص على هذا التواصل مع العرب؟.
– بالتأكيد أنا حريص جدا. وأفهم أهمية هذه العلاقة من كافة النواحي التكتيكية والستراتيجية. وشئنا أم أبينا فالتواصل حادث بين الأمّة العربية والكوردية فنحن إخوة وصدام حسين هو الذي يريد أن يفتعل الشقاق العربي الكوردي.
* ينفي دائما النظام العراقي أنه أقدم في بعض الأحيان على إبادة القرى الكوردية بمن فيها. على عكس ما تؤكده المعارضة العراقية وتردده وسائل إعلامها. ماذا لديكم لدحض الادعاءات التي يحاول ترويجها النظام العراقي؟.
– على سبيل المثال في عام ۱۹۷۷ كانت هناك مناسبة دينية وكانت هناك مسيرة بين النجف وكربلاء قصفت هذه المسيرة من الجو والأرض وسقط خلال دقائق أكثر من ألفي شخص قتيل. فاندلعت المظاهرات فى الموصل والسليمانية وقُمِعَت بقسوة استخدم فيها النظام البعثي الدبابات والمدفعية الثقيلة. فقتَل المواطنين أمر عادي جدا ولا أعتقد أن هناك زعيما آخر في العالم يتجرأ أن يقتل مواطنيه كما يفعل صدام حسين.
* وما الذي حدث في حلبجة؟.
– كان الكثير من المناطق الحدودية مسرحا للعمليات العسكرية بين إيران والعراق ومنطقة حلبجة إحدى هذه المناطق التي تحولت إلى ساحة للقتال وكان ذلك في الثاني عشر من آذار ۱۹۸۸مدينة حلبجة كان يسكنها ۷۰ ألف نسمة وكانت خالية من أيّة قوات بعد انسحاب القوات العراقية منها. وفي يوم ١٦ من نفس الشهر قصفت القوات العراقية حلبجة بكافة أنواع الأسلحة المتوفرة لديها ولأول مرّة يتم استخدام غاز السيانيد وخلال دقائق تحولّت المدينة إلى أشباح. واستشهد أكثر من خمسة آلاف أغلبهم من الأطفال والنساء ولدّي الأفلام والصُوَر التي تؤكد هذه المهزلة الرهيبة. لقد كانت جريمة سجلّها التاريخ الانساني.
مطالب متواضعة
* يعتقد البعض أن الكورد يسعون إلى إنشاء دولتهم المستقلة على أنقاض الوطن العراقي. ولهذا فهُم يرفضون كافة الإجراءات التي لا تحقّق لهم هذا الهدف. فيصفون نضالكم ضد النظام العراقي بأنه نضال من أجل الانفصال. فهل جبهتكم تقود حركة انفصالية عن العراق؟.
– مطالب الكورد متواضعة جدا. ولا تخرج عن كونها مطالب مشروعة وقد اعتبرنا اتفاقية الحادي عشر من آذار عام ۱۹۷۰ هي الأساس فى أي حلّ للقضية الكوردية. نحن لم نطالب بالانفصال ولم نطالب بشق الوحدة الوطنية وتجزئة العراق. وإنما نطالب بأن نتمتع بحقوقنا المشروعة ضمن إطار الوحدة العراقية.
* إذا كانت تلك مطالبكم فما هو سرّ إصراركم الدائم لمعارضة النظام العراقي قبل وأثناء حكم صدام. هل ستستمرون في نفس الدرب المعارض بعد صدام أم أنّه يُمكنكم التعاون مع نظام ما بعد صدام؟. وما هي شروطكم لهذا التعاون؟.
– المعارضة الكوردية تمثّل قوة نضالية للشعب الكوردى الذي قدَّم الكثير من التضحيات وبذل الغالي والنفيس في سبيل الديمقراطية المُفتقدَة في العراق. وأعتقد أن أيّ تغيير في المستقبل سيكون فُرصة مناسبة لإزالة جروح الماضي وترسباته. ولنفتح صفحة جديدة تجسّد الأخوة العربية الكوردية ومسألة التعاون تتوقف على مدى ديمقراطية النظام، أما إذا كان متنكرا لحقوق الشعب الكوردي فلن يكون هناك تعاون معه بالطبع.
* لقد شهد العراق خلال الشهور القليلة التي سبقت الغزو العراقي للكويت دعوة عراقية بتغيرات دستورية والسماح بالتعددية الحزبية تمهيدا لإجراء انتخابات حرّة. ألا ترى في ذلك التوجه الجديد ما يتفق مع مصالحكم وأهدافكم كمُعارضة؟.
– لا أتصوّر أن النظام يتحمّل أي تغيير دستوري ديمقراطي. ومشروع الدستور الذي طرح للمناقشة يدّل بوضوح على أن الرئيس العراقي هو كل شيء. فوق القانون. فليس هناك ما يحّد من صلاحياته. إن مشروع الدستور الذي طُرِحَ على الشعب يُفند كل هذه المزاعم ويؤكد ويكرّس ديكتاتورية لا مثيل لها في العالم.
نضال شريف
* هناك انطباع أن الكورد ينحصر نشاطهم في مجال حرب العصابات فقط. فهل هذا حقيقة عملكم النضالي ضد صدام؟.
– سؤال جيد. القضية الكوردية قضية شعب عريق وكبير يعيش في منطقة الشرق الاوسط، هذا الشعب لهُ دَور كبير في صُنع تاريخ المنطقة. هذا الشعب الذي أنجب البطل صلاح الدين الأيوبي وبعد الحرب العالمية الأولى عندما قُسَّمَت القوى الاستعمارية المنطقة على هواها كان نصيب إقليم كوردستان أن قُسِّمَ هو أيضا، ونحن نعتبر أن شعبنا قد غُبِنَ تاريخياً ومن حقه أن يعيش بحريّة، وأن يتمتع بحقوقه كاملة شأنه في ذلك شأن الشعوب الشقيقة الأخرى كالعرب والفرس والترك.. وهذا ما أدى إلى أن يَثور الشعب الكوردي من أجل حقوقه والدفاع عن وجوده ومحاولات سحقه. إنها ليست حرب عصابات وليست أعمال عصابات كما يزعمون. وإنما هو نضال شريف شرعي، فالشعب الكوردي من أكثر الشعوب حبّاً للسلام. نحن نريد أن نساهم بفاعلية وبإيجابية في تنمية المنطقة وتطويرها. وقد حرَصَ الشعب الكوردي على التمسّك بالأخوة العربية الكوردية بالرغم من كل النكبات التي تسبَّب فيها مَن يدّعون التحدّث بإسم العرب. فالقضية الكوردية قضية سياسية ولا يجوز أن ينظر الى الشعب الكوردي على أنهُ يمتهِن القتال فقط. ومَن يريد أن يتعامل معنا يجب أن ينطلق من أساس سياسي وأتمنى أن نقوم من خلالكم بإيصال هذه الحقائق إلى الشارع العربي الذي يهمنا أن يطلِّع على حقائق الأمور التي حُجِبَت عنه.
* رغم كلّ ما يُقال. فالإعلام العراقي يصوّر لنا صورة مختلفة تماماً، فهو يصوّر الديكتاتور على أنه يعيش مع شعبه الذي يرى فيه بعد غزوه للكويت أنه الفاتح. هل هذه هي الحقيقة؟. وهل الشعب العراقي يرى في صدام البطل المُنتظر كما يدّعي الإعلام العراقي؟.
– منذ متى كان الإعلام العراقى أميناً في نقل الحقائق؟. فهو يدّعي إنه منح الشعب الكوردي الحكم الذاتي، وأن كوردستان أصبحت جنة، بينما الواقع هو أن أكثر من ٤٠٠٠ قرية مُدمرة في كوردستان وأكثر من مليوني مواطن كوردي موجودون الآن داخل المعسكرات القاسية بالقرب من مراكز المحافظات. فالإعلام العراقي ينقل ما يريده النظام وليس ما هو واقع وموجود على الساحة العراقية. رغم بوادر الاتحاد أو تكوين جبهة ائتلافية إلا أن المعارضة العراقية وبالذات الحركة الكوردستانية -تواجه انقساما خطيرا ممّا قد يعوق انطلاقها ويَحُول دون تحقيق أهدافها فإلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الانقسامات مؤثرة؟!. لا ليس هناك انقسام. بالعكس. نستطيع أن نؤكد أنه في الوقت الحاضر فهناك تفاهم تام ووعي متطوّر في صفوف الحركة الكوردية، وعلى سبيل المثال التضامن المتوافر حاليا في الساحة الكوردستانية التي تمثلّها الجبهة الكوردستانية التي انضمّت إليها كافة الأحزاب. ففي السابق كانت هناك بعض المشاكل والاختلافات، ولكن تمّ التغلب على هذه المشاكل. وبالطبع هناك أحزاب مختلفة ولها توجهات وإيديولوجيات متعددة. ولكنها جميعاً مُنسجمة في إطار الجبهة الكوردستانية.
تغيّر الأسلوب
* يُقال إن الضربات العنيفة التي وجههّا النظام العراقي للمقاومة أنهكت البنية العسكرية للمعارضة العراقية ولذلك اتجهت للتركيز على الجوانب السياسية، فهل أكتفت بذلك؟.
– يجب أن نكون أكثر واقعية بعد أن أمتلك النظام العراقي الأسلحة الكيماوية واستخدمها دون رادع ضد النساء والأطفال. تغيّر أسلوبنا في المواجهة ولجأنا إلى حرب الفدائيين لأنه لا يمكن بوسائلنا وإمكاناتنا المتواضعة أن نقاوم جيشا يملك كل أسلحة الدمار الشامل. بالطبع أثر هذا الوضع على المقاومة الكوردية نفسياً وعسكرياً، وإن لم يصل إلى حدّ اليأس بالنسبة للحركة الكوردية، فاليأس والتعب يعني الموت، فالشعب الكوردي لا يتعب ولا ييأس ولكن هناك تغييرا في الأساليب فالجانب السياسي مهم. ولكن الكفاح المسلح مهم أيضا فنحن نستفيد من كل المجالات سواء العسكرية أو السياسية أو الإعلامية. حقاً الضربات الكيماوية أثرت على وضعنا العسكري ولكن ليس إلى الدرجة التي يتصوّر معها البعض أننا أرهقنا أو انتهى الكفاح المسلّح. أن ذلك غير صحيح ولن يتوقف نضالنا حتى نحقق الأهداف المشروعة للشعب الكوردي.
* هل يمكن أن تُحدثنا عن صورة العمل الفدائي الذي يقوم به أبناء المقاومة الكوردية بقيادتكم؟.
– هناك أساليب مختلفة يمارسونها في النضال بعضها عسكرية تتناسب مع الظروف والإمكانات المتوافرة هذا إلى جانب النضال الجماهيري والسياسي. هذه نضالات مستمرة وسوف تستمر رغم أن هناك عقبات ومشاكل كثيرة تعترضنا.
مسألة داخلية
* بعد تسليم صدام بالكامل لإيران هل أثر هذا على نشاطكم العسكري بطريقة أو بأخرى؟.
– يربط البعض بين نضال الشعب الكوردي والحرب العراقية الإيرانية وهذا غير صحيح بالتأكيد نحن نعيش في منطقة واحدة، ولكن عندما اندلعت الثورة الكوردية لم تكن الحرب بين إيران والعراق قائمة وبعد الحرب لم يتوقف النظام العراقي عن إرهابه لشعب كوردستان ولم يتوقف الشعب الكوردى عن النضال. أيضاً الحقيقة بعد تسليم صدام لإيران ليس هناك أدنى تأثير على كفاحنا المسلح ولا على كفاحنا السياسي فالمسألة داخلية ومرتبطة بالشعب الكوردي والشعب العراقى معاً.
* بعد غزوه للكويت خرج صدام على العالم مدعياً الإسلام ومطالبا بإعادة توزيع الثروات وأن الغزو العراقي للكويت هو بداية على طريق تحرير القدس. فما هو ردّكم على هذه الادعاءات الصدامية؟. وما هي الصورة الحقيقة لشخصية صدام كما يراها مسعود البارزاني؟.
– إنّه غني عن التعريف فالذي يقتل الآلاف من أبناء شعبه ويدعي كذبا أنه مسؤول عن حمايتهم- لا يحتاج لأي وصف فكل الذين قتلوا- سواء في العهد الملكي أو في عهد عبد الكريم قاسم أو عهد الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف كل هؤلاء القتلى لا يتجاوزون ربع ما قتلهم صدام فى ليلة واحدة. إنه رجل مُصاب بالازدواجية فهو ضالع في تغيير المواقف وفي هذا المجال لا يفوقه أحد وما يفعله حاليا وما يدعيه عن إسلامه وتوزيعه للثروات مجرد شعارات يرفعها للمزايدة وللاستهلاك وليس من الإسلام في شيء. وبالنسبة لدعواه بتحرير القدس عن طريق غزو الكويت فليس هناك أي رابطة بينهما فالأردن أقرب للقدس من الكويت فطريق الأردن أقرب وأقصر.
* ماذا يُمثل غزو الكويت بالنسبة للشعب الكوردي؟.
– الشعب الكوردى يُدين الاحتلال ويرفض أي نظام يقوم بفرض صيغة معينة على شعب معين. هذه الصيغة يجب أن تكون مرفوضة فالشعب الكوردي عانى كثيرا وتعرض لغزوات مستمرة لذا وبالتأكيد يتعاطف مع أي شعب يتعرّض للعدوان.
المحافظ الإرهابي
* بالطبع تعرف المدعو علي حسن المجيد الذي كان حاكما عسكريا لكوردستان والذي عينّه صدام محافظا للكويت قبل تحريرها كيف كان يتعامل مع الشعب الكوردي؟.
– الطفل في كوردستان يعرف على حسن المجيد فهو يمثل الإرهاب والقتل والتشريد والتدمير ويمثل سحق القرى، أنا أعرفه شخصيا لقد كان يتعامل مع الشعب الكوردي بأقصى درجات الوحشية عندما عيّن ما يسمى بأمين سرّ فرق الشمال لحزب البعث الذي أعطاه صلاحيات مطلقة بحيث أن أي أمر يصدره علي حسن المجيد إذا تعارض مع أي نص دستوري أو قانوني يُجمّد النص الدستوري أو القانوني ويُنفَذ قرار علي حسن المجيد فورا. كل القطاعات الأمنية والعسكرية والشرطة والجيش الشعبي والمرتزقة الذين نسميهم ( الجحوش) وضعت تحت تصرف ( علي حسن المجيد) فقام بتدمير آلاف القرى في كوردستان وهو أصدر أوامره باستخدام السلاح الكيماوي وكان هو وصدام حسين فقط لديهما صلاحية إصدار الأوامر باستخدام السلاح الكيماوي وأعتقد أنه عُيّن محافظا للكويت بسبب خبرته في تدمير کوردستان.
* هل تعتقد أن صدام حسين باختياره علي حسن المجيد بالذات للكويت كان يريد تكرار مأساة کوردستان؟.
– كما قلت علي حسن لديه خبرة واسعة في تدمير القرى والبيوت وتغيير الواقع القومي وأعتقد أن هذا هو السبب الذي جعل صدام حسين يختاره محافظا للكويت ومن ناحية أخرى فهو قريب له ولا يحمل أي شعور إنساني. أو بتعبير آخر هو سادي تماما.
غزو الكويت
* هل كان الغزو العراقي لدولة الكويت يمثل مفاجأة لكم، وهل كان هذا الغزو راجعا لأطماع قديمة لدى العراقيين، أم أنه فقط جاء تحقيقا لأطماع النظام العراقي؟.
– بالنسبة لي شخصيا لم يكن الغزو مفاجأة. ولكن المفاجأة كانت في غزو كل أرض الكويت وإسقاط الحكومة. كنت أعتقد أن الغزو سيحدث ولكن سينحصر في جزيرتي بوبيان ووربا وحقل الرميلة. حقا هناك مشاكل تاريخية حتى في زمن عبد الكريم قاسم حدث نفس الشيء ولكن لم تصل إلى مرحلة التنفيذ، ومع ذلك فالنظام الحاكم في العراق هو آخر من يحق له الادعاء بأن له حقا في الكويت فاذا كان له حق كما يدعي فإنه في عام ١٩٦٣ تخلى عن دعواه مقابل ۳۰ مليون دولار. ثم إن النظام العراقى أثناء الحرب العراقية الإيرانية قلّد أمير الكويت وسام الرافدين وجُعل يوما من أيام الحرب يوماً للكويت. عندما جرت محاولة اغتيال الأمير وقام النظام العراقي وقتها بشن أعنف الغارات الجوية على المدن الإيرانية فهذا النظام الدموي لا يمكن يعيش دون أن يختلق المشاكل والحروب مرّة مع إيران وأخرى مع الكويت.
* لكن صدام في مبرراته لإقدامه على غزو الكويت كان يدّعي سعيه لتحقيق الوحدة العربية. فما تعليقكم على هذا الادعاء؟.
– الوحدة ليست مجرد شعار، ولا تتحقّق بالشعارات البراقة ولا بالمزايدات فهي هدف مقدس لا بد أن يتحقق بشكل ينسجم مع العصر ومع تطلعات الشعوب العربية وباختيارها وليس بقوة السلاح، فنظام صدام ألحق الضرر بالوحدة العربية فمنذ توليه الحكم وهو يُحارب هذه الوحدة التي تمثّل لهُ مجرد شعار لا غير.
* كان من الآثار الناجمة عن الغزو العراقي للكويت إجماع العالم مُمثلا في مجلس الأمن على تطبيق عقوبات اقتصادية على العراق. تُرى ما تأثير الحصار الاقتصادي العالمي على العراق؟.
– الأزمة الاقتصادية الخانقة يعاني منها الشعب العراقي فهو يعيش في وضع نفسي سيء فهو دخل حربا ظالمة ضد إيران لمدة ثماني سنوات بدون أن يؤخذ رأيه ثم انتهت الحرب وتنازل صدام عن كل شيء، وهذه الأزمة ستكون لها أبعاد خطيرة إذا ظلت الأمور بهذه الصورة. ومن حق الشعب العراقي أن يسأل إلى متى يدخل في كل هذه المشاكل؟. إلى متى يُساق إلى كل هذه الأزمات بدون أن يكون له رأي؟!. وأستطيع أن أقول حتى الجيش مستاء من الوضع.
الأكثرية ترفضه
* ما هي حقيقة الأنباء التي تؤكد هروب أعداد كبيرة من أفراد الجيش العراقى لرفضهم سياسات صدام. ماذا عن تعاون الجيش العراقي معكم؟.
– الأكثرية الساحقة من الجيش العراقي ضد توجهات النظام العراقي ويرفضون سياساته وهذا في حدّ ذاته نعتبره نوعا من التعاون.
* يقوم النظام العراقي حاليا بإعادة بعض مناطق کوردستان للفلاحين في محاولة لاستعادة زراعتها وإعادتهم مرّة أخرى في المساء للمعتقلات فما سرّ ذلك؟.
– الأزمة الاقتصادية التي تواجه العراق تؤكد كم كانت سياسة صدام عندما قام بحرق أرض كوردستان جريمة كبرى ليست في حق الكورد وحدهم بل في حق الشعب العراقي كله، فالخسائر الجسيمة التي تحملها العراق نتيجة سياسات صدام حسين الحمقاء بتهجير مزارعي کوردستان من قراهم وحقولهم أكدت أنه لولا ما حلّ بالكورد على يد النظام البعثي لكان لكوردستان الدَور الأول لمواجهة الأزمة، ولكن تلك هي حصيلة نظام صدام وهذا هو حصاد الغدر والعدوان. وبالطبع الدوافع وراء إعادة الفلاحين الكورد لأرضهم هي الأزمة الاقتصادية وهذا التوجه من النظام العراقي يثبت اعتراف صدام حسین بما اقترفه من ظلم بحق الشعب الكوردى والعراقي.
الوضع الحقيقي
* بوصفكم رمزا للمعارضة العراقية ولكم دراية كبيرة بأحوال العراق وتتابع ما يجري داخل الجيش العراقي ونحن نسمع بعض الأنباء التي تؤكد أن الضباط العراقيين يفرون من الجيش وأن أكثر من تمرد وقع داخل الجيش أخيرا وأن التذمر يسود معظم الوحدات العسكرية وأن صدام أعدم بعض القادة الذين رفضوا احتلال الكويت. فما هو الوضع الحقيقي للجيش العراقي؟. وماذا يدور داخله؟!.
– لقد حاول النظام العراقي خلال سنوات طويلة أن يحوّل المؤسسة العسكرية إلى جيش عقائدي كما يحلو له أن يسميه واستطاع بالفعل أن يجند عددا من كوادره الحزبية وألحقهم بالكليات العسكرية وتخرجوا كضباط، ولكن النظام لم ينجح حتى الآن في تحويل كل الجيش العراقي إلى جيش عقائدي أو جيش بعثي، فالجنود والضباط ينتمون إلى الشعب ويتأثرون بما يتأتر بـه ويعيشون المعاناة التى يعيشها الشعب العراقي. ومع ذلك هناك انضباط عسكري شديد القسوة فأي مخالفة في تنفيذ الأوامر تعني نهاية المخالف. والأمثلة على ذلك كثيرة ففي الحرب العراقية الإيرانية أعدم مجموعة من خيرة ضباط الجيش العراقى لرفضهم أسلوب صدام. ومن هؤلاء اللواء الركن صلاح الدين القاضي والعميد الركن جواد أسعد وغيرهما. ولقد خاض الجيش العراقي حربا ظلّت ثماني سنوات مع ایران تكبد فيها خسائر فادحة في الارواح والممتلكات بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الهائلة التي لحقت بالشعب العراقي. فما أن انتهت هذه الحرب حتى أدخلوا حربا جديدة مع دولة عربية شقيقة وهذا خلق أزمة جديدة جعلت أفراد الجيش يتساءلون: إلى متى يُساق الجيش إلى ميادين القتال دون أن يكون له هدف ودون أن يكون لشعب العراق مصلحة؟. فالجيش يجب أن يدافع عن الوطن العراقي لا أن يكون سببا في اضطهاده أو آلة تنفيدية بيد نظام ديكتاتورى يقمع بها الشعب.
* إذاعة بغداد ووسائل الإعلام العراقية تؤكد أن الجيش العراقي يدين بالولاء للنظام وأن ما تردد عن تذمر بعض من الوحدات العسكرية عارٍ عن الصحة فأين الحقيقة؟. وإذا كان الجيش حقا لا يريد الاستمرار في هذه المهزلة فلماذا لم يُقدِم على رفضها؟.
– حسب معلوماتنا الجيش العراقي مُتذمر من الوضع. مُتذمر من سلبية صدام ومع ذلك يجب أن نقول الحقيقة إن النظام العراقي لديه ضبط وسيطرة شديدة على كل مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة الجيش.
احتمالات التغيير
* في ظل الضبط والسيطرة على مُقدرات العراق وفي ظل الإستياء والتذمر داخل صفوف الجيش والشعب ما هي احتمالات التغيير من وجهة نظركم؟.
– هناك احتمالات عديدة فالشعب العراقي يتمنى أن يتخلص من الظالم والذي أتمناه أن يكون الخلاص بيد العراقيين أنفسهم كأن يثور الجيش بالتلاحم مع الشعب ويقضي على هذا النظام الدموي أو أن تكون هناك عملية اغتيال يقوم بها شباب معينون من الجيش أو من مؤسسة أخرى.
* ولكن أي الاحتمالات أقوى في رأيكم بصفتكم المُراقب للساحة العراقية داخل العراق نفسها؟.
– في تصوري لو يُترك الخيار للشعب العراقى ويستعيد حريته فأعتقد أنه بالتعاون بين المعارضة السياسية وبين قطاعات الشعب مع الجيش. هذا الاحتمال سيكون هو الأقوى للتغيير فالتجارب علمتني أن النتيجة للشعوب وليست للأنظمة الديكتاتورية فإذا تذكرنا ما الذي حلّ بتشاوشيسكو يجعلنا نثق بأن نفس النهاية سيواجهها كل نظام ديكتاتورى”.